القريبون من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، يدركون جيدا أنه استطاع أن يفهم دواليب وخبايا اللعبة السياسية بالمغرب، وأن يتأقلم معها بشكل جيد، وهو ما جعله ينجح في إنقاذ حكومته بعد انسحاب حزب الاستقلال من التحالف الحكومي. بنكيران، الذي طالما صوب سهام انتقاداته واتهاماته إلى حميد شباط، الأمين العام بحزب الاستقلال، وقبله صلاح الدين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، والذي شكل لشهور أحد ألد خصومه السياسيين، لم يجد حرجا في الاستنجاد بوزير المالية السابق في حكومة عباس الفاسي للخروج من الأزمة الحكومية التي عمرت طوال أربعة أشهر في المملكة، وأثارت حفيظة كبريات المؤسسات المالية الدولية. بنكيران، المعروف باندفاعه وحماسه في انتقاد خصومه السياسيين ومعارضيه سواء داخل الحكومة أو في البرلمان، أو حتى في الحزب الذي يقوده، فضل في الفترة الأخيرة التخفيف من حدة وتيرة تلك الخطابات السياسية المنتقدة للأحزاب المعارضة ورموزها. ويبدو أن بنكيران ارتأى أيضا التريث في التعليق عن الأخبار "غير المفرحة" التي حملتها رياح اقتراب مؤتمر التقدم والاشتراكية، والدعوات الآتية من هناك التي تطالب نبيل بن عبد الله بمغادرة سفينة الحكومة، والاصطفاف في المعارضة إلى جانب أحزاب: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة. "الإسلاميون" الذين يقودون الحكومة منذ أزيد من سنة ونصف، في سابقة سياسية في تاريخ المغرب، عقب انتخابات نيابية مكنتهم من الاستحواذ على الرتبة الأولى في البرلمان ب 107 مقعد من أصل 395 مقعدا، فضلوا تغيير نهجهم وخططهم التكتيكية السياسية في سبيل المحافظة على مكتسباتهم التي حصلوا عليه عقب التحول "الهادئ" الذي شهده المغرب قبل سنتين ونيف. وبعد شهور من انسحاب وزراء حزب الاستقلال من الائتلاف الحاكم، تمكن حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية من إيجاد بديل لحليفهم السابق، وهو ما مكنهم من النجاح في البقاء في سدة الحكم، وذلك في ظل تزايد احتمالات حل الحكومة وإعلان انتخابات مبكرة. الحزب الإسلامي الحاكم، سعى جاهدا إلى الخروج من المأزق الحكومي الذي أوقعه فيه حزب الاستقلال بأقل خسائر ممكنة لتفادي انتخابات برلمانية مبكرة، نظرا للاتهامات المتزايدة الموجهة له بفشله في إدارة شؤون البلاد. لا مفاجآت في حزب "الكتاب" وكأن متاعب رئيس الحكومة لا تنتهي أبدا، أو هكذا يبدو ظاهريا على الأقل، في ظل تزايد دعوات "مناضلي" حزب التقدم والاشتراكية إلى مسؤوليهم بمغادرة الحكومة والانضمام لصفوف المعارضة. دعوات حزب "الكتاب" اعتبرها رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم منار اسليمي، مجرد مطالب "لن تؤدي لأي تغيير في موقف أو موقع الحزب اليساري في الحكومة". اسليمي اعتبر، في تصريح لهسبريس، أن مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية لن يشهد أي مفاجآت في مواقفه الإستراتيجية، مثل مسألة المشاركة في الحكومة"، مؤكدا أن مؤتمر الحزب لن يفرز مفاجآت في المرحلة الراهنة". ويشرح المحلل "الأحزاب تتغير فيها القيادات عندما تكون في المعارضة، وحالة حزب الاستقلال مرتبطة بوصول جيل جديد للقيادة، أما التقدم والاشتراكية فلا زالت نفس القيادات موجودة، وهو حزب صغير ومنظم، مما يستبعد مسألة حدوث المفاجآت فيه". متاعب بنكيران والبحث عن التوازنات وتسبب انسحاب حزب الاستقلال، ثاني حزب سياسي وراء العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، من الإئتلاف الحكومي وتقديم وزرائه لاستقالة جماعية، في إرباك حسابات بنكيران. وتعالت أصوات مقربة من حزب العدالة والتنمية لتصف الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها العدالة والتنمية بالمؤشرات الخطيرة، وما يصاحبها من ضغط إعلامي يسيطر عليه "النفس الاستئصالي"، واعتبرت ذلك أنه ينذر بنسف كل ما أنجزته شعوب "الربيع الديمقراطي" بمباركة التوجهات المتطرفة من العلمانيين، والرجوع بدوله إلى مرحلة التحكم والاستبداد والفساد. قبل أسابيع من تطورات 30 يونيو الماضي في مصر، كان الإسلاميون يشهرون "أسلحتهم" السياسية ويصوبونها نحو إثنين من أكبر الأحزاب المعارضة، حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار، في الوقت الذي واصلوا فيه حربهم "الباردة" ضد حليفهم السياسي السابق حزب الاستقلال. بنكيران، وقبل أن يصبح رئيسا للحكومة الحالية، وخلال فترة الانتخابات، لم يتردد في وصف زعيم الأحرار بالضعف، وعدم قدرته على تسيير حزب التجمع الوطني للأحرار. ليوجه له فيما بعد اتهامات مباشرة باستغلال سلطته كوزير للمالية في الحكومة السابق، من أجل الحصول على تعويضات مالية كان يصفها بغير القانونية... كل ذلك أضحى في خبر كان، وتحول مزوار إلى حليف مرغوب فيه. وبعد فترة هدوء تخلى فيها رئيس الحكومة بعث رسائله النارية، عاد من جديد للغته القديمة، ولم يتردد في وصف كل من شباط ولشكر ب "تجار السياسة"، بعد أن تيقن أن تحالفه أصبح يتقوى يوما بعد يوم.. يقين يجد سنده، حسب منار السليمي، في كون " التوازنات في النظام السياسي لا زالت لم تستقر بشكل نهائي، وأن هناك تحولات عميقة تجري وتحتاج إلى أن ينهي بنكيران ولايته، ولكن بدون حواجز وتمارين اختبارية أخرى".