تمكن المغرب من الخروج من مسلسل المتابعة المعززة المسماة "اللائحة الرمادية" لمجموع العمل المالي (GAFI) في الرابع والعشرين من شهر فبراير المنصرم، وهو خُروج سمح له بالعودة سريعا إلى السوق المالية الدولية لجمع 2.5 مليارات دولار عن طريق سندات دولية بإقبال كبير. كما تقدم بطلب رسمي إلى صندوق النقد الدولي للحصول على خط ائتماني مرن ب5 مليارات دولار. هذا الخروج لم يكن من السهل تحقيقه، فقد تطلب جملة من الإصلاحات لملاءمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تنفيذا لتوصيات مجموعة العمل المالي، المنظمة الحكومية الدولية التي تهدف لمنع هذه الأنشطة غير القانونية. في هذا الحوار، يتحدث جوهر النفيسي، رئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، لهسبريس عن خروج المغرب من اللائحة والإصلاحات التي اعتمدتها المملكة لتنال إجماع مجموع العمل المالي ومنافع وتأثير هذا الخروج على الاقتصاد الوطني بصفة عامة. تُعتبر الهيئة ذات طبيعة إدارية مستقلة مُحدَثة لدى رئيس الحكومة، وتضطلع بمهام عديدة؛ أبرزها تأمين التنسيق الوطني بين القطاعات الحكومية والإدارات والمؤسسات العمومية والأشخاص المعنويين الآخرين الخاضعين للقانون العام أو الخاص، في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويمكنها عندما يتعلق الأمر بجريمة إرهابية أن تضم إليها أشخاص القانون العام المعنيين بالموضوع. ماذا يعني خروج المغرب من مسلسل "المتابعة المعززة" (اللائحة الرمادية) لمجموعة العمل المالي (GAFI)؟ يُعتبر القرار التاريخي لمجموعة العمل المالي القاضي بخروج المملكة المغربية من اللائحة الرمادية ومن عملية المتابعة المعززة بمثابة اعتراف صريح ومباشر من قبل هذه المجموعة بفعالية المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومطابقتها للمعايير الدولية ذات الصلة. كما أنه يعتبر مؤشرا على صلابة الاقتصاد والنظام المالي الوطني ومناعتهما. كما يعتبر خروج المغرب من هذه اللائحة في حد ذاته إنجازا وتتويجا للمجهودات المبذولة من طرف كافة الفاعلين في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. ما هي منافع هذا الخروج بالنسبة للمغرب؟ يمكن رصد ومقاربة مختلف الآثار الإيجابية لهذا القرار الاستراتيجي على الشكل التالي: أولا: تعزيز مصداقية النظام المالي الوطني ونزاهته، حيث تترتب على هذا الخروج الآثار التالية: تحسين علاقات التعاون بين المؤسسات المالية الوطنية والأجنبية، من خلال تعزيز التدفقات المالية والتجارية؛ وتشجيع المؤسسات المالية الأجنبية على الاستقرار في المغرب وتمهيد الطريق أمام المؤسسات المالية المغربية للولوج إلى الأسواق الخارجية. كما يعني هذا الخروج الوقاية من مخاطر وتهديدات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالنسبة للقطاعين المالي وغير المالي والتحكم فيها. والقيام، على مستوى القطاع البنكي، بتعزيز سرعة وسيولة التحويلات في سياق التجارة الدولية والتحويلات الخاصة، لاسيما من طرف المغاربة المقيمين بالخارج، وتحسين التصنيفات الممنوحة للمؤسسات المالية المحلية من قبل الوكالات الدولية المتخصصة. ثانيا: تحسين القدرات التفاوضية مع المؤسسات المالية الدولية، من خلال تعزيز موقف المملكة المغربية في المفاوضات الرامية إلى الحصول على تمويلات وخطوط تمويل من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، إلى غير ذلك). ثالثا: تحسين مناخ الأعمال، وهذا من شأنه أن يعزز جاذبية الاقتصاد المغربي ويشجع المستثمرين الأجانب على الاستقرار في المغرب، لا سيما من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي الواقع، يعتبر امتثال المنظومة الوطنية للمعايير الدولية مؤشرا على الاستقرار الاقتصادي والمالي بالمغرب ويوضح بجلاء أن مناخ الأعمال ملائم بالنسبة للمستثمرين المغاربة والأجانب. وتؤثر مصادر التمويل هذه وكذلك الاستثمار الأجنبي المباشر تأثيرا إيجابيا على ميزان الأداءات عن طريق خفض عجز الميزان التجاري؛ وبالتالي الرفع من احتياطي العملة الأجنبية. بالإضافة إلى ما سبق، يساهم هذا القرار في تعزيز مكانة المغرب لدى الهيئات الدولية والإقليمية (مجموعة العمل المالي – مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – مجموعة إيغمونت – منظمة الأممالمتحدة – الاتحاد الأوروبي – مجلس أوروبا وغيرها). ما هي الإصلاحات الحاسمة التي قام بها المغرب لينال إجماع المجموعة واعتماد القرار؟ تشمل التدابير الرئيسية التي أدت إلى خروج المغرب من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي تحسين آليات التعاون الدولي لتبادل المعلومات والتعاون القضائي وإحداث اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما، عن طريق تبني إطار قانوني وإجرائي يحدد تأليفها وكيفية اشتغالها. وقد مكن الإصلاح الشامل للإطار القانوني والمؤسساتي الوطني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من تحقيق الامتثال للمتطلبات الدولية عن طريق تعزيز الإشراف على القطاع المالي وغير المالي وضمان شفافية الأشخاص الاعتباريين من خلال ضمان الولوج السريع إلى معلومات صحيحة ومحينة ومؤمنة حول المستفيدين الفعليين من الأشخاص الاعتباريين. ولتحسين فعالية المنظومة الوطنية، تم تعزيز التنسيق والتعاون الوطنيين بين مختلف الشركاء المعنيين في القطاعين العام والخاص. وعلى المنوال نفسه، وبفضل التعبئة الشاملة للسلطات القضائية وسلطات إنفاذ القانون وسلطات الإشراف والمراقبة على القطاعين المالي وغير المالي وكذا تعزيز صلاحيات ووسائل عمل الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، حصلت المملكة المغربية، مرة أخرى، على اعتراف واسع من قبل المجتمع الدولي بفعالية استراتيجيتها الوطنية لمكافحة الإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما ومحاربة جميع أشكال الجرائم المالية. هل لا يزال المغرب موضوعا في لوائح أخرى رمادية غير مجموعة العمل المالي؟ من الناحية المبدئية، تترتب على إدراج دولة ما ضمن اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي انعكاسات على تصنيفها لدى باقي المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية. وعلى هذا الأساس، سيؤثر خروج المغرب من لائحة GAFI بشكل إيجابي على تصنيفه وتموقعه لدى سائر هذه المنظمات. يُعد التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب من أبرز مهام الهيئة، كيف يتم إعداد هذا التقييم وما أهميته؟ يتم إنجاز هذا التقييم الوطني للمخاطر وفقا للتوصيتين الأولى والثانية لمجموعة العمل المالي اللتين تدعوان الدول إلى تحديد المخاطر المتعلقة بغسل الأموال والإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما التي تتعرض لها وتقييمها وفهمها، وكذا اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر التي تم تحديدها والخفض منها، بما يتناسب مع درجتها. وقد جرى اعتماد التقرير الأول للتقييم الوطني للمخاطر من طرف السلطات الوطنية في يونيو 2019. كما تمت المصادقة على التقرير الثاني الخاص بتحيين نتائج التقرير الأول في أبريل 2022. وقد ساهمت في إنجاز هذين المشروعين مختلف الجهات الوطنية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وذلك بناء على المبادئ التوجيهية العامة لمجموعة العمل المالي وبالاستناد إلى البيانات والإحصاءات التي تم توفيرها من طرف الإدارات والمؤسسات والهيئات المعنية. ولهذا الغرض، تم تشكيل لجنة وطنية من قبل السيد رئيس الحكومة بهدف إنجاز مراحل عملية التقييم، حيث تولت الهيئة الوطنية للمعلومات المالية مهمة الإشراف على تنفيذ هذا المشروع وتنسيق أشغاله. وتهدف عملية تحديث نتائج التقييم الوطني للمخاطر إلى فحص فعالية التدابير المعتمدة للتخفيف من المخاطر التي سبق تحديدها. كما تولي اهتماما خاصا للمخاطر الناشئة الناتجة، على الخصوص، عن تفشي وباء "كوفيد 19" وعن التهديدات ونقاط الضعف المرتبطة بالأشخاص الاعتباريين والمنظمات غير الهادفة للربح وانتشار التسلح والأصول الافتراضية والجرائم الإلكترونية إلى غير ذلك. وقد اعتمدت اللجنة الوطنية، بناء على نتائج هذين التقييمين، خطط عمل مقترحة من طرف القطاعات المعنية بهدف إدارة المخاطر التي تم تحديدها والتخفيف من حدتها. وتضم هذه الخطط أربعة مجالات ذات أهمية استراتيجية من شأنها تعزيز فعالية النظام الوطني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتتعلق بما يلي: تعزيز قدرات المتابعات القضائية والتحقيقات في غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وتعزيز قدرات سلطات الإشراف والمراقبة؛ وتحسين انخراط الأعمال والمهن غير المالية المحددة في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وتعزيز التنسيق الوطني والتعاون الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما تتضمن خطة عمل الهيئة برسم سنة 2023، مشروع تحيين خلاصات التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال والإرهاب وانتشار التسلح وتمويليهما وإعداد التقرير الثالث لإصداره في نهاية السنة الجارية. بالعودة إلى التقرير السنوي لعام 2021، تلقت الهيئة ما مجموعه 3409 تصريحات بالاشتباه بحالات مرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بارتفاع سنوي نسبته 60 في المائة، ما هي العوامل وراء هذا الارتفاع؟ يُعد عدد التصاريح بالاشتباه أحد المؤشرات الأساسية على فعالية منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا على مدى التزام الأشخاص الخاضعين، مصدر هذه التصاريح، بالمقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما يعد تنوع مصادر هذه التصاريح التي تقوم بها مختلف فئات الأشخاص الخاضعين مؤشرا على انخراط القطاعات المعنية في المنظومة؛ وبالتالي تنامي الوعي لديهم فيما يخص التزامات اليقظة والعناية الواجبة. ويبقى كل ذلك نتيجة للمجهودات التي بذلتها الهيئة الوطنية للمعلومات المالية وسلطات الإشراف والمراقبة لتحسيس الأشخاص الخاضعين ولتكوينهم من أجل ترسيخ فهم صحيح وموحد وتطبيق فعال للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل. ففي هذا الإطار، قامت الهيئة بتنسيق مع سلطات الإشراف والمراقبة بتكثيف الحملات التحسيسية عبر مختلف جهات المملكة، حيث تم تنظيم ورشات عديدة لفائدة الأشخاص الخاضعين والتي تناولت مواضيع مختلفة تهم كل فئة على حدة، انطلاقا من مفهوم اليقظة والعناية الواجبة إلى التصريح بالاشتباه مرورا بمفهوم النهج القائم على المخاطر وكيفية تطبيقه تلافيا لاستغلال مختلف القطاعات والمهن لأغراض غسل الأموال وتمويل الإرهاب وكذا تمويل انتشار التسلح. وكانت هذه الورشات مناسبة لمشاركة مؤشرات الاشتباه مع القطاعات المعنية وتكوينها على استعمال النظام المعلوماتي المخصص لهذا الغرض، وكذا تقاسم نتائج التحليلات الاستراتيجية التي تقوم بها الهيئة لتحديد الأنماط والاتجاهات الحديثة في مجال الجرائم المالية. وفي الصدد نفسه، كثفت الهيئة لقاءاتها الثنائية مع الأشخاص الخاضعين لترسيخ المفاهيم ولمواكبتهم في تعزيز الفهم والقيام بواجب التصريح بالاشتباه. فضلا عن ذلك، وضعت الهيئة خطا هاتفيا مباشرا رهن إشارة الأشخاص الخاضعين للتواصل مع مصالح الهيئة في حال وجود أي تساؤل أو حاجة إلى التأطير للتصريح بالاشتباه. كما عملت الهيئة على تفعيل قراراتها ذات الصلة بالتغذية العكسية، من خلال عقد اجتماعات متعددة الأطراف بحضور الأشخاص الخاضعين وسلطات الإشراف والمراقبة، تمت خلالها مشاركة المؤشرات العملياتية ومؤشرات الاشتباه وكذا الأنماط الحديثة ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب وكذا تمويل انتشار التسلح. بخصوص التعاون الدولي، كيف يتم التعاون في مجال عمل الهيئة مع المنظمات الدولية المماثلة؟ وهل من أرقام في هذا الصدد؟ تتعاون الهيئة الوطنية للمعلومات المالية مع نظيراتها الأجنبية بموجب المقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تخول للهيئة صلاحية تبادل المعلومات المالية ذات الصلة بعمليات غسل الأموال أو بالجرائم الأصلية المرتبطة بها أو تمويل الإرهاب مع السلطات الأجنبية التي لها اختصاصات مماثلة، في احترام تام للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل. كما أن الهيئة تعتبر عضوا في مجموعة إيغمونت منذ سنة 2011، وهي بمثابة المنتدى الذي يجمع وحدات المعلومات المالية ويسمح بتبادل المعلومات فيما بينها عبر نظام معلوماتي آمن مخصص لهذه الغاية. وفي هذا الإطار، تتبادل الهيئة المعلومات مع ما مجموعه 105 وحدات معلومات مالية عبر العالم. خلال سنة 2021، أرسلت الهيئة 113 طلبا للمعلومات ل33 وحدة معلومات مالية نظيرة في إطار إثراء وتحليل الملفات التشغيلية، مقابل 85 طلبا خلال سنة 2020؛ وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 33 في المائة. ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل عديدة؛ منها، على الخصوص، الزيادة الكبيرة في عدد التصاريح بالاشتباه التي تم التوصل بها وعدد التحقيقات المالية الموازية التي تجريها الهيئة بالتعاون مع السلطات الوطنية لإنفاذ القانون. وفيما يخص طلبات المعلومات الواردة إلى الهيئة خلال السنة نفسها، فقد بلغ عددها 73 طلبا. وتجدر الإشارة إلى أن الوحدات النظيرة الأوروبية تأتي في المرتبة الأولى من حيث تبادل المعلومات نظرا للقرب الجغرافي ولارتباط النظام المالي والاقتصادي الوطني مع النظم المالية والاقتصادية للدول الأوروبية.