بعد78 سنة من تواجدها بسيدي قاسم، توقفت في نونبر الماضي وبشكل نهائي جميع آلات الإنتاج بمصفاة سيدي قاسم التابعة لشركة "لاسامير"، وتحولت إلى مخزن، تقول عنه أمينة بن خضرة وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة في تصريح لها، أنه سيتم الاحتفاظ به لأفق لن يتجاوز الثلاث سنوات إلى أربع سنوات على أبعد تقدير. "" هكذا، توقف برج "لاسامير" عن لفظ ناره ودخانه إلى الأبد بعد أن ظل هذا البرح رمزا وجدانيا لساكنة سيدي قاسم ويرتبط بتاريخ مدينتهم التي وُجدت بوجود هذه الشركة التي تأسست باكتشاف النفط سنة 1919 بمنطقة "سلفات" التي توجد بالجهة الشرقية للمدينة، وكان هذا الاكتشاف هو بمثابة أول بئر بترولي ليس في المغرب فقط، بل في العالم العربي بكامله. ولأهمية هذا البئر المكتشف في حينه تم تأسيس الشركة الشريفة للبترول في 29 من أبريل سنة 1929، ثم تعزز تواجد الشركة في سيدي قاسم باكتشافها لحقل بترولي آخر بالإقليم، وبالضبط بمنطقة عين الحمراء، سنة 1934. وبعد نفاذ مخزون الحقول المكتشفة في المنطقة بدأت "الشركة الشريفة للبترول حينها" في استيراد البترول الخام من الخارج وإعادة تكريره بمصفاة سيدي قاسم، وكان ذلك سنة 1951. وبالموازاة مع ذلك، تم مد أنبوب يضخ البترول من المحمدية إلى سيدي قاسم بطول 187 كيلومتر، حيث بقي يضخ البترول الخام طوال سنوات قبل أن يتوقف بتوقف العديد من الوحدات الإنتاجية بالمصفاة لعدم مواكبتها التطور الحاصل في ميدان التكرير الذي عرفه المغرب في السنوات القليلة الماضية، حيث فرضت الدولة المغربية بحسب نص المرسوم الوزاري رقم 07/1546 الصادر بالجريدة الرسمية5666، بتاريخ 04 يناير 2007 والذي يؤكد على أن المغرب سيتجه للعمل بالبنزين الممتاز من قيمة 50 قسيمة من المليون الموافق للمعايير البيئية الدولية عوض العمل ب 350 الذي لا يساهم في المحافظة على البيئة. هذا المرسوم كان ضمنيا يعني إنتهاء صلاحية مصفاة سيدي قاسم، خصوصا أن عملية تطوير هذه المصفاة كانت قد توقفت منذ سنة 1997، وهي السنة التي عرفت خوصصة الشركة، ثم دمجها ضمن شركة "لاسامير" سنة 1999، وذلك بتحويل 67 في المائة من الأسهم إلى شركة "كورال" السعودية، هذه الخوصصة التي كان من بين بنود دفتر التحملات فيها هو تطوير الشركة وجعلها تواكب المستجدات في ميدان التكرير، لكن الدولة بمعية الشركة تراجعت عن هذا البند واتجهت إلى التخلي عن مصفاة سيدي قاسم، وتبيّن هذا التخلي حسب شركة "لاسامير" نفسها في تقليص الدولة المغربية للدعم الذي كانت تخصصه لنقل البترول الخام من المحمدية إلى سيدي قاسم الذي كان يقدر ب 160 مليون درهم قبل أن يتقلص إلى حوالي 40 مليون درهم، الأمر الذي جعل الإنتاج بالمصفاة يتراجع بشكل كبير، فبعدما كانت المصفاة تنتج سنة 2003 حوالي مليون ونصف مليون طن سنويا، تراجع هذا الإنتاج إلى حوالي مليون طن كانت مصفة سيدي قاسم تكرره ليستخرج منه ما يقارب 7 مشتقات بترولية أخرى من بينها الفيول والكازوال.. المؤشرات الأخرى التي كانت تتجه في مسار إغلاق مصفاة سيدي قاسم، هو توقيف وحدة صناعة قنينات الغاز سنة 2006، تلاها توقيف وحدات إنتاج البنزين سنة 2007، وهي كلها مؤشرات كانت تسير في إتجاه "القتل البطيء" للمصفاة. المخلفات السلبية للإغلاق ومن بين المخلفات السلبية التي سيتركها إغلاق مصفاة سيدي قاسم، هي حرمان المدينة من ما يناهز 300 مليون سنتيم كضرائب مباشرة كانت تضخها شركة "لاسامير" في ميزانية المجلس البلدي، كما أن هناك كتلة الأجور التي كانت تساهم في الرواج الاقتصادي للمدينة ككل، وحسب بعض التقديرات فهناك ما يزيد عن250 مليون سنتيم تُضخ شهريا وبشكل مباشر من طرف العاملين بالشركة في الحركة الاقتصادية للمدينة، وذلك على شكل مصاريف يومية للعيش، ابتداء من كراء المنازل، ومرورا بالجزار والخضار، وأصحاب المحلات التجارية سواء للملابس أو للخدمات المختلفة، وكذا في التطبيب، وفي الرواج لحركة التعمير... المصفاة أيضا كانت تساهم في في تدريب ما يقارب 350 طالبا وطالبة سنويا يتابعون دراستهم في المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية بسيدي قاسم، زد على ذلك ما يزيد عن 160 من سائقي الشاحنات كانت المدينة تستفيد من الرواج الذي يخلقونه بتواجدهم المؤقت أو الشبه الدائم في المدينة، وما يتركونه من مداخيل مهمة في العديد من القطاعات الاقتصادية في المدينة. كل هذا، لو أضفناه إلى تخلي شركة "لاسامير" عن 80 في المائة من العمال بمصفاة سيدي قاسم، والمقدر عددهم بما يزيد عن 270 عاملا، خيّرت الشركة أغلبهم بين المغادرة الطوعية أو الالتحاق بالمحمدية، وهو ما يعني الإبقاء على ما يقارب 85 عاملا فقط في مصفاة سيدي قاسم التي ستُحرم أيضا من ما يزيد عن 150 عاملا موسميا أغلبهم من أبناء المدينة كانت تشغلهم الشركة في مجالات مختلفة، الأمر الذي سيطرح مشاكل اجتماعية ستعود بالسلب على المدينة ككل، خصوصا أن إغلاق المصفاة سيليه إغلاق كل الشركات الموازية التي تعمل بشكل مباشر مع مصفاة سيدي قاسم، والتي تتجاوز العشر شركات، منها "سلام غاز" التي ستغلق أبوابها وتوجه خدماتها نحو مدينة الناضور كي تجلب من هناك مادة البوتان عوض سيدي قاسم. كما أنه من المؤسسات ذات الصلة المباشرة مع شركة "لاسمير" نجد شركة تخزين المواد النفطية، وهناك المكتب الوطني للسكة الحديدية، وشركات المناولة المحلية، والحراسة، وهناك أيضا ارتباط وثيق بالصيدليات والمصحات الطبية وشركات النقل، والمؤسسات التعليمية، والتجار.. كل هذه القطاعات ستتضرر بشكل مباشر بإغلاق المصفاة، في غياب أي بديل استثماري في المدينة يجعل من سيدي قاسم لا تصبح جرادة ثانية بعدما أغلقت جميع مناجم الفحم فيها وأصيبت بالكساد القاتل. أي دور للسلطات المحلية في هذا الإغلاق؟ في هذا السياق، يتبادر بشكل مباشر دور المجلس البلدي كسلطة منتخبة مهمتها الدفاع عن مصالح المدينة، وكذا يصبح برلمانيو المدينة والإقليم والجهة في الصورة وبشكل مباشرة. هاته الأطراف – يقول أحد العاملين بمصفاة سيدي قاسم في تصريح له – هي التي كان عليها الدفاع والضغط على الحكومة من أجل إجبارها على العدول عن إغلاق مصفاة سيدي قاسم، وتبيّان أن هذا لا لايضر فقط بالأمن الاقتصادي لمدينة كسيدي قاسم، بل هو متعلق أيضا بالأمن الطاقي للمغرب ككل خصوصا بعد حريق مصفاة المحمدية سنة 2002 وما ترتب عن ذلك من نقص حاد في المواد البترولية التي عملت مصفاة سيدي قاسم على تعويضها بالاشتغال بكامل طاقتها لملأ الخصاص الحاصل في السوق أنذاك. كما كان على هاته الأطراف – يضيف محدثنا- أن تراسل الحكومة وتراسل أيضا أعلى سلطة في البلاد بوضع ملف متكامل أمامها يبيّن بعض المقترحات التي يمكنها أن تعوض التحولات التي حصلت في ميدان التكرير ولم تواكبها مصفاة "لاسامير"، كأن تطالب بتخصص ميزانية استثمارية لتوفير مواصفات جديدة لتسويق بعض المواد النفطية التي لا تتطلب تغييرات جوهرية او استثمارات كبيرة في "لاسمير سيدي قاسم"، كالمواد التي تدخل في النشاط الفلاحي أو الصيد البحري على سبيل المثال لا الحصر.. لكن – يضيف محدثنا- لا شيء من هذا كان، فالبرلمانيون لم يطرحوا مشكل الإغلاق هذا تحت قبة البرلمان، والمجلس البلدي لم يقم بمجهود كبير في هذا الباب. هذا المجلس كان قد راسل شركة "لاسامير" بتاريخ9 أبريل 2008 حول مستقبل الشركة بسيدي قاسم، ومما جاء في الرسالة التي وقعها رئيس المجلس البلدي العربي الكرطيط، "أن الشركة انشأت بفضل السواعد القوية لساكنة المنطقة وكانت النواة الأولى لظهور المدينة وقلبها النابض اقتصاديا واجتماعيا ولعقود تناهز الثمانين سنة.." وتضيف الرسالة التي نتوفر على نسخة منها أن "على الشركة أن تأخذ خصوصية المدينة.. وأن تساعد في تقوية الروابط بينها وبين ساكنة هذه المدينة التي احتضنت نشاط هذه الشركة منذ أمد بعيد..." كما أكدت الرسالة أن المدينة بصدد تنفيذ برنامج تأهيل المدينة وهيكلة بنيتها التحتية مما من شأنه أن يدعم قدراتها لاستقبال استثمارات جديدة في مجالات اقتصادية أخرى... كما ختمت الرسالة الموجهة إلى إدارة "لاسامير" بالتأكيد على أن المجلس على استعداد تام لفتح حوار جاد حول مستقبل الشركة وتطويرها ودعم اندماجها بمحيطها الاقتصادي الجديد...". كل هذا، اعتبره البعض كلاما فضفاضا ليس فيه أي جدية حقيقية في التعامل الصارم مع ملف المصفاة، بل إن البعض ممّن تحدثنا إليهم خصوصا من عمال الشركة، قد اعتبر أن ما قامته به النقابة التابعة لشركة "لاسامير" يفوق اضعاف اضعاف ما قام به المجلس البلدي دون أن نتحدث عن عن من يمثلون المدينة والإقليم في البرلمان، فهؤلاء غير موجودون أصلا ضمن هموم المدينة والإقليم بشكل عام. هكذا إذن، تغلق مصفاة سيدي قاسم في صمت، لتركن المدينة إلى بؤسها الذي بدأ بتفويت مجموعة من المنشآت الإقتصادية، كشركات "صوديا" و"سوجيطا"، وإغلاق أخرى ك "كومابرا" و"كوماكريا" للبذور، وهلم جرا..على بداية السنوات العجاف. كرونولوجيا مصفاة سيدي قاسم 1919 إكتشاف بئر للنفط في منطقة "سلفات" 1929 تأسيس الشركة اشلريفة للبترول بمساهمة الدولة ومجموعة من الشركات برأس مال يقارب 6 ملايين درهم. 1934 إكتشاف بئر بترولي آخر في منطقة "عين الحمراء". 1940 تأسيس الوحدة الأولى المختصة في تقطير البترول بقدرة 50 ألف طن سنويا. 1951 بداية استيراد البترول الخام من الخارج من أجل التكرير 1954 تاسيس الوحدة الإنتاجية لتصفية المواد النفطية، ورفع القدرة الغنتاجية من 50 الف طن إلى 100 ألف طن سنويا. 1968 تاسيس معمل صناعة قنينات الغاز. 1972 توسيع وحدات الإنتاج بزيادة وحدة التقطير الجوي. 1992 بداية العمل بأنبوب النفط الذي يربط بين المحمديةوسيدي قاسم. 1997 خوصصة الشركة. 1999 إدماج الشركة الشريفة للبترول وشركة "سامير" 2006 إغلاق معمل صناعة الغاز. 2007 إغلاق وحدة صناعة البنزين بدون رصاص. 4 أكتوبر 2007 إصدار الجريدة الرسمية في عددها 5566 المواصفات الجديدة للمنتوجات النفطية الجديدة التي سيعمل بالمغرب إبتداءا من 2009. يناير2008 إغلاق الوحدة الثانية لصناعة البنزين بدون رصاص. نهاية يناير التوقف الكلي لجميع آلات للمصفاة وتحويلها إلى مخزن. (جريدة الشعاع) [email protected]