يُعتبر الوسطاء من بين أبرز أسباب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في الناظور و كامل السوق المغربية؛ غير أن الضرر الناجم عن المضاربة التي يؤججها الوسطاء لا يلحق المستهلكين فقط، بل يكون المنتجون هم الضحية الأولى، حيث يبيعون بسعر أقل بكثير عن السعر الذي تباع به منتجاتهم عند وصولها إلى السوق. في القطاع الفلاحي، يعاني الفلاحون من "سطوة" الوسطاء الذين يلجؤون إلى عدد من الحيل التي تمكنهم من بذل مجهود قليل واستثمار رأسمال يسير مقابل جني أرباح مالية كبيرة، ليكونوا هم الحلقة الأكثر استفادة ضمن سلسلة الإنتاج. يتذكر سعيد، وهو فلاح شاب يملك ضيعة لإنتاج البطاطس ضواحي المدينة تفاصيل عملية بيعه لغلّة ضيعته إلى أحد الوسطاء قبل سنوات قليلة بسعر 1.25 سنتيما، اعتقادا منه أن الوسيط سيقوم بجني الغلة فورا والذهاب بها إلى السوق؛ غير أنه تركها في مكانها حتى وصل سعرها إلى ثلاثة دراهم بالجملة. تمكّن هذه العملية الوسطاء من الربح على مستويات عديدة، فعلاوة على هامش الربح المالي المرتفع الذي يجنونه عن طريق الاحتفاظ بالخضر التي لا تفسد بسرعة داخل الضيعة، فإنهم يقلصون أيضا من المصاريف، إذ يذهبون بالبضاعة مباشرة من الضيعة إلى السوق، دونما حاجة إلى أن يدفعوا تكاليف التخزين في المستودعات. ويبرم الفلاح مع الوسيط عقدا يتضمن حجم البضاعة المُباعة وقيمتها، وأيضا المدة التي ستبقى فيها داخل الضيعة؛ غير أن الوسيط لا يلتزم بالشرط الأخير، إذ يتماطل في جني ما تم شراؤه من الخضر أو الفواكه إلى حين ارتفاع سعرها في السوق. ويوضح سعيد، أن الوسيط يعمل على إقناع الفلاح بأن يمنحه مزيدا من الوقت لجني المحصول الذي اشتراه، بداعي أنه سيخسر طالما أن السعر في السوق منخفض، وفي هذه الحالة يضيع الفلاح مرتين؛ الأولى حينما باع إنتاجه بسعر رخيص، والثانية لأنه لا يستطيع استغلال ضيعته لزرع منتج جديد طالما أن الوسيط لم يجن المحصول الذي اشتراه. وتُقر الحكومة بالمشكل الذي يطرحه وجود الوسطاء بكثرة في اسواق الناظور و المدن المغربية؛ وهو ما يؤكده أيضا المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وقد نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير أصدره منذ أسابيع، إلى وضع إجراءات للحد من هذه الظاهرة المضرّة بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء. واعتبر المجلس ذاته، في التقرير الذي أنجزه حول تسويق المنتجات الفلاحية، أن مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية في المغرب يتسم بالحضور القوي للوسطاء الذين يشكلون حلقة حاسمة في سلسلة القيمة، معتبرا أن هذا العامل يضاعف سعر المنتجات الفلاحية ثلاث أو أربع مرات؛ وهو ما يضرّ بالمستهلك، ويتسبب في عدم استفادة المنتجين، الصغار والمتوسطين. ولأن سعيد يعتبر من الفلاحين الصغار، فقد انتبه إلى الأضرار التي يلحقها به الوسطاء الذين كان يبيع لهم محصول ضيعته الصغيرة، وقرر إنهاء هذه المعاملة، حيث يلجأ إلى تأجير مخزن "الفريگو" يخزن فيه محصوله من البطاطس إذا كان سعره في السوق بعد عملية الجني منخفضا جدا؛ ما يمكّنه بعد ذلك من البيع بسعر مناسب، واستغلال ضيعته بعد إفراغها لزراعات أخرى.