ظهرت الأغنية الملتزمة /السياسية مع تنامي النضال الشعبي في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كما برز مفهوم الالتزام في الإبداع بصفة عامة. وقد تناولت هذه الأغنية الملتزمة هموم الجماهير الشعبية ،فغنت للفلاح والعامل والطالب والكادحين بصفة عامة، وانتشرت أساسا وسط الطلبة وعموم المثقفين ، حيث تميزت مضامينها بالتعبير عن المعاناة التي يعيشها الإنسان بصفة عامة محاولة تعرية الظلم والتنديد به ، مع كشف الاستغلال ، والدعوة إلى التحرر من الظلم الطبقي .لقد كان لهذه الأغنية تأثير قوي حيث استطاعت بإيقاعاتها الخفيفة وكلماتها المعبرة أن تتوغل وسط عموم أبناء الشعب وتنتشر بشكل ملفت . كما عكست القضايا السياسية التي كانت محط نقاش داخل البلاد من قبل الفرقاء السياسيين . "" كانت البدايات الأولى مع ناس الغيوان الذين حاولوا من خلال تجربتهم أن يغيروا من مضمون الأغنية ،رغم عدم ارتباطهم سياسيا بأي حزب ، لتصبح لصيقة بهموم الشعب المغربي بل وحتى العربي ، وقد تناولوا قضايا وطنية وعربية ،فغنوا للقضية الفلسطينية ....وبعد ظاهرة ناس الغيوان يطل علينا سعيد المغربي الذي كرس عوده وصوته للأغنية الملتزمة وشق طريقه بثبات نحو التأسيس لهذا الفن الذي أدى ضريبته غالية. والملاحظ أن الأغنية الملتزمة أو السياسية غابت عن الساحة أو لنقل انعدم وجودها ، ومرد ذلك كون الخطاب السياسي اليساري تقلص دوره ، وأخذ التأطير السياسي أو الحزبي يغيب في أوساط الشباب ، ولم نعد نسمع بالحزب إلا أيام الانتخابات .هذا الغياب كان له انعكاس على الأغنية الملتزمة إذ فقدت إشعاعها وتقلص دورها ولم تعد محط اهتمام الشباب الذي من المفترض فيه أن يعود لمصالحة الذات أولا ، وليعانق الفن الملتزم حتى يعبر عن واقعه المتردي ثانيا .كما يمكن ربط تقلصها بالحصار الذي فرضته الأغنية التجارية التي عرفت انتشارا وشيوعا واسعين . هذه الأخيرة تعتمد في الغالب على الجسد الذي أصبح محور الأغنية وطغت ظاهرة الفيديو كليب حيث لم يعد وجود مقاييس محترمة يتم اعتمادها لاختيار الأداء الغنائي سواء على مستوى الصوت أو الكلمات أو الموسيقى بل أصبحت الأغنية المقدمة عبارة عن ضوضاء منظم يتحكم فيه الحاسوب ،......فغابت سلطة الإبداع و الرأسمال الرمزي وطغت سلطة المال والرأسمال المالي حسب تعبير الباحث محمد سعيد الريحاني . لقد تغيرت النظرة وأصبحت سلطة الجسد المعيار الوحيد لرواج هذه الأغنية و هي التي تسيطر الآن، وطغت الأغنية الفارغة من المضمون التي تستهلك بشكل لا يتصور وأخذت تغطي أغلب القنوات الفضائية لدرجة أصبحت تشوش على العقل العربي وتحاول إبعاده عن القضايا الأساس التي تعرفها الأمة العربية . ولكي تعود الأغنية الملتزمة إلى مكانتها لابد من إعادة النظر في طرق اشتغال الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار ، وذلك بتجديد خطابها السياسي ، مع صياغة مشروع مجتمعي متكامل يحتوي بين طياته التأطير السياسي والثقافي لهؤلاء الشباب الذين تاهوا وسط الأغاني الماجنة والفارغة من أي محتوى .