حصيلة اجتماعية كبرى بخيارات مستدامة تحتفل الطبقة الشغيلة المغربية بعيدها الأممي وسط ترقب دولي بعودة المؤشرات الاقتصادية لوضعيتها الطبيعية، بفعل استمرار التوترات الجيو-ستراتيجية وما صاحبها من ارتفاع في أزمة التضخم الذي مسّ مختلف المواد الأساسية وكذا التوتر الذي عرفته سلاسل القيمة العالمية. وهي المنطلقات التي شكلت دينامو عمل الحكومة الحالية منذ توليها المسؤولية، من خلال تركيز برنامجها الحكومي على الاهتمام المباشر باسترجاع كرامة المواطن ومنحه الآليات الضرورية لضمان استقراره الاجتماعي وتعزيز منسوب العدالة الاجتماعية والمجالية، على الرغم الصدمات المختلفة التي تعرفها الظرفية الراهنة، التي تختلط فيها التداعيات الدولية بنظيرتها الداخلية، وفي مقدمتها الانعكاسات السلبية للاضطرابات المناخية وتوالي سنوات الجفاف. حيث منحت الحكومة حيزا واسعا من اهتماماتها لموضوع الحوار الاجتماعي، عبر عملها الدؤوب لتمكين هذا الملف من استرجاع جاذبيته المؤسساتية المفقودة سابقا، وجعله منصة للتفكير التشاركي مع مختلف الشركاء النقابيين وأرباب العمل لتجاوز كل المعيقات التي تحول دون بلوغ الطبقة الشغيلة لمطالبها الأساسية. وفي هذا الإطار، قررت الحكومة منذ البداية الشروع في وضع ميثاق لمأسسة جولات وآليات الحوار الاجتماعي، يتسم بالديمومة ويستند إلى سجل واضح من الحاجيات والأهداف والانتظام. وذلك عكس الحوارات الاجتماعية الخمس السابقة في تاريخ المغرب التي جاءت تحت ضغط الطبقة العاملة. وهذا يؤشر بطبيعة الحال على التحول الاستراتيجي الذي يعرفه هذا القطاع عبر التوجه نحو إرساء نموذج مغربي مبتكر للحوار الاجتماعي ينبني على مفهوم السنة الاجتماعية كإطار مرجعي واضح لتنفيذ وتقييم ومراجعة الأجندة الاجتماعية. ويأتي الاحتفال بمناسبة فاتح ماي لهذه السنة، لكشف الستار عن حصيلة اجتماعية مشرفة للحكومة، في احترام تام للمؤسسات النقابية والمهنية، وفي التقائية محكمة مع الإصلاحات الكبرى لورش الدولة الاجتماعية، لا سيما في قطاعات الصحة والتعليم العالي والتربية الوطنية. فالسنة الاجتماعية الأولى من عمر الحكومة خلصت إلى تعبئة ما يناهز حوالي 14 مليار درهم لأول مرة في العقود الماضية رغم الظرفية الصعبة التي تعرفها المملكة، عبر حلحلة العديد من الملفات العالقة بالقطاع العام، وتحسين أجور وظروف عمل هذه الفئة. وذلك من خلال: – حذف السلم 7 بالنسبة للأعوان الإداريين والمساعدين التقنيين؛ – رفع حصيص الترقي إلى 36 الوظيفة العمومية؛ – إقرار رخصة الأبوة مدتها 15 يوما مدفوعة الأجر في الوظيفة العمومية؛ – تحديد قائمة الأمراض التي تخول الحق في رخصة المرض المتوسطة الأمد؛ – الرفع من قيمة التعويضات العائلية بالنسبة للأبناء الرابع والخامس والسادس إلى 100 درهم في الشهر لفائدة الموظفين والعسكريين ومستخدمي الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية. كما شكل اتفاق قطاع الصحة لبنة مهمة نحو التأهيل الحقيقي لقطاع الصحة، وأساس نحاج الورش الملكي لتعميم التغطية الصحية، فالاتفاق الموقع مع مهنيي الصحة ساهم في ولوج الأطر الصحية إلى وضعية مهنية نموذجية، ستعزز الأداء الوظيفي وجودة خدمات المستشفى العمومي، وذلك من خلال: – تحسين وضعية الأطباء من خلال تغيير الشبكة الاستدلالية للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان بتخويلهم الرقم الاستدلالي 509 وتفعيل هذا الإجراء على مدى سنتتين؛ – تسريع وثيرة الترقي للمرضين وتقنيي الصحة؛ – رفع التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية والتقنية إلى 1400 درهم شهريا ابتداء من يناير 2023؛ – دعم مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية؛ – انطلاق الجولة الموالية للحوار الاجتماعي في قطاع الصحة ابتداء من مارس 2023. أما بخصوص الحصيلة الاجتماعية لقطاع التعليم العالي، وبغية استرجاع جاذبية الجامعة المغربية والنهوض بالوضع المهني للأستاذ الباحث، تقود الحكومة ورشا إصلاحيا مهيكلا للقطاع يقوم على: – تعزيز الحكامة المؤسسية للقطاع؛ – تحفيز الأستاذ الباحث من خلال نظام أساسي جديد ومبتكر؛ – إعداد مخطط للإصلاح البيداغوجي الشامل؛ فتح مسالك تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية وخصوصية الجهات. كما نجحت الحكومة وفق رؤية مشتركة مع نقابة التعليم العالي في تحضير نظام أساسي خاص ومحفز للأساتذة الباحثين، يرتكز أساسا على: – الرفع من حصيص الترقي إلى 40% كإجراء محفز للمسار المهني للأستاذ الباحث؛ – إحداث درجة جديدة في إطار أستاذ التعليم العالي للرفع من جاذبية المهنة؛ – استقطاب الباحثين والخبرات العالية من الخارج عبر الانفتاح على مغاربة العالم؛ – الانسجام مع الممارسات الفضلى دوليا. واستطاعت الحكومة المغربية بلوغ حصيلة جد إيجابية في قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي، من خلال اتفاق 14 يناير 2023 الذي تبلغ تكلفته الإجمالية خلال 4 سنوات المقبلة حوالي 5 مليار درهم، في حين تبلغ قيمة النفقات التكميلية السنوية ما يفوق 1 مليار درهم. إذ ينطلق تفعيل هذا الاتفاق على اشتغال الحكومة على وضع نظام أساسي خاص بموظفي التربية الوطنية يتضمن مبادئ تحفيزية ستحافظ على المكتسبات مع تعزيزها بآليات جديدة للارتقاء بالوضعية المهنية والاجتماعية والمعنوية لهذه الفئة. ويهدف النظام الأساسي الجديد للتأسيس لصيرورة مهنية موحدة لكافة الأطر، وفق هندسة تربوية جديدة تحقق التكامل وتكافؤ الفرص، مع إقرار تعويض مادي لتشجيع الفرق التربوية للمؤسسات التعليمية بقيمة تبلغ 10 آلاف درهم سنوية وبصاف شهري يناهز 833 درهما. ثم من خلال إحداث الدرجة الممتازة بالنسبة للأطر التي يتوقف مسارها المهني في الدرجة الأولى في السلم 11، ومنح تعويضات تكميلية تراعي مهام المسؤولية والتأطير والتميز وأخرى لفائدة العديد من الأطر التربوية، ويتعلق الأمر بكل من: – المفتشين بمختلف تخصصاتهم وأطر الإدارة التربوية؛ – الأساتذة المبرزين وأطر التوجيه والتخطيط التربوي والممونين؛ – أطر التسيير المادي والمالي والمساعدين التقنيين والمساعدين الإداريين. من جهة أخرى، عملت الحكومة على تعزيز حقوق أجراء القطاع الخاص بحزمة من الحقوق والتعويضات في سبيل الحفاظ على وضعيتهم المهنية وتعزيزها، عبر النجاح في الزيادة في الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي بنسبة 10% وكذا في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة بنسبة 5% في القطاع الخاص كخطوة مهمة وتاريخية في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، فضلا عن توسيع الاستفادة من معاش الشيخوخة لفائدة أجراء القطاع الخاص غير المستوفين لشرط 3.240 يوم اشتراك في "CNSS"، ما سيمكن البالغين للتقاعد في القطاع الخاص من معاش الشيخوخة بمجرد التوفر على 1320 يوما أو استرجاع اشتراكاتهم. وقد عبرت الحكومة عن استعدادها العميق لإحداث مراجعة شاملة وعميقة لمقتضيات مدونة الشغل، لحل بعض الإشكالات العالقة (كحراس الأمن الخاص وعمال النظافة والوساطة في التشغيل)، والاشتغال المتواصل لإخراج القانون التنظيمي للحق في الإضراب وفق مقاربة توافقية واستنادا لنص الدستور. ولتعزيز مبادئ اليقظة الاجتماعية، فقد انتهت الحكومة من الترتيبات المرتبطة بإحداث مرصد وطني للحوار الاجتماعي وأكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل، لتعزيز قدرات الفاعلين في مجال الحوار الاجتماعي وتدبير النزاعات والوساطة الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن الحصيلة السنوية من العمل الحكومي في الشق الاجتماعي، كشفت عن حزمة من التدابير الحكومية المتخذة لمواكبة الباحثين عن فرض الشغل ودعم القدرة الشرائية والاندماج المهني. وفي هذا الصدد، فقد انتهى برنامج أوراش-1 إلى تحقيق نتائج مشرفة، إذ بلغت طاقته التشغيلية 100 ألف مواطن شكلت منها 60% منصبا بالعالم القروي و30% من النساء. في حين يسعى أوراش-2 لتمكين حوالي 150 ألف مواطن من اكتشاف سوق الشغل واكتساب تجربة مهنية جديدة. في الوقت الذي استطاعت الحكومة تخصيص مجهود ميزانياتي مضاعف للحفاظ على استقرار أثمنة وأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لدى عموم المغاربة، لا سيما أثمنة الخبر وغاز البوتان وفاتورة الماء والكهرباء وأسعار النقل العمومي. وهو ما تم تعزيز من خلال اللجنة الوزارية المشتركة واللجن الإقليمية التي عملت على تكثيف آليات المراقبة على الأسواق والتصدي لكل الزيادات المحتملة. بالإضافة إلى تشكيل "لجنة لليقظة الاجتماعية" بشراكة مع الفرقاء الاجتماعيين لتتبع وتيرة القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة في أفق إدراج ملاحظاتها في قانون مالية 2024. ولتعزيز الاندماج السوسيو-اقتصادي والمهني للعمال غير الأجراء وتحسين كرامتهم، تم تسجيل أزيد من 2,4 مليون في نظام AMO زيادة على 340 ألفا من ذوي حقوقهم خلال السنة ونصف الماضية، اذ تم تسجيل حوالي 3,76 شخص في إطار خدمات AMO-TADAMON، كما بلغ ذوو حقوقهم حوالي 6 ملايين شخص، خصصت الدولة حوالي 10 ملايير درهم للتكفل بأداء مساهماتهم. في انتظار تعميم التعويضات العائلية في نهاية السنة الحالية.