لا شك في أن بطولة كأس العالم هذا العام في قطر تزخر بالإثارة والمتعة، وسواء كنت من مشجعي كرة القدم أو لا، فأنت تشعر بالقطع بالحماسة وأنت ترى منتخب بلادك يتقدم في التصفيات وصولا إلى الأدوار النهائية، أو ينتابك شعور بالحسرة عندما ترى فريقك المفضل يخرج من المونديال إثر هزيمة مفاجأة في اللحظات الأخيرة من المباراة أو حتى بفارق الأهداف بفعل حسابات المكسب والخسارة في ختام أدوار المجموعات. وعلى الرغم من أن السفر آلاف الأميال لمشاهدة مباريات المونديال من المدرجات مسألة بالغة الصعوبة بالنسبة للغالبية العظمى من البشر، فإن خبراء طب النفس يؤكدون أن هناك أسبابا علمية جيدة تدعوك إلى مشاهدة مباريات كأس العالم على شاشات التلفزيون، بل ويسردون العديد من الفوائد الصحية التي تنجم عن تشجيع فريقك المفضل في البطولة. كاري ويلاند، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة تولان في ولاية نيو أورليانز الأمريكية، قالت إن البشر بطبعهم كائنات اجتماعية، وبطولة كأس العالم هي فرصة رائعة للتواصل مع الآخرين وإيجاد أرضية اجتماعية مشتركة. وأوضحت ويلاند، في تصريحات للموقع الإلكتروني "بوبيولار ساينس" الأمريكي المتخصص في الأبحاث العلمية، أن تشجيع منتخب كرة قدم يجعلك تشعر بالارتباط بشيء أكبر منك، كما يخلق لدى الإنسان شعورا بالهوية. وأشارت خبيرة طب النفس إلى أهمية الفرح الجماعي الذي يشعر به الإنسان أثناء مشاهدة مباريات كأس العالم سواء مع أفراد العائلة أو حتى برفقة أشخاص غرباء في مكان عام مثل المقهى أو غيرها، لاسيما إذا ما سجل الفريق الذي تشجعه هدفا أو أكثر خلال المباراة، لافتة إلى أنه "عندما تتشارك في هذه الانفعالات الإيجابية مع آخرين، فإن ذلك يؤدي إلى تعزيز هذه المشاعر الجماعية وخوض تجربة انفعالية أفضل"؛ بل إن مشاهدة لحظات الهزيمة تعتبر أيضا تجربة جماعية تعزز الروابط الاجتماعية مع الآخرين، على حد قول ويلاند، التي سجلت أن الصلات الاجتماعية تتوطد كذلك أثناء التعليق على المباراة بعد انتهائها على مواقع التواصل الاجتماعي وتحليل الأسباب التي أدت إلى الهزيمة. وخلصت دراسة نشرتها الدورية العلمية "كوميونيكشن أند سبورت" المتخصصة في طب النفس الرياضي عام 2019 إلى أن تشجيع الفرق الرياضية الفائزة يرفع من درجة احترام أو تقدير الذات للمشجعين لمدة يومين بعد المباراة، وعلى الرغم من أن هذه المعلومة تحتاج إلى مزيد من التوثيق العلمي، فإن ويلاند أكدت وجود مفهوم في طب النفس يسمى "الانغماس في المجد الناجم عن انجازات الآخرين"، ويقصد به أن "يرتبط شخص ما بانتصار غيره على اعتبار أنهما ينتميان إلى نفس المجموعة"، مبرزة أن الاستغراق في التشجيع يجعل الجمهور يشعر كما لو كان جزءا من الفريق ومشاركا في الفوز. وتسرى هذه القاعدة على حد قولها على جماهير الفرق الموسيقية أو أنصار الأحزاب السياسية أو مشجعي الفرق الرياضية، حيث يشعرون بأن تشجيعهم ساعد في انتصار الفريق الذي يناصرونه. وقالت ويلاند إن تشجيع الفرق في مباريات كأس العالم يطيل العمر، ولكن ذلك يتوقف على طريقتك في التشجيع سواء كنت تجلس على الأريكة طوال المباراة وأنت تحدق في الشاشة أمامك، أو لأنك تتقافز وتتفاعل حركيا مع كل فرصة أو هجوم خلال المباراة. وأوضحت أنه بالرغم من أن هذا النوع من التشجيع الحماسي لا يرقى إلى حد ممارسة التدريبات البدنية، فإن هذه الحركات الصغيرة تجعل الجسم في حالة حركة مستمرة وتجدد نشاطه. كما أن التواصل الاجتماعي في حد ذاته له تأثير إيجابي على إطالة عمر الإنسان، فالعلاقات الاجتماعية والشعور بالانتماء أثناء مشاهدة الفعاليات الراضية يقترن بتحسن الصحة البدنية والنفسية، ويرتبط مشاهدة المباريات الرياضية بتخفيف أعراض الاكتئاب التي أثبتت بعض الدراسات أنها تقلل عمر الإنسان بواقع 10 أعوام إلى 12 عاما في المتوسط. وبالتالي، فعندما تحصل على الدعم الاجتماعي النابع من تشجيع مباريات المونديال، فهناك دلائل علمية على أنك تقلل مخاطر الوفاة المبكرة. ويرى باحثون أن الانغماس في متابعة مباريات كأس العالم يساعد في تخفيف التوتر وصرف الذهن مؤقتا عن متاعب الحياة اليومية. وقال إيريك زيلمر، أخصائي طب النفس العصبي بجامعة دريكسل بولاية فيلادلفيا الأمريكية، إن "مشاهدة الفرق التي تحتفل بالفوز في كأس العالم قد يكن ملاذا مؤقتا من الواقع"، مشيرا إلى أن لعبة رياضية مثل كرة القدم لها قواعد وقوانين منظمة قد يكون لها تأثير علاجي لمن يشكون من تقلبات الحياة ومتغيراتها. وأفاد زيملر، في تصريحات لموقع "بوبيولار ساينس"، بأن "الرياضة تجعلنا نشعر بأننا على قيد الحياة، وهي أيضا عنصر محفز كي نجد في أنفسنا صفات لا نراها"، بمعنى أن الرياضة تتعلق أساسا بالتغلب على العقبات، وإذا كان ذلك ممكنا في عالم الرياضة، فمن الممكن أن يتحقق في الواقع. وسجلت ويلاند أن مباريات كأس العالم قد تكون أيضا حافزا لدى البعض لممارسة الرياضة، وقد تلهم الأطفال الصغار من أجل الاشتراك في رياضات معينة من منطلق الاعجاب ببعض نجوم كرة القدم مثل ليونيل ميسي أو كيليان مبابي. ونصح زيلمر بالاستفادة من مباريات المونديال كعامل محفز أو كمكافأة للقيام ببعض الأنشطة الثقيلة على النفس، فإذا لم تكن تحب ممارسة التريض على سبيل المثال رغم أهميته للصحة، فيمكنك أن تعتبر في قرارة نفسك أن مشاهدة المباراة المقبلة لفريقك المفضل في المونديال هي مكافأة لنفسك في حالة إذا ما خرجت للتريض.