عبد الرزاق طريبق افتتحت الجمعة في بكين "قمة الإعلام .. التعاون والعمل والربح المشترك", بطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة وسائل الإعلام التقليدية, وبالخصوص وكالات الأنباء على البقاء والتطور, فهي التي كانت بالأمس المزود الرئيسي لسيالة الإعلام العالمية, تواجه حاليا منافسة غير طبيعية في عالم التكنلوجيا فائقة السرعة. وفرض هذا التساؤل نفسه بحدة على أشغال المؤتمر, وتحدث البعض عن كون العالم يسير منذ فترة بخطى سريعة أكثر فأكثر نحو المجالات الرقمية ومتعددة الوسائط, التي أصبحت تشكل الفضاء الحياتي بفعل ثورة الأنترنيت ووسائل الإتصال الجديدة, كما أن متطلبات الجمهور المتلقي للإعلام, عرفت تحولات عما كانت في السابق, فأصبح المتلقي بدوره صحافيا له مدونته, وفي الحال المخالف بإمكانه المساهمة برأيه وفرضه على منتجي الأخبار التقليديين. وقال طوماس كيرلي رئيس وكالة الأسوشييتد بريس أن أكبر تحد أمام مؤسسات الإعلام التقليدية راهنا, هو "أن المستهلك القارئ أو المشاهد بإمكانه الآن الكتابة والنشر والإنتاج, إنه لم يعد ينتظر أناسا من أمثالنا للحصول على مضمون إعلامي يتلقاه ويتفاعل معه, لقد أصبح هؤلاء الذين كانوا بالأمس زبناء وجمهورا لوسائل الإعلام التقليدية منتجين للأخبار وصحافيين". وأضاف أن التحدي الثاني هو مدى قدرة "وسائل الإعلام التقليدية على التحكم في سيالتها الإعلامية ضمن هذا المجال الجديد, حيث توجد أعداد لا تحصى من الأشخاص الذين بامكانهم الوصول الى المادة الإعلامية للصحافي على الرغم من أنهم لم يبذلوا أي جهد, ولم يركبوا أي أخطار في البحث والتدقيق والتقصي وإنتاج المضمون, ويقومون بنشرها بانفسهم". أما التحدي الثالث, يضيف كيرلي, فهو كيف يمكن لوسائل الإعلام التقليدية بمختلفها أن تحصل على المداخيل ضمن هذا المجال الجديد, وهو الأمر المطروح بالنسبة لكل وسائل الإعلام. وتطرق لتجربة وكالته وقال بالنسبة إلينا في الأسوشيتيد بريس, أدركنا أنه يجب علينا التحكم في مضموننا الإعلامي, وخلال السنوات الأخيرة أنفقنا أكثر من 60 مليون دولار في المجال التكنلوجي, إننا حاليا بصدد مراقبة مضمون مسار تنقل قصاصاتنا الإخبارية, وإقامة قواعد وبرتكولات يمكن بموجبها للأفراد أو الصحافيين الجدد استعمال أو عدم استعمال هذا المضمون. وحول التحولات التي تعرفها مهن الصحافة مع وصول هذا الوافد الجديد المتشكل بواسطة الأنترنيت, قال إذا كان هناك خطأ ارتكبناه نحو وسائل الإعلام التقليدية في بداية عصر الانترنيت, فليس هو وضع مضموننا الإعلامي على الشبكة مجانا كما قد يزعم البعض, ولكن هو عدم ابتكارنا لمضامين متنوعة ومتعددة تواكب التطور التكنلوجي. وقال لقد ظللنا ننتج مضمونا واحدا ونسمح له بالانتشار في جميع الأرجاء يستغله الكل ليصبح ناشرا وصحافيا, والآن هذا المنحى تغير عبر العالم وأصبحت مختلف وسائل الإعلام التقليدية, تتوجه نحو خلق مضامين متنوعة لمواكبة التحولات السريعة في المجال ومواجهة تحديات البقاء. هذه التحولات, يقول تاسوشي إيشيكاوا رئيس وكالة كيودو للأنباء اليابانية, إنها فرضت على وكالته إحداث تحولات عميقة في هيكلتها الداخلية, ففي مارس الماضي وضعت الوكالة مخططا على مدى ثلاث سنوات, يركز على تقوية الشق السمعي البصري والمضامين الأخرى المرتبطة بالوسائط المتعددة, ومنذ السنة الماضية كان كل مراسلي كيودو في الميدان قد جهزوا بكاميرات تليفزيونية تمكنهم من نقل الأخبار التي تقع حولهم. أما دافيد شيليسينجر رئيس تحرير وكالة رويترز, فيرى أن وسائل الإعلام التي تعتبر نفسها تقليدية تواجه تحديات نوعية في أنماط تعاملاتها وفي طرق وعادات زبنائها, سواء تعلق الأمر بالقراءة أو المشاهدة أو الاستماع, مشيرا الى أنه على كل وسائل الإعلام, إذا ما أرادت البقاء والتطور, أن تحافظ على معايير عالية من الاحترافية في العمل الصحافي وأحدث الوسائل التكنلوجية ثم تقنيات مبتكرة في العمل أما لي تسونغ جون رئيس وكالة أنباء شينخوا, فاعتبر أن "نمط الإعلام العالمى يمر بإصلاحات غير مسبوقة. وفرض التنوع المتزايد لمطالب الجمهور تحديات لا نظير لها, وكذا فرصا تحققت بصعوبة في قطاع الإعلام". وأضاف أن وسائل الإعلام الجديدة اليسيرة الولوج بالنسبة للمتلقين, غيرت أيضا موقف المتلقين من الإعلام, فطرق تلقي الجمهور وتفاعله مع الإعلام تغيرت من جمهور سلبي متلقي فقط الى مشارك وفعال في سيالة الإعلام. وتطرق الى التحولات التي أحدثتها شينخوا لمواكبة التحولات الإعلامية الراهنة, وقال "أخشى أن يساء الفهم عندما تشير الى ان وكالة انباء شينخوا مؤسسة اعلامية تقليدية", لقد اصبحت شينخوا تزود المشتركين بالاخبار ومنتجات المعلومات المالية في شكل نصوص وصور ورسوم بيانية ومواد مسموعة ومرئية, ورسائل نصية عبر التليفون المحمول, على مدى 24 ساعة فى اليوم. وأضاف أنه في إطار خطواتها التوسعية الاخيرة, أطلقت شينخوا خدمة الفيديو الإخبارية, وخدمة الاخبار التليفزيونية باللغة الانجليزية ومحطة تلفزيونية عبر الهاتف المحمول, ومكتبا للاخبار متعدد الوسائط. وقال إن وسائل الإعلام التقليدية تواجه فرصا لا مثيل لها, بحيث أن طفرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قدمت فرصا لوسائل الإعلام التقليدية لتحسين عملها الحالي, واستكشاف مجالات جديدة للعمل, وتوسيع جمهورها وسوقها. يذكر أن هذه القمة تنظم من طرف وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا وثمان مؤسسات إعلامية كبرى هي أسوشيتد برس, ورويترز, وإيتار تاس, وكيودو نيوز, وبي بي سي, وشبكة تايم وارنرز للإعلام, وشركة غوغل. وستبحث القمة بالخصوص اكتشاف سبل بقاء وتطوير صناعة الإعلام على الصعيد العالمي, ومختلف التحديات المطروحة بإلحاح في ظل التقدم التكنلوجي فائق السرعة الذي يعرفه الميدان. ومن بين القضايا التي ستبحثها القمة, كيفية تخطي الحواجز التي تفصل بين وكالات الأنباء والصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والإعلام الالكتروني, وتحقيق التكامل بين وسائل الإعلام التقليدية والناشئة, وبناء منبر للتبادلات والتعاون بين المؤسسات الإعلامية العالمية. وتشارك في القمة 135 مؤسسة إعلامية من 70 دولة, من بينها وكالة المغرب العربي للأنباء. وافتتح القمة الرئيس الصيني هو جين تاو الذي اكد في خطاب أن حكومته "ستحمي الحقوق المشروعة ومصالح وسائل الاعلام الأجنبية, وتواصل تيسير عمل المراسلين الأجانب في الصين حسب القانون". وقال "سنواصل جعل الشؤون الحكومية علنية وتعزيز نشر المعلومات وحماية الحقوق المشروعة ومصالح المؤسسات الاعلامية والمراسلين الأجانب, وتيسير التغطية الاعلامية الأجنبية في الصين تماشيا مع القوانين واللوائح الصينية". وناشد الرئيس الصيني وسائل الاعلام العالمية التمسك بالمسؤوليات الاجتماعية لتعزيز التواصل الواقعي والصحيح والشامل والموضوعي, وقال "نرى في هذا الأيام التأثير القوي لوسائل الاعلام على السياسات الدولية والاقتصاد والمجتمع والثقافة. كما نري التأثير المتنامي لوسائل الاعلام على تفكير الناس وعملها وحياتها".وقال ولهذا السبب فقط فمن المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن ترسخ وتتمسك وسائل الاعلام بالمسؤوليات الاجتماعية.