وقعت الفصائل الفلسطينية، أمس الخميس، على وثيقة أطلق عليها اسم "إعلان الجزائر"، برعاية من قصر المرادية، حيث تلتزم بموجبها الفصائل المتنازعة منذ 15 سنة بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون سنة، من أجل إنهاء الانشقاق الذي مزق صفوفها طيلة عقود. وعمد الإعلام الجزائري إلى تقديم "الاتفاق" الذي تم توقيعه بين مختلف الفصائل الفلسطينية تحت رعايتها كأنه اتفاق غير مسبوق في تاريخ الصراع الداخلي الفلسطيني-الفلسطيني، الذي أدى إلى انقسام سياسي وطني حاد، وصل إلى حد رفع السلاح لحسم الصراع على السلطة، ما أدى إلى سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، مع كل ما يعنيه ذلك من امتدادات إقليمية لهذا الانقسام، تصل إلى إيران وحزب الله. تكرار المواقف العربية نوفل البعمري، خبير قانوني في العلاقات الدولية، قال إن "هذا الاتفاق الذي يتم الاحتفاء به كإنجاز غير مسبوق، بالعودة إليه بالملاحظة، سيتبين أن بين ثناياه ما يمكن أن يثير عدة ملاحظات جوهرية تتعلق بألغام حقيقية وضعها النظام في وجه السلطة الفلسطينية أساسا، ومنظمة التحرير الفلسطينية ثانياً"، مؤكدا أن "كلمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كشفت عن موقف بلاده الحقيقي مما يجري داخل فلسطين في العلاقة مع إسرائيل". وأضاف البعمري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "تبون كان يتمنى أن يرى قيام دولة فلسطين المستقلة كاملة الأركان في حدود عام 67 وعاصمتها القدس، وهو الموقف نفسه الذي ظلت العديد من الدول العربية تعلن عنه وتشتغل وفقه مع مختلف أطراف الصراع، بما فيها الطرف الإسرائيلي لإلزامه بالدخول في مفاوضات تفضي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 67 المعترف بها أمميا". وواصل الخبير عينه: "لقد كان النظام الجزائري سابقاً يدعي من بين ما كان يدعيه أنه ضد هذا الحل، وأن الأمر يتعلق بخيانة للقضية الفلسطينية، ليأتي هذا الاتفاق ويكشف عن موقفه الحقيقي تجاه القضية ككل، في رسالة إيجابية مبطنة للداخل الإسرائيلي، وهو موقف يتقاطع مع مواقف باقي الدول العربية التي ظل يهاجمها الإعلام الجزائري بدعوى أنها تخلت عن القضية الفلسطينية". واستطرد البعمري، ضمن إفادته، بأن "الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، هو يعلن في كلمته عن رغبته في قيام دولة فلسطينية على حدود 67، يعيد تكرار مواقف لا تختلف عما ظلت مختلف الدول العربية تعلنه، بما فيها تلك التي يتهمها النظام الجزائري بالتطبيع مع إسرائيل!". خدمة الأجندة الإيرانية وبخصوص نص الاتفاق الموقع، أوضح نوفل البعمري أن "الأمر يتعلق بتحقيق أهداف مخطط تاريخي للمحور الذي تصطف فيه الجزائر إقليميا، مخطط هدم منظمة التحرير الفلسطينية، وممثل الشعب الفلسطيني الوحيد والشرعي؛ فرغم أن ديباجة الاتفاق تنص على احترام هذا الإطار بلغة إنشائية إلا أن الاتفاق يعود ليعلن عن اتخاذ إجراءات". وتابع المتحدث ذاته: "من بين تلك الإجراءات ما ورد في المادة الثامنة، حيث أعلن عن تفعيل آلية للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ومتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية؛ وهي آلية تثير الكثير من الاستغراب، فهي، بالإضافة إلى كونها لا شرعية مؤسساتية لها، آلية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو الخطير". وأردف الخبير: "النظام الجزائري لو كان فعلا يريد بناء دولة فلسطينية كما ادعى تبون لكان أكد على ثوابت الشعب الفلسطيني، ودفع بكل المبادرات التي تم الإعلان عنها في الاتفاق، بما فيها آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لتحتضنها منظمة التحرير الفلسطينية وتكون ضمنها، وهو بخطوته هاته يكون قد حقق رغبة تاريخية لدى تيار موجود بالمنطقة كان يرى في منظمة التحرير إطارا معيقا لمخططاته الإقليمية بالشرق الأوسط بشكل خاص، منها السيطرة على السلطة الفلسطينية وتحويلها لأداة سياسية في يده تصب في خدمة أجندته في صراعه ضد غالبية الدول العربية". واستطرد البعمري: "لقد فشل في هذا المسعى سابقاً بسبب التفاف الشعب الفلسطيني على ممثله الشرعي والوحيد، إلا أن الدولة الجزائرية بمسعاها هذا إلى خلق إطار جديد تحت مسمى 'آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية' تكون قد أحيت، بل حققت، واحدة من الأهداف التاريخية لهذه القوى، على رأسها الطرف الإيراني، في محو تاريخ الشعب الفلسطيني، وهدم مؤسساته وبناء مؤسسات بديلة بدون أي شرعية تاريخية، أو هوية مقاوماتية وكفاحية على أساء لحظة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية التي أدت إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية". تكريس الانقسام السياسي وفي قراءته للوثيقة، شدد البعمري على أن "نص الاتفاق بصيغته هاته يكون قد كرس الانقسام الحالي، وكرسه كأمر واقع سياسي ومؤسساتي، في حين أنه كان يجب أن ينص على حل المؤسسات التي أُنشئت في قطاع غزة وتوحيدها مع تلك الموجودة بالضفة الغربية، وجعلها تحت رعاية السلطة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، أما والحال هاته فالأمر يتعلق باعتراف وترسيم لحالة الانقسام التي توجد عليها السلطة الموزعة بين سلطة فلسطينية معترف بها تقودها منظمة التحرير الفلسطينية وأخرى موازية تحت سلطة تنظيم حركة حماس". واعتبر الخبير القانوني أن ذلك "ما يجعل من نص الاتفاق الذي يحمل في طياته كل أسباب الفشل في حد ذاته تكريسا لحالة الانقسام، بل واعترافا رسميا للمؤسسات التابعة لحركة حماس بقطاع غزة كمؤسسات رسمية ل'دولة' حماس"، لافتا إلى أن "أغلب الكلمات التي ألقيت بالمناسبة كانت مجاملاتية للنظام الجزائري، فالوثيقة المعلنة ليست بجديدة، بل غالبية ما تضمنته من نوايا ومبادئ سبق أن تم الاتفاق عليها في مبادرات عربية سابقة". "منذ سنة 2007 وحركتا فتح وحماس تعقدان عدة اتفاقيات برعاية عربية، منها مثلا اتفاق القاهرة 2011، غزة 2014 ثم القاهرة سنة 2017، وغيرها من المبادرات العربية، لكن كلها انتهت بالفشل بسبب الاختلاف حول النقطة الأساسية في موضوع الصراع الفلسطيني الداخلي/الداخلي، وهي مسألة حسم الشرعيات المؤسساتية، بشكل أساسي الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني"، يورد المصرح لهسبريس. اختراق إقليمي للوضع الفلسطيني وبالنسبة إلى نوفل البعمري فإن أطرافا إقليمية، خاصة إيران، ترفض بناء أي مشروعية تتأسس على منظمة التحرير الفلسطينية، لاسيما في مرحلة ما بعد محمود عباس"، وزاد: "يبدو أنه من خلال نص الاتفاق الموقع فقد استطاعت الجزائر الالتفاف على هذا الإطار الفلسطيني التاريخي، وحققت حلما إيرانيا ولبعض الدول الأخرى في المنطقة بالإقرار ببناء شرعيات أخرى، منها ما سمته مجلس الأمناء للفصائل الفلسطينية، ما يجعل من هذا الاتفاق اختراقاً إقليميا للوضع الفلسطيني تحت رعاية النظام الجزائري". وذكر البعمري بأن تلك النقطة "تنذر بفشل النظام الجزائري لرفض غالبية الشعب الفلسطيني والقيادات التاريخية بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، بالإضافة للأسرى الفلسطينيين، كل المحاولات لبناء مشروعيات جديدة على أنقاض مشروعية الشعب الفلسطيني، وممثله الوحيد والشرعي، منظمة التحرير الفلسطينية"، مبرزا أن "الاختلاف الجوهري بين حماس وفتح غير قائم على الانتخابات والمؤسسات المنتخبة الفلسطينية، بما فيها السلطة التشريعية، فهي تحصيل حاصل لأي اتفاق قد يُبرم، لكن الأمر يتجاوز كل هذه النقط الثانوية التي سبق أن تم الاتفاق حولها". ويرى المتحدث أن "الانقسام يتعلق بالمشروعيات المؤسساتية والتاريخية التي يتنازعان حولها، ففتح متشبثة بمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار شرعي ووحيد، وحماس تريد بناء إطار جديد تستمد مشروعيته منها، مع ما يعنيه امتداد هذا الطرح إقليميا"، مشيرا إلى أن "النظام الجزائري وجد مناسبة القمة العربية لإحراج الفصائل الفلسطينية لكي تمرره على شكل اتفاق في مضمونه لا يحمل أي إجراءات عملية، حقيقية، ملموسة تنهي حالة الانقسام بين فتح وحماس". وختم الخبير ذاته بالقول: "أعاد الاتفاق التذكير بمبادئ أولية سبق أن تم الاتفاق عليها سابقاً، لكنها أُجهضت بسبب التنازع حول المشروعيات، وتدخل قوى إقليمية لمنع أي حل يقوي من منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما حاول النظام الجزائري الالتفاف عليه بمحاولته التمهيد لإقبار منظمة التحرير الفلسطينية"، متسائلا: "هل ستقبل القيادة الفلسطينية وحركة فتح بمضمون هذا الاتفاق أم إنها ستعلن عن موقفها الحقيقي بعد انتهاء القمة العربية؟".