الصيادلة يدعون لتوحيد الجهود ومواجهة التحديات الراهنة        الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما.. وأنا سعيد من أجل اللاعبين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    محطة جديدة متنقلة لتعزيز تزويد ساكنة برشيد بالماء الشروب السلطات المحلية لبرشيد و الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تدشن مشروع مهم في ظل تحديات الإجهاد المائي    يوعابد ل"برلمان.كوم": منخفض جوي متمركز بالمحيط الأطلسي غرب جزر الكناري وراء الأمطار التي تشهدها بلادنا    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    ضعف التمثيلية السياسية والفساد وإشكاليات الاستقبال.. مرصد يوصي بالعمل على تجاوز العراقيل التي تواجه الجالية    فلسطين تعتز بالعلاقات مع المغرب    عودة يوسف المريني لتدريب هلال الناظور بعد 20 عاما من الغياب    تراجع أسعار النفط بعد استئناف العمل في حقل ضخم بالنرويج    معمل 'أكسام' في صلب التطورات العالمية لتغذية المواشي    بوتين يوسع إمكانية استخدام السلاح النووي من طرف الجيش الروسي    الشرطة توقف ناقل "حبوب مهلوسة"    نزاع حول أرض ينتهي بجريمة قتل    اتهمتهم بمعاداة السامية.. عمدة أمستردام تعتذر عن تصريحات تمييزية بحق مسلمي هولندا    اليونسكو تدرس ملف "تسجيل الحناء"    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    المقاو-مة الفلسطينية: تصحيح المعادلات وكسر المستحيلات    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    ماذا سيتفيد المغرب من مليوني ونصف وثيقة تاريخية؟    وزارة الخارجية: 5000 كفاءة مغربية في الخارج وسنطلق قريبا آلية لتعبئتهم ودعم حاملي المشاريع    شيتاشن يفوز بنصف ماراثون ازيلال للمرة الثانية تواليا    مقتل 5 أشخاص في غارة إسرائيلية على بيروت وحزب الله ولبنان يقبلان اقتراحا أمريكيا لوقف إطلاق النار    افتراءات ‬وزير سابق ‬على ‬المغرب ‬وفرنسا ‬وإسبانيا ‬وأمريكا ‬في ‬قضية ‬الصحراء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    حادثة سير مميتة بتارودانت تخلف أربعة قتلى        إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    يحدث هذا في فرنسا … !    ميناء الداخلة الأطلسي: مشروع استراتيجي يحقق تقدمًا بنسبة 27%    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    مجموعة صناعية دنماركية كبرى تفتح مكتباً في الداخلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة في الصحراء المغربية    توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية جهات المغرب وICLEI Africa    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت وإصابات في تل أبيب إثر قصف صاروخي من لبنان    الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    كيوسك الثلاثاء | مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب في المركز 76 عالميا    جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    المفوضية الجهوية للأمن بأزرو…استعمال السلاح الوظيفي من قبل شرطي لتوقيف متورطين في اعتراض وتهديد سائق أجرة    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترميم الثقة الغائبة
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2022

مِن الناس من لا يستلطف عادةً كُرة القدم.. يرى فيها عصبية تُوقظ في نفس متابعيها قَبَلِيّة كامنة قد لا تُحمد عقبى انفلاتها. ومنهم من لا يُتابع مبارياتها لأن فيها إلهاء عن شأن من شؤون دنياهم أو آخرتهم يرونه أولى بالاهتمام. وهناك من لم يَكُنْ -والأصح يَكُنَّ- ينتمين للعبة هي على صورة المجتمع الإنساني حديثِ العهد باندماجهن في مجاله العام: جَدّه وهَزله.
ثم جاءت كأس العالم التي سَبَقها ما سبق من لَغَط لم تُفاجِئ "الطُّهرانية" الانتقائية الغربية به أحدا. فتابع من لا يستلطف اللعبة في العادة، المُباراة الأولى بحذر المُعتدل الرصين. ولم يحفل بها كثيرا ذاك الذي يرى فيها هدرا لوقته الثمين، فالنتائج عنده معروفة: خروجٌ مُشرفٌ من الدور الأول بعد خسارة واحدة وتعادلين سلبيين على أحسن تقدير. وملأت المشجعات المتحمسات المنصات في العالمين الواقعي والموازي الذي تَحيّن صُناعُ محتواه الزلاّت المعرفية بقواعد اللعبة لتلك الفئة "المُحْدثَة" من مشجعي الكرة، وليصبِحن مادة للسخرية "البريئة".. فالنساء على ما يبدو مهما شرحت لهن، لا يستوعبن أبدا معنى التسلل.
فجأة، انتصر الفريق الوطني. وتلى الانتصار شيءٌ مختلف.. تميزٌ ما. ثم سرعان ما أصبح هذا التميز.. نمطا لتفوق فعلي. ثم عبروا إلى الدور الثاني الذي هَرِمَت حرفيا أجيالٌ من محبي الكرة في انتظار حدوثه مرة أخرى. فجأة، أصبح من لا يحب كرة القدم، ومن يتعالى عليها، ومن لا يفقه فيها شيئا منغمسا إلى الأذنين في ما كان يلوم عليه غيره. واختلطت الأدعية والصلوات بترانيم المشجعين وزغاريد المشجعات في مشهد غريب على "الفصل" النفسي السائد. وكلما تلى الانتصار انتصارا، الاّ واتسعت رقعة المتحمسين لتشمل أصحاب الجغرافيا والثقافة والتاريخ وحتى الواقع الجيوسياسي المشترك شرقا وجنوبا. وليصبح كل انتصار في مباراة أمام خصم ما، هو انتصار لِقِيم الجماعة أو الجماعات التي أصبح يُمثلها، شاء أم لم يشأ، الفريق المغربي، في مواجهة قيم الآخر الذي هو في الأغلب غربي. أصبحت كل مباراة هي فرصة نادرة "لاستخلاص" حق قديم، ولتحرير فكرة "التفوق" من القبضة "المُحتكِرة" للمنتصر التقليدي المتربع دائما على عرش الكُرة والحياة.. فرصةٌ لأن تصبح جماعة أو جماعات وما تعتقده وتدافع عنه مرئيا ولو خلال عمر مباراة.. فرصةٌ لتقديم سردية أخرى مُمكنة تستدعي انتصارا وتفوقا في شيء ما، يحدث فعلا والآن.
وليس في هذا الخلط ما بين السياسي والاجتماعي والنفسي والتاريخي من جهة، وكرة القدم من جهة أخرى، ما يفاجئ.. يكفي الاطلاع على التاريخ الدراماتيكي لكؤوس العالم، أو متابعة مواقفَ أنديةٍ ومنتخبات كبرى من حروب أو حركات مجتمعية أو مواقف سياسية ليتبين أن هاته السياسة وتلك -كرة القدم- أبعد ما تكونان عن الماء والزيت وإن قالت رَبْطَاتُ العُنق غير ذلك. بل تكاد تكون الثانية امتدادا للأولى وانعكاسا لتخبطاتها وورقة ثمينة من أوراقها الرابحة.
وليس مفاجئا أيضا، وإن كان جديرا بالدراسة -وهذا ما ستفعله فعلا مراكز التفكير الغربية فور انتهاء المنافسات إن لم تكن قد بدأت بالفعل- قلت ليس مفاجئا هذا التماثل الغامر والعابر للحدود الذي جعل ألوانا وأطيافا ونَزْعَاتٍ مختلفة ترى، كلٌّ من زاويتها، في الفريق المغربي المُنتصر ممثّلا شرعيا لها، وتتمنى استمرار هذا التفوق في مباريات الكُرة، في وقت ساد فيه الاعتقاد أن الدول في منطقتنا والعالم لم تعد تستطيع "التعاطف" لأن له كلفة باهظة، وأن "هنا" قبل "هناك"، وأنّ كلُّ نفس بما كسبت رهينة.
تَشكلت وحدة ذهنية كانت خامدة.. لتتنافس على كأسٍ ولتتدافع بالقيم.
خلاصة القول، إن كل انتصار في العلوم أو في الفنون أو في الرياضة، له دلالة وأثر على نفس الفرد وعلى وعي جماعته أو جماعاته: لأن الانتصار إن تكرر ودام يُرمم الثقة الغائبة، ويُلهم للتجرؤ على طلب التفوق ويدفع لتملك الإبداع.
يبدو أن الترميم قد بدأ من أخمص القدم، فعسى أن يستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.