تجتهد وزارة الداخلية، خلال هذه الآونة، بالقدر الذي تستطيعه، وبشكل مُبكر "مفهوم" لحث الناس على التسجيل في اللوائح الانتخابية، لاقتراع مُستهل الصيف القادم، ويجب القول أن الوزارة المذكورة، تفعل ذلك بنوع من الدقة والذكاء، ينتزعان منك، رغم تفاهة الموقف، ابتسامة استحسان، فيكفي الاطلاع على الوصلات الإشهارية، في قناتي الدولة التلفزيتين، لينتبه المتلقي، إلى بعض المحاسن التواصلية، واستخداماتها التقنية الجيدة، فلم يعد مثلا صعبا، معرفة ما إذا كان المرء من بيننا، مُسجلا في اللوائح الانتخابية، أم لا، إذ تكفيه، بضع نقرات على روابط الموقع الإلكتروني، المُستحدث بالمناسبة، ليحصل على الجواب، وبذلك، فإنه لم يتبق بطبيعة الحال، سوى دعوة الناس، إلى التصويت عبر بعث "إيمايل" أو "إيس إي ميس" ليكتمل "خير" وزارة شكيب بنموسى، فنحصل على انتخابات "ساهلة ماهلة" لم يسبقنا إليها من قبل، أحد من العالمين. "" في المقهى الذي ارتاده، علق مقدم الحي، ورقة بيضاء، مكتوب عليها بالبنط العريض الأسود: "التسجيل في اللوائح الانتخابية حق وواجب وطني" وهي نبرة تعبئة، كما ترون، تلتقي تماما، مع نداءات التجييش التي كانت تلجأ إليها، وما زالت، المجتمعات، التي تدخل في حروب عادلة، أو ظالمة، لحث مواطنيها، على المُشاركة في "دحر العدو" باعتبار ذلك "واجبا وطنيا". ولِلْغرابة فإن رواد كل المقاهي، حيثُ تكفَّل أعوان وزارة الداخلية المحليين، بتعليق اللافتة "التحفيزية" إياها، لا يلتفتون إلى الخطاب التعبوي البارز، مُفضلين تعليق أبصارهم، وأفئدتهم، حيث تدور مباراة "حامية الوطيس" بتعبير معلقي التلفزيون القُدامى، بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة، أو أية مباراة أخرى أهم، أو أقل أهمية، عبر العالم، و... لتذهب أنت أيها المقدم والقائد والباشا... وسائر جيوش وزارة الداخلية، ومعكم الوزير شكيب بنموسى، "لتُقاتلوا" إنَّا ها هنا قاعدون، و... "الله الوطن.. البارصا" كما كتب أحد الشباب، في سبورة قاعة الدرس، قبل بضعة أشهر، مما كلفه مُتابعة قضائية، ألحقته بزمرة مَن يُمكن تلقيبهم ب "مُعارضي الملك بالصدفة". لنتأمل تفاصيل هذه "النكتة" الواقعية: وزارة داخلية تتوفر على إمكانيات مادية وبشرية هائلة، تستثمرها جيدا، في محاولة، يائسة، لإنجاح المحطة الانتخابية الجماعية المُقبلة، وهاجسها المُخيف، عزوف شبه تام، يلتحق بنظيره، المُسجل، في الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007، وفي نفس الوقت، تقترح على المُصوتين المُحتملين، مشهدا حزبيا، يُشبه أكداس خردات، أحد الأسواق الأسبوعية الرثة، حيث كلُّ واحد يُنادي على بضاعة حزبية، تشبه ما لدى الآخرين، و"خير" مُناد في "السوق" ليس سوى الأمين العام لحزب الاستقلال "عباس الفاسي" الذي قال مزهوا، بعد تعيينه منذ نحو سنتين وزيرا أول، ما يُفيد نصف قول أحد كبار المُتصوفة: "ليس في الجبة إلاَّ.. الملك". وذلك حين كان بصدد الرد على سؤال، حول البرنامج الحكومي، الذي سيطبقه، قال عباس: "سأطبق توجيهات صاحب الجلالة". "طيب.." سيرد أحد مشجعي فريق برشلونة لكرة القدم "ما الجديد إذن، فالملك موجود دائما؟ رجاء لا تُفسِدوا علينا فضاء مقاهينا، حيث نجد دائما الجديد، في مباريات فريقنا المحبوب". النكتة لم تنته، فالدولة المخزنية، عملت كل ما في وسعها، طوال ما يقرب من أربعة عقود، لتتوفر على المشهد الحزبي "الخردوي" - نسبة إلى الخردة - الحالي، وفي نفس الوقت خصَّت أجهزة الدولة التنفيذية، بأفضل الموارد البشرية والمادية، لتنظيم انتخابات، تُفرز دائما نتائج تلخص نصف عبارة الصوفي المذكورة قبل قليل، وعندما فهم الناس "اللعبة" تركوا العمل السياسي، لشرذمة مُنتفعين، ولبعض ضِعاف الحال، الباحثين في سوق خردة الأحزاب، عن لقمة عيش سهلة، لذلك تناسلت الأحزاب، حتى فاق عددها ما يوجد في بلدان، عدد سكانها يزيد عن مليار، كما في الصين أوالهند. والسبب واضح، فالمتحزبون وأغلب "المصوتين" عندنا، يبحثون في القُمامة الحزبية، عن شيء صالح للأكل، وحينما يستعصي عليهم ذلك، لكثرة المُتزاحمين ( مقابل قلة المُصوتين في الانتخابات) يجتمع بضع عشرات منهم، لخلق حزيب جديد، وهكذا إلى أن يرث الله، أو الطوفان، الأرض ومن عليها. فيا معشر الناس إن المخزن يقول لكم: "هلموا.. هلموا إلى انتخابات (ساهلة ماهلة)".. فبماذا تردون؟