بعد أزمة سياسية تاريخية وغير مسبوقة بين المملكة المغربية الشريفة والمملكة الإسبانية بعنوان "أزمة بنبطوش"، التي أظهرت خلالها الدبلوماسية المغربية فهمها الدقيق وإدراكها العميق ورؤيتها المتوازنة لطبيعة سياستها الخارجية ما دام أنها تعتمد في قراراتها وتحركاتها على الفعل الدبلوماسي الوازن والرصين ولا تعتمد على ردات الفعل الفجائية غير محسوبة العواقب؛ عادت العلاقات المغربية الإسبانية إلى زخمها السابق، بعد توافقات ثنائية قوية على العديد من الملفات المشتركة والقضايا الخلافية بين مدريد والرباط في جو من الثقة المتبادلة والمسؤولية والالتزام السياسي الواضح. في السنتين الأخيرتين، اتخذت العلاقات المغربية الإسبانية مسارات إستراتيجية متعددة تصب في هدف واحد هو خدمة الاستقرار الإقليمي وتقوية الروابط المتينة بين الشعبين المغربي والإسباني والعمل على تطوير العلاقات الثنائية، لتتحول إلى نموذج دولي للتكامل الاقتصادي والتعاون البيني في جميع المجالات. كثيرة هي الملفات المشتركة والمعقدة المطروحة للنقاش والتداول بين الطرف المغربي والإسباني، وكثيرة هي المداخل التي تحدد الآليات المناسبة لتطوير العمل البيني وتقوية الشراكات بهدف إعطائها أبعادا جيوسياسية تؤثر على السياسات الداخلية وتحدد كيفية صياغة القرار الدبلوماسي ومدى انسجامه مع التحديات الداخلية. إسبانيا، اليوم، تمر من لحظة انتخابية صعبة تستخدم فيها الأطراف المتنافسة بشكل شريف كل الأساليب المشروعة من أجل استماله الناخبين لبرامجهم الانتخابية وفق التزام أخلاقي يحترم المسار التاريخي للديمقراطية الإسبانية العريقة. مناقشة تصور كل طرف في الانتخابات من اليمين إلى اليسار لطريقة تدبيره لعلاقاته الخارجية ولسياساته الدبلوماسية هو أمر دارج في جميع الانتخابات التي تعرفها الديمقراطيات في العالم واستخدام إخفاقات الطرف الآخر في سياساته الخارجية لتسجيل نقاط انتخابية هو أمر مشاع بين في مختلف المحطات الانتخابية التي عرفها العالم في السنة الأخيرة بين كل المتنافسين، سواء في تركيا أو إيطاليا أو بريطانيا أو فرنسا أو غيرها من البلدان. الملف المغربي، على اعتبار العلاقات الحضارية العريقة والمتداخلة بين المغرب وإسبانيا طوال آلاف السنين، يفرض نفسه بقوة على البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة. وفي ظل هذا السباق المحموم بين مختلف الأحزاب السياسية بإسبانيا؛ للأسف يتم إقحام المملكة المغربية بشكل فج وبئيس وغير منطقي من طرف تنظيمات سياسية مجهرية لا امتداد شعبي لها تعيش على الاسترزاق السياسي وخلق الجدل العقيم لتحقيق نوع من الحضور في النقاش العمومي بإسبانيا، لن نستفيض أكثر في الموضوع على اعتبار حساسية المرحلة ومحاولة أطراف إقليمية التأثير على الديناميكية الإيجابية التي عرفتها العلاقات المغربية الإسبانية في الآونة الأخيرة خدمة لدبلوماسية الغاز الفاشلة. إن علامات الغاز الجزائري ودبلوماسية الشيكات القذرة تبدو واضحة في هذه الحركة الغبية التي يقترفها بشكل منحط تنظيم سياسي ميكروسكوبي يعاني من مرض اليسارية الطفولي ويحاول إنتاج خطاب إيديولوجي متجاوز لا تتوفر فيه الشروط الذاتية والموضوعية داخل المجتمع الإسباني لنجاحه هو دليل على إفلاس أطراف إقليمية وعملائها من مختلف التنظيمات اليسارية المتطرفة التي تتخذ من دعم أطروحة الانفصال ذريعة للتهجم على المغرب والاسترزاق على حساب التهجم عليه أو الإساءة لمقدساته. في مهمة قذرة تستهدف مقدساتنا الوطنية التي لا مجال للتطاول عليها ينبري من العتمة تنظيم كاريكاتوري معروف بنزعاته المتطرفة فكريا وسياسيا، حزب بنزعة شيوعية متهالكة سخرها لخدمة دوائر إقليمية تضررت من التقارب الإستراتيجي المغربي الإسباني وأصاب تجارتها البوار نتيجة الموقف التاريخي والمنطقي والعقلاني لحكومة بيدرو شانشيز من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية. محاولة إقحام المملكة المغربية في الشأن الداخلي الإسباني خارج السياقات المتعارف عليها والملفات المشتركة التقليدية بين مملكتين عريقتين وقوتين إقليميتين فاعلتين في محيطهما الجغرافي، بل أن يتم التطاول على مقدساتنا الوطنية بشكل مفضوح وبأسلوب يتقاطع والأساليب القذرة لجهات إقليمية بأبواقها الحزبية والإعلامية المعتمدة على الوسائل والآليات الرخيصة للإساءة إلى المملكة المغربية ورموزها وتاريخ الشعب المغربي العريق هو أمر لا أساس ديمقراطي له ولا علاقة له بالممارسات السياسية القويمة أو بحرية التعبير؛ فاحترام الشعوب وعاداتها ورموزها ومقدساتها الوطنية المشتركة جزء أساسي من الفهم الحضاري الحديث لحقوق الإنسان بمفهومها الشمولي. الشعب الإسباني الصديق (الذي يعرف المغرب جيدا) يدرك رمزية شخص جلالة الملك في المخيال الشعبي المغربي ويعرف جيدا الدور الإستراتيجي للمؤسسة الملكية في الحفاظ على استقلال وسيادة الوطن ولديه إلمام كبير بالتاريخ العريق للدولة العلوية المجيدة وما سطرته من ملاحم تاريخية في مواجهة القوى الاستعمارية طوال أربعة قرون والآثار الحضارية للشعب المغربي في الأندلس ما زالت شاهدة على عبقرية الإنسان المغربي. فالدولة العلوية المجيدة ومعها المخزن الشريف يقودون، منذ قرون خلت وإلى اليوم، نضال الشعب المغربي في مواجهة الجفاف والوباء والجراد والاستعمار والتقسيم والانقلابات العسكرية والمؤامرات والفساد والنفي والإبعاد والكوارث الطبيعية والزلازل وقنبلة الموانئ واحتلال الشواطئ والمؤامرات الاستعمارية وألاعيب الخونة وأكاذيب البؤساء. بشكل عام، استهداف المؤسسة الملكية ظل الهدف الأسمى لجميع الأطراف الدولية والإقليمية ومعها الطابور الخامس للإضرار بالمصالح العليا للشعب المغربي وأمنه القومي؛ فالمؤسسة الملكية، تاريخيا، بقيادة المخزن الشريف، ظلت الصخرة التي تتكسر عليها أحلام الإمبراطوريات الاستعمارية في التمدد على حساب سيادة المغرب وظلت العقبة التي تتوقف فيها طموحات بعض الأطراف للهيمنة الإقليمية. اليوم، حسابات خبراء «الجيل الرابع للحروب» في «المختبرات السياسية» كانت خاطئة وغير سليمة؛ لأنها لا تدرك الحقيقة التاريخية التي لا يمكن تجاوزها: المؤسسة الملكية خط أحمر بالنسبة للشعب المغربي بمختلف مكوناته وأطيافه في كل زمكان. المايسترو المغربي، اليوم، يراقص الأفاعي في لعبة إستراتيجية دقيقة، ندرك أن معركة تكسير العظام بدأت وبشراسة ضد المملكة الشريفة منذ عقود. الأعداء في الداخل والخارج مصرون على عدم السماح للمغرب بالسير قدما في مسار التنمية. معارك دبلوماسية طاحنة يخوضها رجالات المغرب ونساؤه بشرف وبطولة بمختلف العواصم المؤثرة في القرار العالمي، حفاظا على مصالح الشعب المغربي العليا بهدف تضييق الخناق وضبط رقعة الشطرنج التي يتحرك فيها المرتزقة وعملاؤهم. المغرب، مسلحا بعدالة الموقف المغربي وصوابية قراراته وبدبلوماسية الصمت الإستراتيجي والرد المناسب في الزمكان المناسب، أربك الجميع؛ لأنه يقدم صورة لدولة بمؤسسات قوية بظهير شعبي متماسك يقودها ملك مؤمن بعدالة القضية الوطنية وسموها فوق اعتبار وفق نسيج مجتمعي من المستحيل اختراقه .