بعد أن سألته عن حاله مع الدراسة بمدينة الدارالبيضاء والتي انتقل إليها من مركز قروي كان يدرس فيه ويحصل نقطا متميزة وجيدة تركت الكثير من ردود الفعل عند زملائه وعند أساتذته الذين درسوه في المرحلة الابتدائية ، والعبد لله واحد منهم ، بدأ يسترسل في الحديث بلوعة وحسرة عن تضييع فرصة التميز والتعلم والمعرفة في المركز القروي حيث كان يحس بطعم التعلم رغم الظروف القاسية والصعبة المحيطة به من صعوبات في التنقل والتغذية والملبس والسكن لكنه كان يدرك أهمية التعلم والبحث عن المعرفة وقيمتها في مستقبله . حديثه الممزوج بالحسرة عن سنة أو أقل في مدينة الدارالبيضاء قضاها في الدراسة دون جدوى ودون تحقيق ولو اليسير من التحصيل الدراسي بل يدعي أنه لم يستطع أن يحصل ولو ربع ما كان يحصله في مركز اولاد فرج بنواحي مدينة الجديدة بالمؤسسة الإعدادية التي كان ينتمي إليها أو على نصف ما كان قد حصله في مرحلته الابتدائية بمدرسة الدوار الذي يسكن فيه . "" اعترف محمد تلميذي السابق بأن أجواء الدراسة والتعليم بالمدينة تختلف كثيرا عن الأجواء في البادية حيث يتواجد قدر محترم من المردودية والمعرفة يستطيع التلميذ به إن كان مجدا في دراسته أن ينتقل من سنة دراسية إلى أخرى بسهولة وبشرف . بينما في المدينة لاشيء من هذا يحصل حيث هناك رجال ونساء تعليم همهم الوحيد هو إضاعة الوقت في التنكيت والضحك والنقاش فيما بينهم أو في أعمال يدوية يحضرونها معهم إلى الفصل الدراسي مما يؤثر سلبا على التحصيل الدراسي عند التلاميذ . والأخطر في الأمر أن أغلب المدرسين والأساتذة في المدينة يتكاسلون في العمل داخل الفصل ويتجاهلون التلاميذ والمادة الدراسية ليفرصوا على تلامذتهم اللجوء إلى الساعات الإضافية التي تحقق لهم مدخولا شهريا إضافيا يفوق بكثير ما تمنحه لهم الدولة . وبالتالي فالضحية الأولى والأخيرة في هذه اللخبطة هم أولاد الناس الذين لا ذنب لهم سوى أنهم لجأوا إلى المدرسة العمومية طمعا في التعلم والتحصيل الدراسي فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام أناس يتصفون بصفة العلم والأدب يبتزونهم ماديا ومعنويا ويفرضون عليهم الدفع مقابل التعلم والمعرفة فيجدون أنفسهم لا يختلفون البتة عن أولئك الأطفال الذين يلجون المدارس الخصوصية والتجارية . فأين مسؤولي القطاع مما يحصل في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية وخاصة منها المتواجدة بالوسط الحضري ؟ . يجب تجريم التعاطي للدروس الساعات الإضافية لأنها نتيجة للغش داخل الفصل وعدم الالتزام بالمقررات الدراسية الرسمية والتماطل في تقديم المادة للتلميذ ودفعه دفعا للالتحاق بالساعات الإضافية التي يظنها هي المخلص له من رسوب وفشل محقق . يذكر محمد أن هذه الساعات الإضافية لا تختلف أبدا عما يقع داخل الفصول الدراسية ، فالمدرس/ة الذي/ التي ي/تغش داخل الفصل لا محالة سيفعل أو ستفعل ذلك في مكان آخر وفي زمان آخر وبالتالي فأموال هؤلاء الأبرياء تذهب هباء وتضيع عليهم دون أن يحققوا هذفهم المنشود . رسالتنا إلى كل نساء ورجال التعليم الذين يتخذون هذه الوسيلة للاغتناء والثراء والبحث عن مورد آخر لتوسيع مدخولهم الشهري هي أن ما يقومون به هو فعل إجرامي وأنهم يأكلون السحت والحرام في بطونهم وأنهم سيحاسبون على ذلك يوم لا ينفع لا مال ولا جاه ولا عنى ، إلا ما أتى الله وقد عمل بما يمليه عليه ضميره الإنساني والتربوي الذي يفترض في رجل التعليم وامرأة التعليم أن يكونا القدوة داخل المجتمع لا أن يقدما أنفسيهما على أنهما أكبر المبتزين فيه . نحن نعرف أن أجر نساء ورجال التعليم هو أجر ضعيف لا يكفي لقاضء متطلبات الحياة الصعبة في هذا الزمن الصعب ، ولكن هذا الأمر لا يعطي الحق لهم في أن يبتزوا أبناء الناس وأن يبتزوا أسرا هي في نفس مستوى عيشهم أو أقل من ذلك . فالمفروض هو النضال من أجل تحسين الدخل وفرض هذا الأمر على مسؤولي الدولة لإحقاق الحق وتحسين أحوال نساء ورجال التعليم المغاربة وليس البحث عن منافذ غير شرعية لرفع المدخول اليومي والشهري . إن الساعات الإضافية أثرت وتؤثر على مردودية المدرسة العمومية وتخلق جوا من التمييز بين تلاميذ الفصل الواحد وتربي لدى البعض منهم الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطيرة كاالحقد والكره والإحساس بالدونية أو بالعجرفة أو بالتفوق غير المبني على المنافسة الشريفة داخل الفصل بين الجميع . فما هي وظيفة نساء ورجال التعليم إن لم تكن هي القضاء على الظواهر الاجتماعية ؟ . إن ما يحز في القلب أن يرى رجل تعليم تلميذا من تلامذته النجباء عرف بالذكاء والإرادة في التعلم والمعرفة وتحصيل الشواهد والبحث يسقط في حبائل أناس يحسبون على التعليم والتربية يبتزونه ماديا من أجل هذه الأهداف وهو غير قادر على إيجاد مورد مالي يغطي ذلك ، بل لا قدرة له على شراء الأدوات والكتب إلا إذا امتدت إليه أياد كريمة ، وإنه لإحساس بالفظاعة أن يرى الإنسان كل هذه المظاهر داخل مؤسساتنا التعليمية ويرى معها أطفالا وبنات في طور المراهقة يقضون الساعات الطوال أمام المؤسسات دون شغل أو شاغل ، أو في الحدائق العمومية والمقاهي وهم يتعاطون لكل أنواع الانحرافات والضياع ولا نجد من يحرك ساكنا وكأن هؤلاء الأطفال والبنات ليسوا من هذا المجتمع وأننا نرى فيهم مستقبل المجتمع . يتغيب رجل التعليم أو امرأة التعليم عنوة في الكثير من الأحيان ويترك التلاميذ في الشارع دون رقيب أو حسيب ، ثم يأتي في اليوم الموالي ويدفعهم إلى حضور الساعات الإضافية لمن أراد منهم أن يعوض الحصص التي تغيب فيها هو أو هي دون أي إحساس بالمسؤولية التي تفترض فيه أن يعوضهم عنها داخل الفصل لأن تغيبه لم يكن لهم فيه أي دخل هذا هو الواقع في مؤسساتنا العمومية وخاصة الإعدادية والثانوية فهل من متدخل ؟ . حسبي الله ونعم الوكيل .....