بقدرِ هولِ الزوبعة التي أشهر شباط من رياحهَا مذكرة التعديل الحكومي، على عبد الإله بنكيران، بقدر ما خفت الصوت اللجوج، برهة، دونَ أنْ يتضحَ مصير الورقة التي قدمها، مؤكداً فيها ضرورة التعديل، الذِي لا محيد عنهُ لتسريع وتيرة العمل الحكومي، وتصحيح بعض الاختلالات التي شابت تشكيلها، وصياغة ميثاق الأغلبية. كعدم مراعاة الوزن الانتخابي للاستقلال وعدم خصه بحقائب تناسب وزنه علاوة على حضور المرأة داخلها، وإن كانَ منتقدو شباط يعزونَ خطوته، إلى تصفية حساباته مع خصومه، من مشايعِي عبد الواحد الفاسي، خلال المؤتمر الأخير لحزب الميزان، الذِي خرجَ منهُ منتصرا. وفِي الوقت الذِي يدنُو فيه الأجل الذِي منحهُ حزب الاستقلال لبنكيران، شهر أبريل المقبل، لنظر المجلس الوطني لحزب علال فيما تمَّ بدؤه، يبرزُ أكثر من تساؤل اليوم، حول توارِي شباط، وعمَّا إذَا كان الهدوءَ الممهج لعاصفة، قد تسبب الكثير من المتاعب لبنكيران في المستقبل. هسبريس، تحدثت إلى الدكتور عبد الرحيم المنار السليمِي، في الموضوع، وبسطَ في قراءة لهُ، القول في علاقة الاستقلال بالعدالة والتنمية، وحيثيات مذكرة شباط، وكذَا السيناريوهات التي يقبلُ عليها حزبُ المصباح الدكتور عبد الرحيم المنار السليمي، مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، يرَى أنَّ عدمَ انسحاب أي حزب من الحكومة، رغم التهديدات الاستقلاليَّة، بعد أزيد من سنة على انطلاق عمل حكومة بنكيران، يطرحُ اليوم، مجموعة علامات استفهام حول سلوك الحملة القوية التي قادها "حميد شباط"، الأمين العام لحزب الاستقلال، منذ شهور ضد حكومة "بنكيران"، والتي وصلت الى حد تقديمه مذكرة "شبه احتجاجية " حول طريقة قيادة تدبير التحالف الحكومي، ويبدو، حسب الباحث، أَن هناك تفسيرات متعددة لهذا التراجع الاستقلالي، تتداخل فيها عوامل مرتبطة بأخطاء إستراتيجية، ارتكبتها القيادة الاستقلالية الجديدة في التعامل مع حزب العدالة والتنمية، وعوامل مرتبطة ب "النزعة السياسية الشكية" في كل شيء من طرف العدالة والتنمية، وعوامل أخرى مرتبطة بتوازنات القوى، التي باتت تتغير تدريجيا لفائدة العدالة والتنمية، وإِنْ كان هذا التغير في التوازنات يحمل معه بوادر سيناريو مواجهة قادمة بين العدالة والتنمية، وفئات متعددة من المجتمع . يقول الدكتور اسليمِي. "النزعة السياسية الشكية" والسرعة غير المحسوبة من طرف "حميد شباط " عومت مطلب التعديل الحكومي ويذهبُ الأكاديميُّ المغربي إلى أَن "حميد شباط "، الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، ارتكب خطا استراتيجيا في إعلانه مطلب التعديل الحكومي، دون الانتباه الى أن حزب العدالة والتنمية كان في أوج قوته، ولم يتأثر بعدُ بدرجة كبيرة من التسيير الحكومي. كما أنَّ شباط، ارتكب، حسب الباحث، خطأ حينَ أطلقَ مطلب التعديل، وهو يوحي بأنه يدفع حزب الاستقلال، بوضع رجله مع المعارضة، وهي مسالة زادت من قوة تمسك العدالة والتنمية، برفض طلب الأمين العام لحزب الاستقلال، بمعنى أَن "شباط" لم يستطع، وفق اسليمِي، أَن يبني شرعية مطلبه عن طريق الجمع بين ثنائية الحرص على التمسك بالتجربة الحكومية الحالية، وفي الوقت نفسه، التمسك بمطلب تعديل الحكومة ذاتها، فالأمينُ العام الاستقلالي، لم يقرأ جيدا "نفسية " حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يبدو أنه يوظف "النزعة السياسية الشكية "، في كل شيء بما في ذلكَ، مطلب التعديل الذي قد يكون مشروعا. ويردفُ الباحث أنَّ الخطأ الاستراتيجي للقيادة الاستقلالية، والذِي لم يكن محسوبا، وظفه حزب العدالة والتنمية الحاكم، بطريقة جيدة ليحول مرة أخرى النقاش من قضايا التدبير الى قضايا "التأمر السياسي " على الحكومة، وتجربة العدالة والتنمية فيها . بداية تعير موازين القوى سيقوى نزعة عدم قبول العدالة والتنمية بالمفاوضات أو تقديم التنازلات . الأستاذ بجامعة محمد الخامس في الرباط، يستطردُ في قوله " بات من الواضح اليوم، بعد أزيد من سنة على انطلاق عمل حكومة "عبدالاله بنكيران"، إَن حزب العدالة والتنمية ظاهرة حزبية لا تقبل بالمفاوضات الحزبية-الحزبية ، كما لا يقبل بالتنازلات ، والتفسير الممكن لهذه الظاهرة مرتبط بعنصرين : الأول، يتجسدُ في نشوء العدالة والتنمية ظاهرة حزبية معزولة عن القطبين الكبيرين الذين عرفتهما الحزبية في المغرب (الكتلة ووفاق الأحزاب المسماة بالإدارية سابقا )، ثم استمرار الظاهرة الى حدود تشكيل الحكومة الحالية ، في حين يرتبطُ النعصر الثانِي ب"النزعة السياسية الشكية" التي يبديها حزب العدالة والتنمية حيالَ باقي المكونات السياسية، بما فيها الموجودة معه في الحكومة ". وفي السياق ذاته، يعزُو الأستاذ اسليمِي نجاح حزب العدالة والتنمية في الحفاظ على التماسك الظاهري للأغلبية ، إلَى طريقة طريقة اشتغاله، وعدم خضوعه للمفاوضات والمقايضات وإدراكه، لحد الآن على العاقل ، أنه ليس له ما يخسره إذا سقطت الحكومة، ومن المتوقع أن تتقوى هذه النزعة (عدم قبوله بالمفاوضات والتنازلات) بعد ان بدأ الحزب يشق أكثر فأكثر في نفسه، ويسير تدريجيا الى تحويل موازين القوى لصالحه، ليس لأنه قوي، ولكن لان طريقة معارضته كانت خاطئة، وَعشوائية وغير مدروسة، يضيف المتحدث. حزب العدالة والتنمية والبوابات الثلاث : " التخويف بتونس ومصر" ، "التوافق مع الملك" ، "النزعة السياسية الشكية " في كل شيء . وبعدَ مرور أزيد من سنة على التجربة الحكومية الحالية، يرى اسليمي أن البوابات السياسية التي يوظفها حزب العدالة والتنمية الحاكم ويواجه بها كل الانتقادات والمطالب، تتوزع الى ثلاث : بوابة "التخويف بتونس ومصر"،حيث لوحظ ان قيادات العدالة والتنمية تحيل باستمرار على ما يجري في التجربتين ،وهي اشارة يسعى من خلالها الحزب الحاكم الى وضع قاعدة افتراضية ضمنية تقول ان إسقاط او عرقلة عمل حكومة العدالة والتنمية معناه السقوط في نفس الأحداث التي تعرفها مصر وتونس ، وهي قاعدة ليست صحيحة لان الفوز في انتخابات 25 نونبر وباقي الانتخابات الجزئية في 2012 و2013 لا يعني ان الشارع ثابت ولم يتغير ، البوابة الثانية ،وهي استعمال عبارات "التوافق مع الملك " التي تحمل إشارات مفادها أنَّ العدالة والتنمية ينزع نحو الاشتغال ب "اللامكتوب" أَكثر من المكتوب في دستور يوليوز 2011،وهي مسالة تتضح درجتها أكثر مع بداية تنزيل المخطط التشريعي والتعامل مع الوقائع والأحداث القادمة، أمَّا البوابة الثالثة وهي "النزعة السياسية الشكية" التي يشتغل بهذا حزب العدالة والتنمية الحاكم، بتفسيره لكل المطالب والوقائع أَن وراءها شيئاً ما ، بما فيها مطلب "حميد شباط "حول التعديل الحكومي ، هذه النزعة السياسية التي تخفي قلقا نفسيا للحزب وهو يقود الحكومة ،قلقا يعكس عدم استقراره رغم ان التوازنات السياسية تغيرت تدريجيا لصالحة نتيجة أخطاء متعددة ارتكبت في المعارضة وخارج المعارضة في التعامل مع ظاهرة العدالة والتنمية الحاكم . "الدولة العميقة" نجحت في ترويض الحزب الحاكم وسيناريو قادم لاحتجاج مجتمعي على حكومة العدالة والتنمية ويخلصُ الدكترو اسليمِي، إلى أنهُ بالرغم من نقاط القوة المذكورة، باتَ حزب العدالة والتنمية، بات يعاني من الارهاق بكثرة حضوره في الإعلام، وهي المسالة التي لم تنتبه إليها قيادات الحزب التي تعاقبت على المنابر الإعلامية، تردد الخطاب نفسهُ دون تطويره، بل إنَّ العديد من التنظيمات المجتمعية المدنية، لاحظتْ أَن حزب العدالة والتنمية الحاكم، غير منفتح على كل الأفكار والتيارات، ويبدو واضحا ذلك من خلال ظاهرة اللجن (لجن الوزيرة "الحقاوي" والوزير "الشوباني"،التي باتت تنتج الاحتجاج. كما أنهُ بعد مرور أزيد من سنة، يبدو أَنَّ "الدولة العميقة" نجحت، حسب اسليمِي، في احتواء حزب العدالة والتنمية الحاكم وقطع صلته الضعيفة أصلا بِالتنظيمات الإسلامية المعتدلة الحاكمة في مصر وتونس، التِي كان حزب العدالة والتنمية يحاول الاقتراب منها في بداية اشتغاله (نصائح "بنكيران" ل "مرسي" وزيارة "الغنوشي" وأعضاء من النهضة للمغرب ) ، فضلاً عن نجاحهَا في إضعاف صلته مع بعض التنظيمات والمؤسسات الحكومية في الخليج، فيمَا بات الحزب مقابل ذلك، يعاني من الإرهاق بكثرة حضوره في الإعلام ،وهي المسألة التي لم تنتبه إليها قيادات الحزب التي تعاقبت في القنوات الإعلامية وهي تردد نفس الخطاب دون تطويره ،أكثر من ذلك لاحظت العديد من التنظيمات المجتمعية المدنية ان حزب العدالة والتنمية الحاكم غير منفتح على كل الأفكار والتيارات ،ويبدو واضحا ذلك من خلال ظاهرة اللجن (لجن الوزيرة "الحقاوي" والوزير "الشوباني" ) التي باتت تنتج الاحتجاج ، ويتوقعُ الباحثُ أيضا، أن تدخل الحكومة في صراع مع تنظيمات المجتمع المدني بعد أن لاحظت بعض التنظيمات أن الحزب الحاكم يحمل وظيفة جديدة للمجتمع المدني، وهي وظيفة "التأليف بين القلوب " ، فالصدام مع تنظيمات المجتمع المدني والاستهلاك الإعلامي دون تغيير الخطاب، وإحساس العقل المجتمعي ب"الستاتيكو" بعد مرافعة كبيرة لحزب العدالة والتنمية، خلال سنة تخللتها وعودلإ بحل قضايا اجتماعية كبرى كالأسعار والتشغيل والخدمات الصحية. ويرجح الدكتور اسليمِي في الختام ، أن تدفعَ الأمور المذكورة، الى بداية ارتفاع نزعات معاقبة العدالة والتنمية، بِما يؤشر على موجة قادمة من الاحتجاجات ضد حكومة العدالة والتنمية ذات طبيعية ثنائية :المطالب الحقوقية والمطالب المعيشية اليومية،والتخوف الكائن، هو أن تدفع قرارات حكومة العدالة والتنمية ،بدون انتباه، أو باعتقاد منها أنها تؤطر الشارع ، إلى التقائية هذين النوعين من المطالب في الاحتجاجات القادمة، يتوقع اسليمِي.