يتساءل كثير من المغاربة عن السبب الحقيقي للارتفاع غير المسبوق لأسعار الخضر خلال الأيام الأخيرة، مُبدين عدم اقتناعهم بالمبررات التي تقدمها الحكومة، والتي تُرجع السبب إلى العوامل الطبيعية. ولا يُبدي المستهلكون المغاربة أيضا اقتناعهم بمسؤولية ارتفاع أسعار المحروقات عن الزيادات الصاروخية في أسعار أغلب الخضر، حيث قفز سعر الطماطم الذي كان لا يتعدى 4 دراهم إلى 12 درهما للكيلوغرام. وبتتبُّع مسار المنتجات الفلاحية من الضيعة إلى المستهلك، يُلاحظ أن العامل الرئيسي لارتفاع الأسعار يكمن في منظومة التسويق، حيث تمرّ المنتجات الفلاحية من ثلاثة مراحل بيع قبل أن تصل إلى مائدة المستهلك. ويتضرر من هذه العملية طرفاها الأساسيان، وهما الفلاح والمستهلك؛ ذلك أن الفلاح يبيع بربح قليل، والمستهلك يشتري بسعر مرتفع، أما الرابح الأكبر في العملية فهم الوسطاء. وتبدأ المرحلة الأولى من عملية تسويق المنتجات الفلاحية ببيعها من طرف الفلاح داخل الضيعة إلى الوسيط الأول، ويقوم هذا الأخير ببيعها في سوق الجملة بهامش ربح معين إلى الوسيط الثاني، الذي يبيعها بدوره إلى التاجر بالتقسيط الذي يبيعها إلى المستهلك في آخر مرحلة من التسويق. وإذا كان الطبيعيُّ هو أن يبيع الفلاح منتوجه مباشرة في سوق الجملة للبائع بالتقسيط، وبالتالي ضمان ربْح محترم بالنسبة للطرفين، ووصول المنتوج إلى المستهلك بسعر مقبول، فإن "السمسرة" هي المتحكمة في السوق المغربية، بحسب محمد محضي، الكاتب العام المركزي لاتحاد النقابات المهنية بالمغرب. وأوضح محضي، في تصريح لهسبريس، أن نسبة الفلاحين الذين يبيعون منتجاتهم بشكل مباشر في أسواق الجملة، لا تتعدى في أحسن الأحوال 10 في المئة، بينما يبيع أغلبهم للوسطاء داخل الضيعات؛ وابتداء من هذه المرحلة تنطلق شرارة ارتفاع الأسعار. وأفاد محضي بأن الوسيط الأول الذي يشتري البضاعة من الفلاح يبيعها في سوق الجملة، مُحتسبا مصاريف النقل وهامش ربحه، لوسيط آخر يشتغل داخل السوق فقط، قبل أن تصل إلى تجار البيع بالتقسيط، ثم إلى المستهلك. وبذلك تمر عملية تسويق المنتجات الفلاحية، منذ خروجها من الضيعة، عبر ثلاثة وسطاء، ما يؤدي إلى ارتفاع السعر الذي تُباع به في المرحلة الأولى داخل الضيعة بنسبة 75 في المئة، بحسب الكاتب العام المركزي لاتحاد النقابات المهنية بالمغرب. عامل آخر يساهم بشكل قوي في ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية، هو أن عددا كبيرا من المستثمرين الكبار في القطاع ليسوا فلاحين، بل رجال أعمال لديهم مشاريع في قطاعات أخرى، وهي الفئة التي تفضل تصدير منتوجها إلى الخارج، أو بيعها مباشرة للوسطاء داخل الضيعة، وهو ما اعتبره محمد محضي "مشكلا كبيرا جدا"، مشيرا إلى أن الفلاح الصغير يسوق منتوجه في الأسواق الأسبوعية فقط، "أما الأسواق الكبرى فالوسطاء هم المتحكمون فيها"، على حد تعبيره.