منذ أكثر من عقدين من الزمن، تزايد اهتمام النخبة السياسية المغربية بقضايا الانتقال الديمقراطي، وما يرتبط بها من إشكالات ممارسة السلطة. ففي الوقت الذي بقيت فيه المؤسسة الملكية، دستوريا وعمليا، شبه محتكرة للسلطة السياسية بانفرادها بصناعة القرار؛ ظلت الأحزاب والفاعلون المدنيون ردحا من الزمن على هامش الفعل السياسي وخارج دائرة إنتاج القرار أو مراقبته. وهي اللحظة ذاتها، التي كانت النخبة السياسية المغربية ترقب بكثير من الاهتمام عملية التحول الناجحة في: إسبانيا منذ سنة 1975 م؛ ومرورا بتحولات دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سنة1991 م؛ وما تلاها من تحولات في دول شرق آسيا مع مطلع الألفية الثالثة؛ وكذا، محاولات التحول في القارة الإفريقية، خاصة التحول الناجح بجنوب إفريقيا . وادا كان الانتقال الديمقراطي, عبارة عن مسلسل يتم العبور فيه من نظام سياسي مغلق, مقصور على النخب الحاكمة ولا يسمح بالمشاركة السياسية او يقيدها, إلى نظام سياسي مفتوح يتيح المشاركة للمواطنين في اتخاذ القرار ويسمح بتداول السلطة ولا سميا عبر الاعتراف بالحقوق وضمان ممارستها في الواقع. يمكن اختزال شروط الانتقال الديمقراطي , او ما يسميه بعض الباحثين "الجيولو جيا السياسية للانتقال", في قيام ثقافة سياسية جديدة لدى السلطة ولدى المعارضة على حد سواء , تسمح ببناء وعي جديد بالمجال السياسي وبعلاقات السلطة داخل المجتمع. وباختزال شديد فان الانتقال الديمقراطي مسلسل يقف تشييده على أربعة أرجل هي: - دمقراطة الدولة - دمقراطة المجتمع - وجود محيط جهوي ديمقراطي مساعد - نخب سياسية مؤهلة وعندما يسود مناخ الأزمة والنقاش السياسي الحاد حول الخريطة العامة للمؤسسات في البلد, وطرق تدبير المراحل المفصلية في تاريخ البلد, يبرز دور النخبة السياسية كمحدد رئيسي في عملية التحول , ليتبادر لدهن تساؤلات جوهرية في هده اللحظة المصيرية من تاريخ المغرب , هل بالفعل نمتلك نخبة سياسية تمتلك مقومات المضي قدما نحو دمقرطة الدولة والمجتمع ولعب دور محور في عملية التحول الديمقراطي ؟ في العشرين من فبراير 2011, خرج الآلاف من الشباب المغربي في أكثر من 50مدينة مغربية, حاملين شعار التغير والإصلاح, في المجال السياسي بالخصوص, كما في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وتجاوبا مع مطالب "حركة 20 فبراير" , أعلن الملك محمد السادس , في خطاب 9 مارس , عن دخول الدولة المغربية في مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي والمؤسساتي يهم المنظومة الدستورية ككل . بعد هدا التحول الايجابي الذي تمخض عنه ميلاد دستور جديد وحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي , استمر تواري التنظيمات الحزبية عن التأثير في الفعل السياسي او توجيه النقاش السياسي , وتحول معظمها إلى قاعات انتظار كبيرة للمرور إلى المواقع السياسية ذات الجاذبية , أولى جمعيات تغرق في الأنشطة الإشعاعية التي لا يمكن أن تشكل فضاءات للنقاش السياسي العميق والقادر على إفراز البدائل الكفيلة بتجاوز معوقات الواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن رصد دلك من خلال الوقائع الآتية: -غياب استقلال القرار السياسي عند جزء كبير من الأحزاب "تدخل الدولة العميقة في تفاصيل اختيار وتوجه مؤتمرات الأحزاب الاتحاد, الاستقلال ,الأصالة والمعاصرة" - فرملة عملية الإصلاح بتقديم المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية "الأزمة الحكومية وانسحاب حزب الاستقلال" - تازيم النقاش السياسي والابتعاد عن مناقشة القضايا الجوهرية - خلق سجال وصراع فكري واديولوجي مستفز يظهر المغرب للخارج بلدا خيم عليه الفكر ألظلامي والتكفيري بافتعال معارك من قبيل : - إثارة مسألة العامية في التعليم وإبعاد الدين عن برامجه - تركيز بعض القوى على المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام - الدعوة لمراجعة شرائع الإرث ومنع تعدد الزوجات - اتهام المقرئ أبو زيد بالعنصرية ليبقى الشارع المغربي , ينتظر إجابات من هده النخب عن تساؤلات عدة قضايا أولها: هل أصبحت النخب السياسية لا ترى جدوى من النقاش حول قضايا الحاكمة والفساد والشأن الاجتماعي لتورط جزء كبير منها في مستنقع الفساد؟ ثانيها: هل يتقاسم المجتمع المغربي مع هده النخب ذات الانشغالات والهموم الفكرية والإيديولوجية سالفة الذكر ؟