أنظار البشرية تتجه الآن صوب جنوب إفريقيا حيث تجري أطوار كأس العالم في كرة القدم الرجالية. ويعد تنظيم كأس العالم، لأول مرة بالقارة السمراء، حدثا رياضيا عالميا متميزا، إعلاميا واقتصاديا وسياسيا. الحدث لا يخلو من رمزيته ومن جدته، فالدولة التي عاشت نظام الأبارتايد العنصري لعقود طويلة، هي اليوم محط اهتمام وتتبع تلفزي ضخم. وفر لها الحدث فرصة كبيرة لتسويق الصورة وفرصا استثمارية حقيقية. ومن جانب آخر طرح الحدث تحديا حقيقيا ومحكا صعبا من ناحية التنظيم وتوفير الأمن والرفاه لآلاف السياح الأجانب، أغلبهم يزور إفريقيا السمراء ودولة جنوب إفريقيا لأول مرة. إنها – كما قال نيلسون مانديلا مفتخرا بهذا الإنجاز السياسي الباهر- لحظة تعانق فيها إفريقيا الأم Mother Africa جميع أبنائها المغتربين في العالم، وهي القولة التي علق عليها Pascale Boniface (مدير معهد الدراسات الدولية والإستراتيجية وأحد أبرز المتخصصين في ظاهرة كرة القدم) في أحد حواراته مع جريدة Le Monde الفرنسية، بأنها إشارة إلى أرض ميعاد جديدة وهو موسم حج كبير ... هو رياضي شكلا لكنه موسوم بسلوك تدين باطني حقيقي من حيث كونه جماعيا، عاطفيا، طقوسيا، تعبويا ودعويا. الغرض من ملف هذا الشهر، الذي خصصنا موضوعه لكرة القدم، ليس الحديث عن الرياضة ولا عن الكأس وما يتعلق بها من أخبار، ربما لم نعد نقدر على إحصاء عددها وتداعياتها، بل غرضنا هو الحديث عن كرة القدم في بعدها التاريخي والفلسفي والسوسيولوجي والسياسي... كرة القدم التي تحولت من لعبة تم تقنينها بداية القرن 19 بإنجلترا لتصبح الممارسة والسلوك والصناعة الأكثر عولمة والأكثر تحريكا لملايير الناس، حيث وصفها Norbert Elias بكونها «حدثا اجتماعيا كاملا» . ومن تم فهدف ملف هذا الشهر مزدوج أولا: كيف يمكن تسخير أدوات ومقاربات التحليل الفلسفي والسوسيولوجي لفهم ظاهرة من أكثر الظواهر راهنية، ألا وهي ظاهرة كرة القدم. وهل موضوع كرة القدم والرياضة عموما قابل لأن يكون موضوع تمحيص فلسفي وسوسيولوجي أصلا؟ ثانيا: كيف يمكن المساهمة في الوقاية من انجرافنا المنفلت من عقال العقل لرياضة ممتعة لكنها مقلصة للوعي وللفكر النقدي بشكل حاد. فهم كرة القدم- من خلال هذا الملف- يأتي على حساب رغباتنا الشبقية في نسيان أعباء سنة من العمل والدراسة وانطلاق صيف ساخن ولهوي Ludique على إيقاع البافانا بافانا. إنها لحظة متميزة للدراسة والتحليل النفسي والسوسيولوجي، حيث الجميع موجه – بقوة دعائية وإعلامية كبيرة- نحو استهلاك منتوج كروي لمدة تزيد عن 30 يوما. لم يسبق للإنسانية- أو جزء كبير منها- أن عرفت هذا الحجم من الاستثمار الاستهلاكي. لقد علمنا Emile Durkheim، في درسه المنهجي السوسيولوجي، أن ظاهرة اجتماعية ما، لكي تكون موضوعا للسوسيولوجيا، تشترط شرط التمظهر في السلوك اليومي للناس وتتجلى في شتى مستويات هذا السلوك، وأن تتسم بالبنيوية، بحيث تكون وراء تشكيل البنيات الذهنية المنتجة للمواقف والمعتقدات والقيم، وأن تكون قابلة بنفسها لإعادة إنتاج ذاتها لتحقق الاستمرارية والامتداد (الزمني والمكاني)، وأن يكون تحليلها كافيا لفك شفرات سلوكات ووقائع أخرى تابعة ومحايثة corollaires. ألا تتوفر كرة القدم كظاهرة على الشروط الإبستمولوجية المشار إليها أعلاه (Claude Bayer)؟ أليست مقتحمة لليومي بل وأكثر من ذلك مقتحمة للمجال الذهني للأفراد والجماعات بفضل الأدوات الإعلامية المتفننة الموضوعة رهن إشارتها؟ أليست كرة القدم مقاسا نقيس عليه البطولية والنجاح والانتصار وحب الانتماء للفريق وللوطن وللجماعات المشجعة والأنصار؟ أليست حاشدة لسلوك التماهي مع الأبطال الخرافيين والأسطوريين في إطار ملحمة وقداسة مفرطة (على حد قول Georges BALANDIER)، وبها تعبر المجموعات المسحوقة عن العنف والرفض والثورة...؟ أليست كرة القدم تلك الآلية السحرية لتوجيه عنف الثوار عن الأهداف السياسية المحدقة؟ وسيكلوجيا، ألا توفر لنا كرة القدم أحاسيس متنافرة ambivalentes ؟ فالفرد منا يحس إحساسا متنافرا بالدونية وبالحب، بالمسالمة وبالامتنان وبالعدائية، بالفردانية المتجلية بالاستمناء بالفوز (كما وصفه Edgar Morin) وبالتلذذ الشبقي الجماعي l'Orgie du sport . الطابع الجنسي (بالمعنى الفرويدي) متأصل أيضا في الرياضة، وبالأخص في كرة القدم. فإلى جانب الافتتان la Séduction، الذي تمت صناعته وإنتاجه انطلاقا من أشكال القمصان الملتصقة على العضلات المفتولة، ومن أشكال الزينة وتسريحات الشعر والتيمية le fétichisme التي تزركش الأحذية وسلاسل الأعناق والأقراط، وصباغات الشعر... هناك الرغبة في الإثارة، وهو المكون النفسي الأساسي الضامن لاستمرارية اللعبة واستمرار الرغبة فيها. والمرأة هنا (صور المشجعات المثيرات- وقصص محبات الأبطال)، بل وصورتها يتم استثمارها بكثافة «كقرابين موضوعة ومسخرة لآلهة الحرب» Catherine LOUVEAU. هناك أيضا الجانب السياسي في اللعبة. فكرة القدم هي أسمى مظهر للرياضة السياسية (Ignacio Ramonet). والسياسة تبدأ قبل وأثناء وبعد المقابلة، وهي رائجة داخل دهاليز المؤسسات المسيرة للعبة والتي أصبحت قراراتها تتسم بالنفاذية والسلطة أكثر من قرارات مجلس الأمن أو هيئة الأممالمتحدة (Pascale Boniface). نظمت إيطاليا الفاشية كأس 1934 من أجل أن تفوز به لتخليد النظام الحاكم وترويج إيديولوجيته، وسهلت كرة القدم، بعد 1952،إعادة اندماج الدول المندحرة في الحرب العالمية الثانية كألمانيا واليابان، ودخولها منظومة العلاقات الدولية الشرعية. وتحولت كرة القدم في أمريكا الجنوبية إلى طوطم Totem تحقق به هذه الشعوب الثالثية المفخرة الدولية. وحسنت الكرة من العلاقات الديبلوماسية بين اليابان وكوريا الجنوبية عقب نهائيات كأس العالم لسنة 2002، لكنها وشكت على إشعال فتيل خصام ديبلوماسي ما بين مصر والجزائر عقب إقصائيات كأس العالم 2010، واستثمرها دييغو مارادونا في الترويج للأنظمة المتنافرة مع واشنطن. ولم يخطئ الجنرال De Gaulle – عند اندحار فرنسا في الألعاب الأولمبية لسنة 1960- عندما قرر أن « الرياضة، هي الآن قضيتي الشخصية». وعكس ما خلص إليه Roger Milla بكون كرة القدم تصنع من أصغر وأفقر بلد أعظم وأقوى بلد، فإن الافتتان بالكرة لم يعد ظاهرة عامة. هناك بالمقابل مقاومة قوية بدأت تتشكل، معرفيا وسياسيا واقتصاديا، لتقويض وإسقاط مملكة الكرة المنبنية على مظاهرفظيعة وإجرامية من الاستغلال والقهر (Patrick Vassort). والوعي السياسي بمؤسسة كرة القدم وبكواليسها وخلفيات ومخلفات القرارات المتخذة فيها، هي طريقة نقدية لكي لا تتحول الكرة الأرضية إلى كرة قدم. برجوعنا إلى البيبليوغرافيا التي تم تخصيصها للرياضة وكرة القدم، وجدنا أنه موضوع تم تناوله فكريا وفلسفيا، ليس لمقوماته الذاتية – كرياضة وكممارسة فردية وجماعية فنية- لكن باعتباره «ذريعة» فكرية لإثارة إشكاليات نفسية ومجتمعية مرتبطة بالإنسان كفرد وكجماعة. فالرياضة هي اللحظة – حسب أرسطو- التي تمر منها الذات الإنسانية من حالة القوة والقدرة إلى حالة الفعل والتحرك. وهي نقلة لا تكتفي – حسب Roland BARTHES- بإثبات قدرة فردية ما، بل تسعى أيضا لتحقيق ما تصبو إليه الجماعة، كالرغبة الكامنة في الانتصار وتبيان تفوق الإنسان (على الإنسان وعلى الزمان وعلى المكان). «قتل الثور الهائج – يعلق BARTHES- ليس فقط نهاية تراجيديا بل بداية ملحمة دائمة تكرر نفسها باستمرار، يسعى فيها الرياضي إلى تمثيل دور المنتصر استجابة لإغواء الانتصار الدائم لدينا». أما Edgar Morin – ولأنه وفي دوما لآليات التحليل الوظيفي السيكولوجي- فالرياضة وكرة القدم تبدوان بالنسبة له مشخصة للحظات ليبيدية Libidinales مفعمة بالشبق والمتعة. ودخول الملاعب- على عكس ما يبدو عليه من طابع جماعي- يشبه كثيرا دخول أماكن الاختلاء المفعمة في التلصص. هناك طبعا حشود وأجسام كثيرة متراصة، لكن هناك طقوسية في تزيين الأجسام والألبسة وتحوير الهيئات استعداد للجذبة الكبرى la grande transe. وهي بالذات ما كان الرومان يفعلونه بالشعب في ميادين وحلبات القتال les arènes حيث يحورون انتباههم عن السياسة ويسلبونهم أحاسيسهم بالقهر ليعوضونها بأحاسيس الانتصار والتفوق والاستعلاء عبر ما يحرزه المقاتلون من انتصارات على الأسود الضارية. قتل الأسد، كما تسجيل هدف في مرمى الخصم، يعطي دائما النشوة بالانتصار لدى أفقر الفئات الاجتماعية وأكثرها هشاشة (Henri LEFEBVRE). فيلم GLADIATEUR للمخرج Tony SCOTT يشخص ببراعة هذا الترابط ما بين السياسي والرياضي. فالإمبراطور ينظم التظاهرة القتالية الكبرى لتحوير انتباه الشعب نحو «الملهاة الكبرى» وكسب ودهم ضدا في سلطة مجلس الحكم، لكن الانقلاب على الإمبراطور نفسه سيأتي دائما من داخل حلبة القتال. لم تسلم كرة القدم من الحدة النقدية للتحليلات السوسيولوجية ذات المنحى الماركسي. حيث كانت نظريات مختلف أطر التحليل الماركسي للرياضة تضع كرة القدم في خانة «المخدرات الجماعية» التي تكثف سلوكيات الانتماء (وهي سلوكات عميقة infra segmentales) وتصعب عمليات الإفاقة من أجل التغيير المجتمعي، من دون الحديث عن السلوكات الفوقية supra segmentales، كالزيادة في الاستهلاك (كرات- أقمصة- مشروبات- أسفار- التصاق بالتلفزة والتعرض لشحنات إشهارية مكثفة) واحتلال التلفزة للمتفرجين، والأخطر من ذلك هو زيادة مستويات العنف العشوائي والعنف الجماعي المنظم. و لا يتردد أغلب المحللين السوسيولوجيين، وبالأخص النظريات الوظيفية في السوسيولوجيا (Cazeneuve – Balandier- Morin- Bourdieu- Brhom)، في اعتبار أن «العنف المؤجل الذي تنتجه الكرة» يتحول إلى عنف مضاد ويزيد من تكلفة الفرجة، فلا مجال للهروب من عنف الطبقات المسحوقة والمهمشة التي تشكل كرة القدم لديها وسيطا للتعبير عن السخط داخل الفرجة، كما التعبير عن الأزمة داخل اللوحة الراقصة عند الشعوب القديمة، تعويضا عن قنوات السياسة التي فقدت وظيفتها كوسيط لترجمة الأزمة. نظرية التحليل النفسي، هي أيضا، خلفت تركة كبيرة من الأعمال المهمة التي تشرح مختلف الظواهر النفسية المرتبطة بالرياضة وبكرة القدم. فانطلاقا من أعمال Gustave Le Bon حول سيكلوجيا الجماعات ومقالات S. Freud حول سلوكات الفرد داخل الجماعات الدينية والرياضية (في كتابه «مقدمة في التحليل النفسي»)، تطورت النظرية التحليلية النفسية لشرح ظواهر أكثر التصاقا بالرياضة وبكرة القدم. وفي هذا الإطار تم تخصيص حلقة دراسية مهمة خلال ندوة Wilhelm Reich ببرلين سنة 2007 لتقديم أطروحات جديدة لتحليل الظاهرة النفسية لكرة القدم وآثارها على السلوكات الفردية والجماعية. نعيش معا... أو نموت معا هذا شعار الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم. وليست المناسبة الوحيدة التي يذكر فيها الموت، صراحة أو بشكل رمزي، في الشعارات والتعليقات الرياضية. الرياضة والموت وجهان لعملة واحدة. وكما قال أدولف هيتلر- في مديحه للملاكمة- فإن الرياضة تعلم المواجهة، وما الخصم سوى ذلك الشيطان الذي تبعثه الموت لتقصي الشجاعة، وما الشجاعة الأصيلة سوى الرغبة الحقيقية في الموت. Arsen Wenger مدرب فريق الأرسنال الإنجليزي قال في أحد حواراته «في ستينيات القرن الماضي كان اللاعب يحتاج مجملا إلى 6 ثوان من أجل التحكم في الكرة... اليوم يحتاج اللاعب المحترف إلى ثانية واحدة وإلا فسيموت». ما المقصود بالموت (كواقع وكفكرة) في لعبة هدفها الصريح والعلني هو تحقيق السلم والفرجة؟ ربما الموت في الرياضة هو مركب سيميولوجي ورثته الرياضات من تلك العهود القديمة حيث لا خيار للانتصار سوى البقاء على قيد الحياة، بل إعطاء الحياة نكهة الانتصار على الموت التي شكلت لقرون طويلة الأساس النفسي للرياضات القتالية والتنافسية ( J. Cazeneuve). لكن، بعيدا عن كل تحليل إثنوغرافي، أليس العنف والموت والقسوة سمات حقيقية تتسم بها كرة القدم اليوم؟ حيث أكدت منظمة الصحة العالمية – في أحد تقاريرها الموضوعاتية الخاصة بالسلامة البدنية في الرياضة- بأن كرة القدم، والكرة المستطيلة وكرة القدم الأمريكية والملاكمة...رياضات بدأت تزداد خطورة وفتكا بالممارسين. إلى جانب القتلى الذين ماتوا في رقعة ملعب الكرة (يبلغ عددهم 524 منذ 1960 حسب إحصائيات جامعة Newcastle من مختبر الدراسات الرياضية والاجتماعية لسنة 2006)، هناك حالات لإصابات مميتة ومعيقة أقعدت آلاف الممارسين، من دون حساب آثار العنف والموت في صفوف المشجعين. وبلغ الهلع أشده ليصل إلى الممارسين المحترفين أنفسهم، حيث بادر مارادونا وهوزيبيو وراوول وفان باستن وكوليت ومعهم اللاعب الشاوش من المغرب... بإنشاء جمعية لحماية اللاعبين من الاستغلال المفرط المفضي للموت. إنها ظروف عمل غير لائقة يتعرض لها أغلب الممارسين وخصوصا المهاجرين في أغلب الأندية المغمورة والمحترفة إلى حد دفع بأحد الأقسام النقابية دائمة التمثيلية بالمكتب الدولي للشغل من التقدم بتقرير صادم حول ظروف العمل غير السليمة في الأندية الرياضية (وعلى رأسها كرة القدم). وقد شدد التقرير على ظاهرة جديدة هي ظاهرة تشغيل الأطفال في الأندية والفرق بدعوى الدفع بالمهارات وتشجيع النجوم خارقي العادة (ونحن نحتفي بالعهد الدولي لمناهضة الظاهرة). ففريق FC Barcelone، وهو فريق متعاقد مع صندوق الأممالمتحدة للطفولة UNICEF، أدمج اللاعب Lionel Messi في عدة مباريات حاسمة وقاسية وهو مازال في سن ال 17 سنة. الكرة بين مبدأ اللذة ومبدأ الواقع تثير الفرجة الكروية وتتبع البطولات والمباريات أحاسيس باللذة والانتشاء بالانتماء إلى فريق (هو جماعة افتراضية) في غياب انتماءات فعلية لجماعات واقعية مع زيادة نمط العيش الفرداني Individualiste، الذي تتميز به الحياة المدنية الحديثة. ويدخل المتفرج في كل لحظة فرجة - وخصوصا الشاب والمراهق- في حالة من الحلم المتيقظ Rêverie diurne ويطلب ملاقاة الأبطال والتيمن ببركاتهم. وهو سلوك مفعم بالإعجاب إلى درجة التخدير. «فلا لاعب أفضل وأقوى وأجمل وأذكى وأكثر إنسانية من اللاعب المفضل لدى المحب، الساقط في حالة من التبنيج، وهو فخ تسببت فيه وسائل الإعلام المتواطئة مع شركات الإشهار والإعلانات» Ignacio Ramonet. وقد خلصت أغلب الدراسات النفسية المهتمة بأوضاع الجدبة الجماعية والإعجاب المفرط بالنجوم، إلى أنها حالات محدودة في الزمن، تبلغ أوجها قبيل ظهور النجم لتصل ذروتها عندما يحقق هذا النجم مطامح المحبين (إحراز هدف...). لكن هذه الجدبة تنكص لتختفي في اللحظات الأخيرة من المباراة لتبدأ مرحلة جديدة- يسميها علماء النفس بالسرد العاطفي le récit émotif. وهي حكايات ينسجها المحبون ويحبكونها لتعداد مزايا اللاعب وعظمته. ويلعب الإشهار دورا «وقحا» في ديمومة هذا الشعور بالجدبة نحو النجوم عندما تطيل من عمر الافتتان بالنجم (من خلال وصلاته الإشهارية- ووضع صوره على الأقمصة واللوحات الإعلانية العمومية). حالة الافتتان هذه تخلق الصدمة بالواقع Crise du réel. لأن المعجبين والمعجبات يرفضون دائما وضعية الاستيقاظ. فالانتقال، إذن، من مبدأ اللذة (الحلم والافتتان) إلى مبدأ الواقع (الاستعداد مثلا لامتحانات الباكالوريا...) يكون عسيرا ومكلفا من الناحية الطاقية والنفسية أكثر بالنسبة للشباب المندمجين في اللعبة مقارنة بغير المهتمين بها. مبدأ اللذة ينتهي أيضا عندما يقرر بعض الشباب المرور إلى المحاكاة الفعلية للأبطال بدخول عالم الممارسة الفعلية للكرة. كثيرون هم الشباب الذين تغيرت مواقفهم حيال النجومية والبطولة والافتتان بالكرة بمجرد دخول عالم ممارسة كرة القدم كمحترفين. وكثير منهم يستفيق على هول التمارين وقساوتها وعلى الفكرة الخيالية غير الحقيقية حول «المحاكاة السهلة للنجوم» وحول عدم واقعية فكرة النجومية نفسها.