إن الهوة التي تفصل دول العالم المتقدم عن دول العالم الثالث لا تقف في حدود الاقتصاد أو التقدم التكنلوجي أو الديمقراطية و حقوق الإنسان أو التعليم أو حتى القوة العسكرية، بل تشمل هذه الحفرة كذلك فرق حتى في الميدان الإعلامي. "" حيث أنه يكفي أن نخصص وقت جد يسير لمشاهدة القنوات الإعلامية الغربية و ما يسمى ب "القنوات العربية" حتى يتجلى لنا بكل وضوح مدى تخلف إعلامنا و معه تخلفنا عن الركب الدولي الذي لا يومن بالتساوي أو العواطف. بالمقابل من حيث الميزانيات المُخصصة للإعلام، بالعالمين الأول المتقدم و الثالث المتأخر نلاحظ أنه ليس هناك فرق كبير، بل حتى من حيث عدد القنوات فهناك تقارب أو شبه تفوق عربي على الغرب. لكن إن نحن أمعنا النظر في المضمون سنجد أن أكثر من 70% من المواد الإعلامية التي تملأ القنوات العربية فهي مُستوردة من الغرب، عِلما أن هذه المواد تُعتبر عند أصحابها برامج إمتاعية غير ذات أهمية، بل تُنتج فقط لملأ الأوقات الشاغرة في البث التلفزي.. هناك بعض القنوات الغربية و التي بكل ذكاء تستغل غباء زبائنها في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية، فتعمد إلى تخصيص برنامج أو حلقة من برنامج أو حتى تقوم بذكر إسم دولة عربية في أحد برامجها حتى تُسارع الدولة المذكورة إلى اقتناء هذا البرنامج و بثه في أنسب وقت من البث التلفزي. فمثلاً في إحدى البرامج الفرنسية المعروفة، برنامج يبحث في شؤون أغنياء العالم و يعطي حقائق مثيرة تتعلق بحياتهم ومقدار ثرواتهم. خُصصت حلقة كاملة من هذا البرنامج للحديث عن "الأمير بن طلال" أحد أغنى أغنياء العالم. رغم أنه ليس لهذا البرنامج أهداف تثقيفية أو إمتاعية، عدى إجباره للمُشاهد على الانسلاخ من رتابة وتعاسة حياته المعيشة ليسبح في بحار من الأحلام الواهية، مع ذلك قامت أغلب القنوات العربية بشراء هذه الحلقة، بل جميع حلقات هذا البرنامج الوثائقي. وحتى قناتنا "الوطنية" الثانية (تبعت جيلالة بنافخ) واقتنت الحلقة وخصصت لها أُمسية خاصة لبثها، كما لو أن "بن طلال" هذا يَقْرَب لنا في شيء. هناك في خزانة القنات الثانية وفرة من حيث البرامج الأقرب لنا من "الملياردير السعودي". من البرامج التي جادت بها قريحة وإبداعية القناة الثانية برنامج (أنغام الأطلس) و برنامج (أهل المغنى) و برنامج (السهرة لكم) "لا نعرف هل السهرة لهم أم لنا". بالله عليكم هل هذه البرامج، عفوا السهرات تفيدنا في شيء؟ و هل كل ما ينقصنا في الوقت الحالي غير "الشطيح و الرديح"؟ لنكون منصفين لا بد أن نُقِر أن أحد أهم البرامج في تاريخ القناة التي بالمناسبة دخلت عقدها الثاني هو برنامج (استديو دوزيم)، هذا البرنامج الحدث الذي يشد أنظار المغاربة له، رغم أن وقت بثه هو وقت صيفي حيث "التخيام و التصياف و التبحار و التزاوج و فَكَانْصْ". لكن سبب ارتفاع نسبة المشاهدة لا ترجع إلى فكرته "النادرة" أو تنظيمه "المُحكَم"، و إنما يرجع ذلك إلى فضول المُشاهد لرؤية بانوراما النجوم التي وجه البرنامج لها الدعوة. إن الطريقة التي تسلكها القناة لدعوة النجوم إلى حلقاتها جد بليدة، حيث تستغل وجود هؤلاء النجوم بالمغرب الذين يأتون لإحياء حفلات ببعض الفنادق المُحرمة على عامة الشعب، أو لإحياء بعض الحفلات الخاصة داخل قصور بعض أغنياء المغرب "اللهم لا حسد"، لتنقَضَّ عليهم القناة و تنزل عليهم بدعوة خاصة للبرنامج مقابل مبالغ مُقتطعَة من جيوبنا قَسْراً. لكن بالمقابل يكون هؤلاء النجوم مُلزَمين على التفاعل مع جمهور (استديو دوزيم) من المراهقين والمراهقات، و مع منشطي البرنامج "التقال على القلب". كما تُلزم القناة على ضيوفها تسجيل جملة (عيد مبارك سعيد) لتُخرجها أثناء شهر رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى و رأس السنة الميلادية والهجرية...لتبارك لنا هذه النجوم كل الأعياد بنفس الجملة و نفس اللباس و نفس "الكمّارة". "الله يلعن اللي ما يحشم". لعلم أصحاب القناة و أفكارها النيرة، إن النجوم التي تستضيفهم ببرامجها، لهم مدة صلاحية قصيرة جداً، فكيف تبقيها داخل مخازنها رغم أنها "عطاة ريحتها". من هذا كله نستخلص فكرة أن القيمين على القناة يعتقدون أن المشاهد المغربي أكثر غباءاً منهم، بل متأكدين من ذلك بدليل أنهم لازالوا يتمادون في استغبائه. لكن ما يجهلونه فعلاً هو أن من يشاهدونهم من المغاربة قليلون جدا بل يكادون ينعدمون. قامت مؤخرا وزارة الثقافة الفرنسية بمبادرة جد مهمة، و هي عملية تنقيط تستهدف كل البرامج الموجَهة للمواطن الفرنسي، حيث يعتمد التنقيط على عدة معايير، أهمها المعيار الثقافي. حيث انطلاقا من عملية التنقيط تصنف الوزارة البرامج الفرنسية من الأقل إلى الأكثر تثقيفا للمشاهد الفرنسي، و في نهاية العملية تقدم تحفيزات معنوية و مادية مهمة لأصحاب البرامج المتقدمة في الترتيب للمضي قدما في توجهها هذا. وهذا كله لمصلحة المشاهد طبعا. فهل يمكن لوزارة الثقافة خاصتنا أن تأتينا بمبادرات من هذا النوع؟ قطعا لا. لأن السيدة قريطيف هي وزيرة الثقافة بالتالي تصدق هنا مقولة: فاقد الشيء لا يعطيه. إذا كان بالإمكان لوزارة الثقافة الفرنسية أن تقيِّم البرامج المُقَدَمة إلينا من طرف قناتينا، فما لا شك فيه أن جميع البرامج، أو على الأقل أغلبها ستظفر بجائزة "البرامج الأكثر تكليخاً للمشاهد".