من المعروف أن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ومنذ تأسيسها، وهي تتولى مهمة الإشراف على تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية كخدمة تربوية تقدمها الدولة المغربية لأبناء الجالية المغربية في مختلف بقاع العالم. يدخل ذلك ضمن الاتفاقيات التي تربط المغرب مع الدول المستقبلة للمهاجرين المغاربة. وبحكم تمركز الجالية المغربية في أوروبا الغربية، كان من الطبيعي أن يتمركز أغلب رجال التعليم التابعون لمؤسسة الحسن الثاني هناك أيضا، خاصة في فرنسا التي تأتي في الصف الأول تليها بلجيكا ثم ايطاليا وإسبانيا. وبغض النظر عن قيمة التعليم الذي يقدم لأبناء الجالية هناك ومدى فعاليته ووضوح أهدافه، فمن الأكيد أن هذا التعليم تصاحبه مشاكل هيكلية وبرنامجية، وأيضا مشاكل مالية وإدارية تمس في الجوهر القسم الأكبر من الأساتذة العاملين هناك، وخاصة منهم الفئة المصنفة إداريا تحت مسمى " وضعية الإلحاق" والتي تشكل الأغلبية الكبيرة من الأساتذة "" يسمى الأستاذ الذي يوجد في " وضعية إلحاق" ملحقا، تنطبق عليه قانونيا كل البنود التي تنظم هذه الوضعية إداريا وماليا. فالأستاذ الملحق بمؤسسة الحسن الثاني يعتبر موظفا لديها للقيام بواجب التدريس بالخارج. هذا الواجب تترتب عليه حقوق تتجلى فيما يلي: 1 مؤسسة الحسن الثاني ملزمة قانونا، بدفع الراتب الشهري للأستاذ الملحق كما كان يتقاضاه بالمغرب من وزارته الأم ( وزارة التربية الوطنية)، هذا الراتب يتغير كلما تغيرت وضعية الأستاذ كلما ترقى في الرتبة والدرجة، وتكون مؤسسة الحسن الثاني ملزمة بتحيين الراتب تماشيا مع الوضعية الإدارية الجديدة للأستاذ. وفي هذا الإطار فلقد تمكن العديد من الأساتذة الملحقين بمؤسسة الحسن الثاني من الترقي في السلم، إما عن طريق الترقية بالاختيار أو عن طريق التفوق في الامتحان المهني، ومع توالي السنوات تزداد أعداد الأساتذة الذين ينتقلون بالخصوص من السلم العاشر ( 10) إلى السلم الحادي عشر ( 11) دون أن تكلف المؤسسة نفسها عناء تسوية مستحقاتهم المالية. هذا في الوقت الذي يستفيد زملاؤهم الموجودون في وضعية " رهن الإشارة" من مستحقاتهم باعتبارهم يتسلمون رواتبهم من وزارة التربية الوطنية!! لنضرب مثلا عن المستحقات المالية التي تعتبر دينا في ذمة المؤسسة والتي تلزم مؤسسة الحسن الثاني بدفعها لأستاذ انتقل من السلم العاشر (10) الرتبة ( 6) إلى السلم (11) الرتبة ( 6) منذ خمس سنوات: الفارق المادي بين الوضعيتين هو حوالي 4000 درهما. في خمس سنوات ( أي ستون (60) شهرا يصبح ما بذمة المؤسسة هو 240.000 درهما ( مائتان وأربعون ألف درهما) يضاف إليها نفس المبلغ محولا إلى الأورو والذي يدخل ضمن ما يسمى ب(le taux de chancellerie) أي ما مجموعه 480.000 درهما ( أربعمائة وثمانون ألف درهما) للأستاذ الواحد. ولكم أن تستمروا في العمليات الحسابية، وتفترضوا فقط أن هناك مائة (100) أستاذ في نفس الوضعية.. رغم أن أكثر من هذا العدد!! ذلك أن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تشرف على تسيير أزيد من خمسمائة أستاذ موزعين في عدد من الدول الأوروبية، تأتي فرنسا على رأسها. 2 مؤسسة الحسن الثاني ملزمة قانونا بدفع تعويضات السفر للأساتذة وأسرهم كل سنتين، وهو ما لا تقوم به. فمثلا تعويضات السفر عن سنة 2006 لم تسوَّ بعد، رغم مرور سنتين، وها هي مستحقات السفر عن صيف 2008 تنضاف إليها..!! 3 مؤسسة الحسن الثاني ملزمة بدفع تعويضات تغيير الإقامة لأسر الأساتذة، ورغم مرور ثلاث وأربع سنوات على وصول الأسر، فإن الأساتذة لم يتوصلوا بعد بمستحقاتهم. 4-مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ملزمة بدفع واجبات انخراط الأساتذة الملحقين لديها، للصندوق المغربي للتقاعد خاصة وأنها تقتطع مبالغ الانخراط مباشرة من رواتبهم، ولكنها لا تفعل..!! ، وهناك أساتذة لم تدفع عنهم المؤسسة واجبات الصندوق المغربي للتقاعد منذ مايقارب عشرين( 20) سنة. 5-التعويض الجزافي الذي تدفعه المؤسسة للأساتذة مقابل مهامهم بالخارج والذي يختلف من دولة لأخرى حسب الدخل الفردي للفرد فيها، بقي ثابتا منذ سنوات طويلة رغم الارتفاع الكبير للأسعار في بلدان أوروبا. ويمكن للمسؤولين أن يقوموا بزيارة سريعة لفرنسا أو إسبانيا أو بلجيكا.. ليتأكدوا من نوعية السكن الذي يرتاده أساتذة البعثة الثقافية المغربية بأروبا، ذلك أنهم يقطنون في شقق ضيقة، وفي أحياء بئيسة نظرا لقلة ذات اليد. بل منهم من يسكن في قبو تحت الأرض تنعدم فيه شروط الحياة الكريمة، ومن يكتري سريرا للنوم في غرف جماعية كما هو الشأن في إسبانيا، بل هناك من الأساتذة من اضطروا للدفع بزوجاتهم للعمل بشكل سري وغير قانوني كخادمات في البيوت ومنظفات في المقاهي والحانات ليدعم دخله الشهري ويتغلب على غلاء المعيشة. من كل هذا يتضح بجلاء أن هناك عطبا كبيرا في تسيير مؤسسة الحسن الثاني، وخاصة في التدبير المالي لملف أساتذة تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية بالخارج. وأن أساتذة يعدون بالمئات هم ضحايا عملية تجاهل ونسيان غريبين. وفي الوقت الذي يدعو فيه الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى تحسين الوضع المادي والاجتماعي للأساتذة من أجل تحفيزهم على العطاء، وفي الوقت الذي يتحدث فيه الخطاب الحكومي الرسمي عن الاهتمام بالجالية المغربية في الخارج وبأبنائها، نرى أن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تتعامل مع المستحقات المالية للأساتذة الملحقين بها والموضوعين رهن إشارتها بتجاهل كبير وغير مبرر في ظل الارتفاع المهول للأسعار وللمعيشة في أوروبا. وهو ما جعل العديد من الأساتذة ينهون مهامهم بالخارج بشكل طوعي ويفضلون العودة إلى مدارسهم بالمغرب بدل انتظار غيث المؤسسة الذي لا يأتي. ترى هل تعيش مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أزمة مالية؟؟ أم سوء تدبير مالي؟؟