ردا على ما ورد في تصريحات الشيخ عبد الحميد أبو النعيم، بخصوص اتهامه للباحث في علم الأديان، مصطفى بوهندي، بالكفر والطعن في الأنبياء وخدمة أجندات صهوينية وكنائسية، عندما وصف عملية قتل النبي موسى لأحد الأشخاص بالفعل الإرهابي، أكد بوهندي أن "الشيخ أخطأ في اجتهاده المتعلق بفهم النص"، وعمد إلى "قذفه بما لا يصح". وبعد أن نفى مدير أديان للبحث والترجمة بالمحمدية، في مقال خص به هسبريس، عنه تهمتي "الطعن في الأنبياء، والحقد الدفين على أولي العزم من الرسل"، دعا الشيخ أبا النعيم إلى "التوبة مما يقوم به من فعل وقول وطريقة تفكير"، وإلى "أن يتواضع لله ولا يتكبر على خلقه، فإنه ليس أعلم ولا أتقى، ولا أكثر فهما من الناس". وفيما يلي نص مقال مصطفى بوهندي كما توصلت به هسبريس: رد هادئ على التكفير صدرت ردود أفعال متعددة على تدخلنا في برنامج مباشرة معكم في القناة المغربية الثانية، الذي كان موضوعه "كيف نواجه خطابات التطرف"، وصلت عند البعض إلى حد اتهامنا بتهم متعددة من بينها "الكفر، وتكذيب كلام الله تعالى، والحقد الدفين على أولي العزم من الرسل، والطعن في الأنبياء، إضافة إلى نعتنا بالجهلة الحاقدين الذين ينفذون أجندات صهيونية وكنائسية، ويفسدون عقائد الناس، ويخدمون أهدافا استعمارية؛ ثم اعتبارنا في آخر المطاف صغارا لا علم لهم ولا فهم ولا دين، ومن نكد الدنيا أن نقف أمامه." حسب ما أوردته جريدة هسبريس الإلكترونية، في عددها ليوم السبت 18/01/2014. أعتقد أن أورده السيد المكفر من تهم في حقنا هي نموذج للتكفير الذي نتحدث عنه. بنى الشيخ كل ما ذكره من تكفير على رأي سابق لنا في موضوع عصمة الأنبياء، نزع من سياقه، أخذت منه كلمة واحدة، وهي كلمة "عمل إرهابي"، فصلت هي الأخرى عن سياقها، وقدمت على أساس أنها تهمة وجهتها للأنبياء، وأصبحت النتيجة أنني اتهمت الأنبياء بالإرهاب. والملاحظ أن هذا النقاش قد مضت عليه شهور عديدة، وقد سبق وأجبنا فيه على كثير من تساؤلات الناس في هذا الموضوع في حينه. لكن صاحبنا بدل أن يثير ما جاء في الحلقة الأخيرة من برنامج "خطابات التكفير"، والتي كانت بسبب مواقفه التكفيرية والعدوانية ضد شخصيات ومؤسسات مغربية مختلفة، جعل من نفسه مدافعا عن المغاربة والأنبياء. وأحب قبل أن أرد على ما ذكره الشيخ المكفر، أن أتوجه إلى السادة القراء المغاربة، محملا إياهم أمانة القراءة، التي إنما هي مسؤولية أمام الله وأمام الذات وأمام الناس، تصل إلى جعلهم شهودا وقضاة وحكاما بين الناس الذين يقرأون لهم؛ إذ ينبغي لهم أن يجعلوا بينهم وبين ما يقرأون مسافة تسمح لهم، بالنظر الحر الموضوعي، وتجعلهم قادرين على إصدار أحكام عادلة غير منحازة لهذه الجهة أو تلك، لكون هذه الجهة تتوافق مع ما وجدنا عليه آباءنا، وتلك الجهة تختلف مع موروثاتنا. لابد من أن يصبح الحق هدفا في حد ذاته، والعدل غاية لا يحول دونها شيء، قال تعالى: "فالحق أحق أن يتبع"؛ وقال عز من قائل: "ولا يجرمنك شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وقال سبحانه: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". وإنني أعلم أن كثيرا من قرائنا لا يزالون لا يسمحون لأنفسهم بأن ينظروا إلى الحقيقة إلا من زاوية واحدة، سامحهم الله، لكنني بلغت، فاللهم اشهد. من باب التذكير هنا، وحتى أضع الأمر في سياقه المنزوع منه، ليراجعه من أراد أن يكون قارئا موضوعيا، يهمه العلم والحق والبرهنة والاستدلال، وليس الشبه والاتهامات والشائعات التي لا تقوم على شيء. سبق لنا أن قلنا في مقالات سابقة، نشرت في نفس الموقع وأكرر ملخصها هنا؛ والذي يؤكد أن في قصص الأنبياء دروسا عظيمة جدا، ليس فقط فيما ذكر من جوانبهم الإيجابية، وإنما السلبية أيضا، ومنها ما جاء في حديثنا عن حادثة القتل التي قام بها موسى؛ والتي ينبغي قراءتها في سياقها من القرآن الكريم، وليس في إطار ثقافة التكفير التي تحرف الكلم عن مواضعه، وتخرجه عن سياقاته؛ حتى ندرك الدرس وننصت إلى الكلم ونتدبر القرآن؛ قال تعالى: " وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17)"[1] حسب هذه الآيات البينات نفسها، وحسب قول نبي الله موسى، سواء أكان حينها نبيا أم لم يكن حسب نظرية الشيخ، فإن العمل الذي قام به موسى عندما قتل النفس، هو من عمل الشيطان "هذا من عمل الشيطان"؛ وهو يعرف أن الشيطان عدو مضل مبين، وقد أضله في هذا العمل؛ وهو يعترف بأنه ظلم نفسه في ذلك، ومن أجله سأل الله أن يغفر له؛ واعتبر أن اتباع هذا الطريق هو مظاهرة للمجرمين. هذا هو ما قلناه في مقالنا السابق، وهو بيان لما جاء في النص القرآني الذي بين أيديكم؛ واستنتجنا منه أن القرآن قدم لنا درسا من سلوك سلبي لنبي من الأنبياء، حذرنا فيه من الانسياق إلى القتل، لأنه عمل إرهابي، وهو من عمل الشيطان ينبغي تركه والتوبة منه، وعدم مظاهرة أصحابه؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن ما أصدره الشيخ العالم الفاهم في حقنا من تكفير سيكون تكفيرا لقول موسى، ولقول الله سبحانه في القرآن الكريم. رغم ذلك فإننا لن نكفر الشيخ، ولن نسبه أو نشتمه أو نقول له كذّبت القرآن والنبي موسى وغير ذلك، وإنما نعتبره قد أخطأ في اجتهاده المتعلق بفهم النص، فعليه أن يعيد النظر في قراءة النصوص في سياقاتها؛ وأخطأ في شخصنا عندما اتهمنا بما لا يليق ولا يصح، وهو إجرام في حقنا وقذف مطلوب منه أن يسنده بالبينات. إن على الشيخ المكفر أن يعترف ويتوب مما يقوم به من فعل وقول وطريقة تفكير، وأن يتواضع لله ولا يتكبر على خلقه، فإنه ليس أعلم من كل الناس، ولا أتقى منهم ولا أكثر فهما منهم، وأنه مهما علم فإن فوق كل ذي علم عليم، ومن تواضع لله رفعه. ولنعد إلى ما سماه الشيخ دفاعا عن موسى من تهمة الإرهاب التي اتهمه بها بوهندي، ونقرأ كلامه في سياقه كذلك، ونرجو من القراء أن ينظروا إلى تحليله وأدلته وطريقة استدلاله بها: يبدأ الشيخ دفاعه عن النبي موسى عليه السلام نافيا عنه تهمة الإرهاب التي يقول أنني نسبتها له، مبينا أن لفظة "وكزه" تعني أن موسى لا يريد قتل الرجل، لكن وقع منه القتل، كما أن موسى حينها لم يكن قد نُبئ، أي لم تأته النبوة بعد." وقبل أن نتابع مع الشيخ استنتاجاته، نرى أنه ينفي من جهة عن موسى القتل، الذي إنما وقع منه بدون إرادته، ومن جهة ثانية ينفي عنه النبوة حينها؛ ومن ثم فالقتل لم يكن متعمدا، ولم يكن من عمل النبوة." ثم واصل الشيخ قائلا: "بأن الله يقول عن موسى إنه من أولي العزم من الرسل، بينما بوهندي يصف عمله بالإرهابي". وحتى لا يستمر الشيخ في بناءاته، ينبغي تذكيره، بأنه قد نفى في مطلع حديثه، عن النبي موسى تعمد القتل، كما نفى عنه أن تكون النبوة قد أتته بعد؛ وإذا كان موسى عليه السلام حسب دفاعه لم يقصد القتل ولم يكن حينها نبيا، فهو يعني أن القتل عمل إرهابي لا يمكن للنبي المرسل القيام به؛ وهنا نسائل الشيخ فلماذا يعترض على وصفنا لهذا العمل بالإرهابي، وموسى حينها – حسب تعبيره - لم يكن لا نبيا ولا من أولي العزم من الرسل. وبناء عليه فإن النتائج التي وصل إليها الشيخ في حقنا، بناء على التفسير المذكور، لا تصح ولا تليق، ومنها قوله بأن "إصدار مثل هذه الاتهامات والنعوت إنما هي نتاج "الحقد الدفين على أولي العزم من الرسل"، مؤكدا بأن الطعن في الأنبياء يعد كفرا، لكونه تكذيب بكلام الله تعالى". إن الله هو الأعلم بمن اتقى، وإن الشيخ لم يشق على قلوبنا، ليعلم الحقد الدفين الذي فيها أو غيره؛ ولا نحن طعنّا في الأنبياء – عليهم صلاة الله وسلامه – حاشا لله، وإنما أوردنا كلام الله عنهم في كتابه، وكان ذلك في رأي الشيخ، قبل أن تأتيهم النبوة؛ ولا كذّبنا كلام ربنا، وإنما صدّقناه، ولم نورد غير آياته ولم نستشهد بغير نصوص كتابه؛ وربما كانت تلك هي مشكلتنا مع الذين جعلوا للقرآن مثله معه، ونسخوا من نصوصه ما شاءوا، وطوّعوا من أحكامه ما أرادوا، ولو بنزعها من سياقاتها وتحريفها عن مواضعها، ومن بعد مواضعها، حتى توافق ثقافتهم التاريخية وأهواءهم الطائفية البعيدة عن الرحمة والإنسانية التي جاء بها رسل الله. ثم خرج الشيخ الذي سمح لنفسه بتكفيرنا، من مقدماته التي لا تقوم على شيء كما رأيتم، إلى نتيجة مفادها: أننا "جهلة حاقدون ينفذون أجندات صهيونية وكنائسية ويقولون الباطل لإفساد عقائد الناس". وهو قذف صريح لشخصنا، واتهام مباشر لنا، يوجب عليه أن يورد الأدلة على هذه الأجندات الصهيونية والكنائسية المزعومة، وإلا فإنه قد ارتبك في حقنا جرائم كثيرة يعاقب عليها قانون الناس لو لاحقناه بها، ويعاقب عليها قانون الله يوم العرض عليه، وعند ربكم تختصمون. ثم خلص في النهاية إلى أن معاليه قد أبلغه "نكد الدنيا" إلى "أن يقف في وجهه هؤلاء الصغار الذين لا علم لهم ولا فهم ولا دين، وإنما يخدمون أهدافا استعمارية". لست أحب أن أناقش غرورا مثل هذا، لكنني أردت أن أعرض صورة للناس الذين يسمحون لأنفسهم بتكفير الناس واحتقارهم وسبهم واتهامهم باسم الله والدين بما لا يصح ولا يليق، والله والدين من كل ذلك براء؛ وأكتفي بالقول بأن ما قام به هذا الرجل في حقنا هو سب وقذف وتكفير وتحريض على كل الجرائم الممكنة؛ من غير حق إلا لأننا قلنا فكرة قد تكون خاطئة أو صحيحة، لكننا بنيناها على كتاب الله عز وجل وآياته البينات، ولم نأت بقول فلان ولا علان؛ وهو ما لا يرضي الشيخ وقبيله، فسمح لنفسه بتكفيرنا وقذفنا، "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم". ***** [1] سورة القصص آية 15-17.