أعلنت وزارة الخارجية السعودية أن الرئيس الصيني سوف يقوم بزيارة رسمية للمملكة، بدءا من الأربعاء إلى يوم الجمعة المقبل. وتشمل الزيارة عقد ثلاث قمم: قمة سعودية – صينية، وقمة خليجية – صينية، وقمة عربية – صينية. يستدعي هذا الحدث من "منظور عربي" تعليقا سريعا؛ ذلك أننا بدأنا نلاحظ، منذ حوالي عقدين من الزمن، كيف أن التطورات الجارية في العالم اتجهت إلى رسم الملامح التالية: تحوُّل الصين تدريجيا إلى دولة عالمية، نظرا لامتلاكها أضخم شبكة إنتاج للسلع وأفضل سلاسل توريد في العالم. تحوُّل الدول الغربية، المستعمِر القديم، تدريجيا، ويا للمفارقة!، إلى سوق استهلاكية للسلع الصينية. تصَوّر "الغرب" أن يذهب هو إلى الغير، لا أن يأتي إليه هذا الغير. اعتقدَ أنه سيحتفظ بالتفوق الذي حصل عليه مند ثلاثة قرون. ولذلك، فرض باستماته تحرير التجارة الدولية على العالم، ظنا منه أنه كسب المعركة النهائية، وأنه سيتحكم، بواسطة العولمة، في مصائر كل شعوب الأرض. لم يتوقع يوما أن تغزوه البضائع الصينية، بل والأموال العربية أيضا، إضافة إلى اليد العاملة الإفريقية. هكذا، شاهدنا، إذن، كيف تحولت "نهاية التاريخ" مع "فوكوياما" إلى "صدام الحضارات" مع "هنتنجتون"! . لكن هذا التقدم الصيني لم يعر اهتماما لكل هذه الاطروحات؛ بل استمر في تقدمه الصاعد والمدروس إلى أن وضع يده، شيئا فشيئا، على المصادر العربية للطاقة، فتحولت الصين إلى المشتري الأكبر للنفط السعودي، ثم بدأت تخطط لنقل مجمل علاقاتها العربية، وخاصة الخليجية، إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية". وهكذا، شاهدنا مشروع "الخزان الاستراتيجي"، فائق الضخامة، الذي يضمن إمدادات المياه لقطر بأكملها، ومشروع "بئر المياه" الذي يساعد مصر في تحويل الصحراء المصرية إلى حقول خصبة، وأخيرا "واحة الأمل" في الصحراء الكبرى لموريتانيا... كل ذلك يتم بهدوء دون أن تطمح إلى أبعد من ذلك، أي أن تبقى هذه الشراكات غير مشروطة بأن تحل مكان الأمريكيين في التحكم في "السياسات العربية"؛ لكن التحدي الذي كان مطروحا ومنتظرا هو أن يتجرأ العرب، وخاصة السعودية، على معاملة الصين ك"شريك استراتيجي".. وهذا ما بدت ملامحه تظهر مع التحولات العالمية، المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، والتي نمّت رغبة سعودية في تموضع جديد ترجمتها من خلال عدة مواقف كقرار "أوبك بلاس" مثلا في خفض إنتاج النفط، الذي أدى إلى تأزم العلاقات الأمريكية السعودية، بل الأكثر من هذا الطلب السعودي للانضمام إلى منظمة "شنغهاي" ومجموعة "بريكس". في هذا السياق، إذن، يمكن اعتبار اللقاء "الصيني-العربي -الخليجي -السعودي" لقاء تاريخيا؛ لأنه يعطي الانطباع أن هناك شعورا "عربيا-خليجيا- سعوديا" بأن العالم قد تغير، وأن أمريكا اليوم ليست هي أمريكا الأمس، وأن الصين اليوم ليست هي صين الأمس، وأن الجغرافيا والمصالح تقول إن الصين جار أقرب، وأنه آن الأوان لكي يرسم العرب سياساتهم وفقا لمصالحهم. وهذا في حد ذاته تحول مهم إذا استمر فهو أكبر بكثير من مجرد "ضيافة" عربية للصين..