في مقال افتتاحي على صفحتها الأولى لا يخلو من رغبة في إذكاء الحقد والكراهية في مستقبل حق التآخي بين الشعبين المغربي والجزائري، كتبت جريدة الفجر الجزائرية الموالية للنظام العسكري وبالخط العريض "حجزت أسلحة من صنعها لدى عناصر "الفيس" المنحل بعد فرارهم إلى الخارج إسرائيل غذت فتنة الاقتتال والمغرب استثمر في الإرهاب بالجزائر". "" والحق أن بنية هذا المقال لا يخفي لعب إعلام العسكر على حبل ما أصبح يعرف ب"ملف بليرج المتهم بتهريب السلاح إلى المغرب"، حيث استندت الجريدة في ادعاءاتها على من أسمته بأحد إطارات قادة الأمن بالجزائر المكلف بمكافحة الإرهاب الذي يستعد حسب روايتها لإصدار مذكرات شخصية قالت أنها تتضمن حقيقة مثيرة، وخاصة ما يتعلق بتأخر مصالح الأمن المغربية في تسليم قياديين من ما أسمتهم ب "الفيس" المنحل وجناحه العسكري المحتمين بالمغرب منذ التسعينيات. ثم أوردت الصحيفة أن الأمن المغربي رد على طلب الأمن الجزائري بشأن تسليم العناصر الخطيرة التي تسللت إلى المغرب، بأنها لا تعلم بمكان تواجدهم، وحتى بعد أن قدمت الجزائر أماكن اختفائهم بالتدقيق ومحاور تحركاتهم. والحق أن هذه الأطروحة لا تستقيم أمنيا -(ادعاء الأمن الجزائري أنه يعرف أماكن اختفاء المتشددين بالمغرب)-، وتكهن يصعب تصديقه وتقبله منطقيا بتحليل ترتيب بنية المقال نفسه فتارة يدعي أن الأمن الجزائري كان يعلم بأماكن اختفاء المتشددين، وطورا يقول أن المتشددين كانوا محميين في قصور المملكة المغربية، خلاصات وربط للأحداث لا يسلم من حقد وكراهية غير محسوبة. كما أن هذه المزاعم لا تصدق أمام حجم التعاون الذي دأب المغرب على تقديمه للأشقاء في الجزائر، كما تصح تلك المزاعم أمام سياسة اليد الممدودة إلى الجزائر، للتعاون على كافة المستويات أمنية كانت أواقتصادية...، ولا تستقيم أمام ما تحمله المغرب من تبعات الإرهاب منذ سنة 1990، إلى أحداث الدارالبيضاء في 2001 و2003. فلأن عناصرا كانت تتحرك على الحدود الجزائرية المغربية تتهم المغرب بدعم الإرهاب والفتنة الداخلية، وتقول في مقال مطول بعد مرور 18 سنة من بداية الأزمة الأمنية في الجزائر، عقب توقيف المسار الانتخابي، بدأت أخيرا تظهر للعلن ... من كانوا يقفون وراء زعزعة استقرار الجزائر،" والغريب أن عمى ألوان الجريدة المذكورة وخطابها المليء بالحقد والكراهية جعلها تقرن مسببات الأزمة الأمنية التي نسبتها مرة إلى ما أسمته ب"وقف المسار الانتخابي" ومرة إلى الخارج، لينتهي بها الاتهام المجاني إقران المغرب بإسرائيل لتغذية العنف في الجزائر الاستثمار فيه، وقد كان ذنب المغرب في هذا الاتهام عثور قوات الأمن الجزائرية سنة 1994 على مسدس لدى أحد قادة "الفيس" بعد فراره إلى المغرب من نوع "عوزي" إسرائيلي الصنع، ثم أردفت الجريدة التي تعوزها مصادر صحة الخبر بأن الجهات التي استندت إليها في هذه المعلومات "تحفظت عن إعطاء حيثيات وتفاصيل دقيقة ل"الفجر" مكتفية بالتأكيد على أن إسرائيل دعمت وأشعلت نار الفتنة بين الجزائيين، وهذا ما يؤكد خطابات السلطات العمومية خلال تلك المرحلة عن "وجود يد أجنبية وراء فتنة الدم في الجزائر". كما اعترفت الجريدة في المقال ذاته بأن مسار وصول هذه الأسلحة الإسرائيلية إلى أيد عناصر "الفيس" المتشددين لا يزال في خانة "سري للغاية"، لكنها لم تكل من محاولة لي عنق الحقيقة لتربط وصول الأسلحة التي قالت عنها أنها إسرائيلية إلى المتشددين تم عن طريق المغرب. إن المقال بنية وسندا ضعيف الحجة وواهي الأدلة سعى مسح نتائج الديكتاتورية ضد إرادة الشعب الجزائري ليمسحها في المغرب، بأسلوب إعلامي متحامل ومملوء بلغة الحقد والكراهية التي لا تضع حسابات العلاقات الأخوية التاريخية ولا مشروع مستقبل أبناء المغرب والجزائر يعيشون في سلام دائم. إن الجريدة وهي تطرح زمرة تكهنات جديدة لربط المغرب بالإرهاب في الجزائر فإنها تعزف على أسطوانة مشروخة، حين تسعى إلى توظيف إعلامي تلمح من خلاله إلى فحوى الملف المعروض حاليا على أنظار العدالة المغربية، والذي يتابع فيه المتهم عبد القادر بليرج وشبكته المتهمة بتهريب السلاح. إن إقران المغرب بإسرائيل في ما حدث ويحدث في الجزائر يعد ضربا من الخيال، وسعي غير محسوب يشيع الحقد فيما بين أبناء المغرب العربي، بلغة تستغل التعاطف الشعبي مع غزة وكره إسرائيل عدوة السلام فتقرن المغرب بالأخيرة في إثارة الفتنة الداخلية بالجزائر والمغرب بريء منها براءة الذئب من دم يوسف. وبديهي أن ترتفع سخونة الحملة الإعلامية الجزائرية ضد المغرب بعد بات الأخير يوالي كسب نقط قوة لصالح مصداقيته الديموقراطية داخليا وخارجيا، ولهذه الاعتبارات فإن الإعلام المحسوب على العسكريين لا يتوانى وعند كل صغيرة أن يتحرش بالأمن والاستقرار الداخلي والإجماع الوطني حول قضية الأقاليم الصحراوية المغربية، وأن يشوش على مسيرة التنمية الذي يراكم المغرب فيها مكاسب هامة تعزز علاقته الدبلوماسية مع عدة عواصم عالمية قوية، لم تسلم من اتهام جريدة الشروق الجزائرية بأنها تنحاز لصالح المغرب في قضية الصحراء خوفا على علاقاتها الاقتصادية والسياسية به، مقترحة إعادة نقل الملف إلى جهات بديلة وصفتها ب "محايدة"، ولو من خارج الأممالمتحدة مقترحة في ذلك الدول الاسكندينافية بدعوى أنها لا مصالح لها في المنطقة، إن تحليلا كهذا لا يخلو من غرابة وطرافة فضدا على اقتناع أغلب العواصم الدولية بمقترح الحكم الذاتي فإن الإعلام الجزائري وفي تجني على الشرعية الدولية وعلى الأعراف الدولية والحقائق التاريخية والمنطقية بات يلوح بنتائج المفاوضات المقبلة حين يشترط تحييد اسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكل الدول الغربية وجعل الإشراف على المفاوضات بين يد دول اسكندنافية، لأن الأخيرة لا تجمعها علاقات اقتصادية بالمغرب أو بالأحرى لأنها تعتقد الدفاع عن طروحات الجزائر الانفصالية.