بسم الله الرحمن الرحيم فيما كتبه عصيد تحت عنوان [عوانس، وعوانس] كمٌّ هائلٌ من الجهالات والمغالطات أحببت تعريتها في هذه الكلمات. وجد عصيد في القاموس العربي [وعنس الرجل : اسنّ ولم يتزوج، فهو عانس".] ولكنه إذ لم يجد في قاموسه جمع [عانِس] في حق الرجال، صنعه صُنعا وقال [عوانس] وبهذا لم يخرج من عالم النساء، في حين جاء في لسان العرب [ورجل عانِس، والجمع العانِسُون؛ قال أَبو قيس بن رفاعة: مِنَّا الذي هو ما إِنْ طَرَّ شارِبُه، والعانِسُون، ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ] ليس هذا هو الإشكال، وليس على عصيد تعدّ الأخطاء والخطايا. الإشكال يكمن في مناقشة شريعة الله سبحانه وتعالى من طرف مسلمين - كما يقولون - خاطبهم الله بقوله {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عن فانتهوا} وحرّم عليهم الاختيار فيما قضاه الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وأكبر من هذا الإشكال مناقشة أحكام الإسلام من طرف من لا يمتلك الأهلية لذلك. وعصيد أحدهم يقينا. عصيد يعترف أن نظرة الإسلام للمرأة [تصور لم يعد يطابق عصرنا] وقد صرح من قبل بأن [الإسلام تجاوزه الزمن] ويصف تعدد الزوجات بأنه [ظاهرة سلبية] و [العودة إلى صنع الحريم السيء الذكر] وهو حر في رأيه وفي ركاكة تعبيره. ولذلك لا يمكن مناقشته بالقرآن والسنة... فذلك عبث ومضيعة للوقت. لذا أنتقل إلى الدستور المغربي الذي يقول في فصله 175 [لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي...] ناهيك عن الفصول الأخرى التي تجعل الإسلام متصدرا للهوية المغربية الجامعة، وأنه دين الدولة كما في الفصل الثالث منه. فعلى أي أساس نحاور عصيد؟ الإسلام عنده متجاوز، والدستور نفسه لا يقبله ويعتبره وثيقة مليئة بالشيء ونقيضه... ولو أنك دعوته للتحاكم إلى علماء المغرب، وإلى المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين، فهذا من المستحيلات لأنه حسب قوله: [المجلس العلمي الأعلى أصبح وصمة عار في جبين المغرب عندما أصدر رأيا يقول فيه بضرورة قتل من غيّر دينه، هل هناك عار أكثر من هذا؟ هؤلاء هم ممثلو التقليدانية، وإذا أصبح الأمر في يدهم فقط، ولا توجد توازنات في المجتمع، ولم تتحرّك الديمقراطية لحماية المكتسبات، فلابد لهذا الفكر الظلامي أن ينتشر في دواليب الدولة.." "ينبغي للاجتهاد أن يكون مؤسساتيا وشاملا، وهذا بالطبع لا يمكن أن يقوم به أمثال من يقبعون في المجلس العلمي الأعلى، لا يمكن أن يقوم بهذا الدور إلا العلماء الحقيقيون الذين يعرفون الدين حق المعرفة...].ويقول عنهم أيضا: [فقهاء التقليد والجمود] أو [أبواق التكفير والفراغ الروحي والفكري] إذن عصيد لا يعترف بشيء في المغرب. فالمجلس العلمي الأعلى الذي يضم كبار أهل العلم في البلد ويرأسه أمير المؤمنين مؤسسة دستورية. ومع ذلك عصيد لا يبالي. عندما ينعت هؤلاء العلماء ومجلسهم ب: [وصمة عار / ممثلي التقليدانية / الفكر الظلامي / فقهاء التقليد والجمود / أبواق التكفير / الفراغ الروحي والفكري / علماء غير حقيقيين.../ ] هل هناك طعن أكبر من هذا؟هل هناك جرأة في الهجوم على مؤسسة مهيبة كهذه؟ هل هناك احتقار وازدراء لعلماء الأمة كما يفعل عصيد؟ من قبلُ وصف أكرم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإرهاب خلال حديثه عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك عصره [أسلم تسلم] وقال إنها رسائل إرهابية. ووصف المولى إدريس الأول رحمه الله بابن الزنا [ولد غير شرعي] ولم يبالي، لا بالشرفاء الأدارسة ولا بالذين بايعوهم وبايعوا أحفادهم ملوكا في هذه البلاد الشريفة. لا أظن أن تعدد الزوجات شيء مفروض على المغاربة فرضا. ولا أظن أن المغربيات اللائي قبلن بالتعدد قد انتهكت كرامتهن، فلو افترضنا أن شخصا تزوج أربع سيدات، فإن الصورة الواقعية تقول بأن الأولى وافقت على الثانية، والثانية والثالثة والرابعة من باب أولى أنهن راضيات... فأين المشكل إذن؟ ومَن مِنهن اشتكت إلى عصيد لينتصب مدافعا عنها؟ وحتى لو حصل من الشقاق ما حصل، وقد يحصل حتى من الزوجة الوحيدة، وهو أمر طبيعي، فإن الشكوى تكون للقاضي ولا دخل لأحد في الموضوع غير القضاء الشرعي. أعلم أن هذا كله لا يساوي عند "المفكر" عصيد فلسا واحدا، فلندعه جانبا ولنناقشه رأسا في مغالطاته. تحدث عن "التيار المحافظ" لكنه ما لبث أن حرك المِغْرَفَة في "العصيدة" الساخنة وغَرَف غُرْفَة حارة أفرَغَها في حِجْر السلفية... ما علاقة تعدد الزوجات بالسلفية؟ وما علاقة هذا الأمر ب [بلاد العربان]؟ أي عنصرية هذه ياعصيد؟ أنسيت أن شبه الجزيرة العربية بلاد مكة والمدينة المقدستين؟ وبلاد الكعبة قبلة المسلمين؟ ومسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومهبط الوحي؟ وبلاد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟ وكيف تسمح لنفسك بالإساءة إلى دول الخليج وتصف بلادهم ب [بلاد العربان] وهي سند كبير للمغرب في اقتصاده وفي دعمه لقضيته الأولى قضية الصحراء المغربية؟ أما عن العنوسة فيقول عصيد [فالعنوسة ليست مصيرا وقدرا بل هي اختيار في عدد كبير من الحالات التي نصادفها في واقعنا] وهذا غير صحيح على الإطلاق. لأن عزوف الفتاة عن الزواج إلى أن تبلغ سن اليأس فما فوق لا يمكن أن يكون اختيارا طبيعيا وسويّا، فهذا خروج عن الفطرة وتمرد على الذات ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان. ولا رهبانية في الإسلام. إن العنوسة ليست عيبا ولا معرة. ولا يمكن أن توصف العانس التي لم يتقدم لها أحد، أو أنها لم ترض بأحد تقدم إليها بأي وصف مشين أبدا. ولكنها - أي العنوسة - قدر خلافا لما يقوله عصيد... وصدق الله {إنا كل شيء خلقناه بقدر} {والله خلقكم وما تعلمون} ... تعدد الزوجات ليس هو الحل الوحيد... بل هو حل من الحلول الناجعة. حل لا يفرضه أحد على المرأة. بل هي من تقبل به عن طواعية واختيار. وكأني بعصيد [نسويّ أكثر من النسوان] وما أسهل المتاجرة بقضايا النساء.! حلول عصيد لمعضلة العنوسة تتمثل في توفير فرص الشغل والتعليم و.. و... من الكلام الفارغ الذي يكذبه الواقع الغربي المتقدم والذي وفّر لشعوبه كلما يطمح إليه عصيد في بلادنا وزيادة، ومع ذلك فالطلاق في تزايد مخيف، والزواج في تناقص مهول، زد على ذلك زواج المثليين واستحلال الزنا وممارسته بكل حرية... يجعل الحديث عن العنوسة حديث غير ذي جدوى فقد استمرأه القوم وأصبح واقعا مألوفا يتعايش معه الجميع... بمعنى آخر فإن ما يطرحه عصيد مجانب للصواب بكل اعتبار. والآن تعالوا بنا لنقف على هذه العبارة القدْحية التي تفوَّه بها عصيد في حق السلفيين في استفزاز مقَزِّز، يقول: [هذا العقل السلفي لا يجدُ من حلّ لأية مشكلة إلا في النصف الأسفل من الإنسان، أي في "النكاح والمناكحة".] طبعا هو يقصد العقل الإسلامي، أما العقل السلفي فهو من باب ركوب الموجة "التكفيرية" المنسوبة للسلفيين ظلما في هذه الأيام لأن أحد المحسوبين على السلفية كفّره شخصيا على رؤوس الأشهاد. ونحن نرفض تكفير الأعيان ونكل أمر ذلك إلى مؤسسات الدولة المختصة. كما بين الشيخ محمد الفزازي في برنامج [مباشرة معكم] وهو ما يدندن حوله عصيد في مقاله [عوانس.. وعوانس] لعله يخفف من ألم الإفحام ووَجَع الإقناع الذي ورد على لسان الشيخ في مناظرته تلك رموز العلمانية ومنهم عصيد، الذي جعله الشيخ حصيدا كأنْ لم يَغْنَ بالأمس... أمّا بوهندي فمنذ تلك الحلقة التلفزيونية وهو يَهْذي... ولا كلام عن ليلى أميلي، فالمسكينة لا هي في العير ولا في النفير. بهذا الخصوص أقول له إن ما تستخف به من مصطلح "النكاح والمناكحة" هو استخفاف بما يسميه كتاب ربنا [ميثاقا غليظا] وأن مادة [نكح] ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم 23 مرة. وأن النكاح في الإسلام هو الزواج الذي منه جئت ياعصيد وجئنا منه جميعا. على الأقل فيما يخص أبناء الحلال. وهو عندنا - نحن المسلمين - فوق ما تتصور من كونه ينظر إلى النصف الأسفل من الإنسان. مع العلم أن من ينظر إلى هذا النصف الأسفل معلوم من هم، إنهم من يجعلون من المرأة أداة دعاية ويوظفون أنوثتها في الكبرِهات والحانات والمراقص وعلى الأرصفة وفي الشواطئ وهلم جرا.... والشيء اليقين هنا أن من يفعل هذا هم من يحتقرون المرأة ويدوسون كرامتها بالنعال... والشيء اليقين أيضا أنهم ليسوا "السلفيين" ولا غيرهم ممن يخشون الله.. النكاح عندنا كما قال ربنا {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة...} إذن: زوجية وسكن نفسي وعصبي وجسدي وفكري... ومودة ورحمة. وكما قال سبحانه: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وما أظنك تفهم هذا التعبير القرآني الراقي جدا في التعبير عن طلب الولد الذي هو ثمرة الحرث. وكما قال جل وعلا: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} واللباس فوق ما تتصور ياعصيد من خرقة تضعها على عورتك... إن كنت تعترف بشيء اسمه "عورة" أصلا. والزواج قبل ذلك طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغض للبصر وحفظ للفرج، وحفاظ على الأنساب وطهارة للنسل، وإشباع للفطرة البشرية، واستمتاع بعاطفة الأمومة والأبوة، وتحمل للمسؤوليات... هل تفهم هذا ياعصيد؟ أما العانسون وليس العوانس ياباحث آخر الزمان فالأمر فيه تفصيل. فالعزوف عن الزواج في الرجال له ظواهر متعددة وأسباب عديدة منها عدم الاستطاعة المادية بكل تأكيد أو فقدان الباءَة بمفهومها العام، ومنها تفشي الزنا وتوفّره، ومنها ضعف الوازع الديني والنفور من تحمل المسؤولية... ومع ذلك فلو أراد أي عانس أن يتزوج فإنه سيفعل في ربع ساعة. سيجد دائما فرصة... لكن هل العانس المرأة يمكنها ذلك؟ وأخيرا، أنا أعلم أن إثارة مثل هذا الموضوع [تعدد الزوجات] ليس أولوية للشعب المغربي، فالمعددون لا يتجاوزون 1 في 100 ربما، ولكنها التلهية منكم معاشر العلمانيين، والتغطية عن فشلكم في كل شيء صالح لهذه البلاد... كما أعلم أن مقالي هذا لن يزيدك إلا نفورا واستكبارا... وأعلم أن حربك على الإسلام لن تقف عند هذه المعركة الخاسرة، وكل معاركك على الإسلام خاسرة بالطبع. فلا تظلم إلا نفسك. لكن أعلم أن القارئين المنصفين كثيرون... وهم الهدف الأول والأخير مما أكتب.