تلقى أمازيغ المغرب ومعهم الشعب المغربي بمختلف أطيافه، ببالغ الغبطة والسرور والافتخار، القرار التاريخي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، القاضي بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها. وفي ما يلي نص البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ: 3-5-2023م: "تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وفي هذا الإطار، أصدر جلالته، أعزه الله، توجيهاته السامية إلى السيد رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي السامي. ويأتي هذا القرار الملكي تجسيدا للعناية الكريمة، التي ما فتئ يوليها جلاله، حفظه الله، للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية". فلماذا اختار صاحب الجلالة، نصره الله، هذا التوقيت لإصدار هذا القرار التاريخي؟ وما تداعيات هذا الأخير على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة المغربية؟ إن أكبر المتفائلين في الحركة الأمازيغية لم يكن يتوقع هذا الإعلان التاريخي في هذه الظرفية، لأن صاحب الجلالة، أعزه الله، بحكمته المعهودة، اختار هذا التاريخ بالضبط، أي بعد مرور أربعة أشهر عن تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الذي يصادف 13 يناير من كل سنة، حتى يثبت للجميع بأنه لم يستجب لضغط ما، وإنما هو مبادرة ملكية خالصة، تنم عن اهتمامه بكل ما يهم القضية الأمازيغية، والتزام ذاتي لما يليه جلالته للهوية الأمازيغية من عناية كريمة، وهذا يبرره استعمال كلمة "تفضل" في نص البلاغ. كما أن هذا التوقيت سيمنح الوقت الكافي لرئيس الحكومة لوضع الترتيبات الكافية واللازمة للاحتفال بهذا اليوم خلال السنة المقبلة 2024 الموافق 2974 حسب التقويم الأمازيغي. يمكن تقسيم البلاغ الملكي إلى ثلاثة أجزاء أساسية: في الفقرة الأولى منه جاء بأن صاحب الجلالة تفضل -وقد أشرنا من قبل إلى ما تحمله هذه الكلمة من معنى- بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، ولم يقل عيدا وطنيا كما كانت تطالب بعض الجهات، ومن وجهة نظري فصاحب الجلالة، نصره الله، سمى الأمور بمسمياتها، فالأعياد الوطنية تكون مرتبطة بأحداث وذكريات لها صلة بالدولة الحاكمة وكل ما هو سياسي كعيد الاستقلال مثلا، وهناك صنف من الأعياد الوطنية مرتبط بالملك الحاكم كعيد الشباب وعيد العرش الذي يتغير تاريخه بتغير الملك الحاكم. أما بالنسبة لرأس السنة الأمازيغية فهو مرتبط بثقافة وهوية عريقة متجذرة في التاريخ لا علاقة لها بالدولة الحاكمة، وهذا يؤكد حكمة صاحب الجلالة، أعزه الله، ورزانته، وحنكته السياسية، والقانونية، والدستورية. وجاء في الفقرة الثانية من البلاغ أن جلالته، أعزه الله، أصدر توجيهاته السامية إلى السيد رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل مضامين القرار الملكي، وهو ما يعني أن قرار المضي قدما بملف الأمازيغية ليس بيد الحكومات، بل هو بيد المؤسسة الملكية لوحدها بعيدا عن كل التجاذبات الإيديولوجية والمزايدات الحزبية السياسوية، التي قد تجعل من الأمازيغية ورقة تستعمل في الحملات الانتخابية، أما الحكومات فما عليها سوى تنفيذ وتنزيل توجيهاته السامية. وهذا يعني أيضا ضرورة انتظار صدور مرسوم في الموضوع، يبين كيف سيتم الاحتفال بهذا اليوم. فهل سيتم اعتماد 12 يناير مثل الجارة الجزائر، أم 13 يناير يوم عطلة خصوصا وأن يوم 11 يناير يصادف ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، وهذا سيؤثر لا محالة على السير العادي للإدارات والمؤسسات. ظل الجزء الثالث من البلاغ وفيا للمقتضى الدستوري الذي يتحدث عن تعدد روافد الهوية المغربية وتنوعها، كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، واعتبرها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء وهذا من شأنه أن يضع حدا للتجاذب الإيديولوجي أو التقليل من تأثيره ووتيرته على الأقل. وفي الختام أود أن أؤكد أن إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، هو اعتراف بمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية الغنية والقوية بتعدد روافدها: الأمازيغية؛ العربية؛ الأندلسية؛ الإفريقية الصحراوية والعبرية... أكثر مما هو يوم عطلة وراحة؛ فأبناؤنا سيستفسرون عن سبب عدم ذهابهم إلى المدرسة ذلك اليوم، وسنحدثهم عن تاريخ الأمازيغ، وسنردد كلمات "أسْڴاسْ أمايْنو"، "أسْڴاسْ أمْبارْكْ" و"أسْڴاسْ أمَڴازْ" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسيكتب التاريخ الأمازيغي يوميا على السبورات داخل المدارس والجامعات والكليات والمعاهد وفي المراسلات والتقارير والبلاغات... إلى جانب التاريخ الميلادي والهجري. لن يكون رأس السنة الأمازيغية مجرد عطلة فحسب، بل سيكون مناسبة للبوح والاعتراف والاعتزاز بالانتماء والتصالح مع الذات... سيكون موعدا لانبثاق هوية متجذرة في أعماق التاريخ، وموعدا تم التنكر له طويلا، لكنه يأبى النسيان.