ما العمل؟ سؤال طرحه الكثيرون من أبناء المغرب والوطن العربي الإسلامي وهم لا يكادون يتحملون النظر إلى ما يجري من مجازر وحشية وقحة على يد المحتل الصهيوني بأسلحة أمريكية وتواطؤ عربي رسمي مفضوح.. "" البعض وقف منهزما وآثر الركون إلى الصمت والشعور بالإحباط والدونية لكونه عربيا أو أمازيغيا مسلما، والبعض الآخر، خرج في التظاهرات اليومية وهو لا يعلم تأثيرها وفي غالب الظن لا يعتقد في جدواها أصلا.. أما البعض الآخر فرأى أن الاحتجاج، ومتابعة ما يجري هو أضعف الإيمان.. والواقع أن هناك أشياء كثيرة بالإمكان عملها لإكرام الشهداء ودعم فلسطين كقضية مركزية للمواطن المغربي والعربي المسلم... أولا: يجب أن يكون الوفاء لدم الشهداء الأبرياء الذين تجاوز عددهم 1200 حتى اليوم 22 من العدوان، هو إعادة النظر في فلسطين كقضية مركزية.. عدوان المحتل لم يبدأ يوم 27 ديسمبر 2008، بل إنه بدأ منذ ما يقرب من ال 100 سنة، ومن هنا يجب أن نبدأ ولو باختصار الزمن والوقت.. المهم هو فهم القضية منذ بداية دخول الصهاينة المستوطنين "بسطاء أبرياء" مستغلين عدم تعصب المسلمين، ثم مرورا بتشكيل عصابات الإرهاب المدعومة من بريطانيا والأنظمة الرسمية المتخاذلة، فانتهاء بإعلان قيام دولة العدو عام 1948. لتبدأ بعدها مرحلة الحروب العربية النظامية والهزائم المتتالية أمام إسرائيل.. ثانيا: الاعتزاز بهذه المقاومة الرشيدة التي تبقى حماس وباقي الفصائل عنوانها الآن.. علينا أن نعلم أن المقاومة لم تتوقف يوما على أرض فلسطين، وقوافل الشهداء لم تبدأ مع الشيخ عز الدين القسام والحسيني وكل شريف فلسطيني، ولن تنتهي بالشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي والرنتيسي وعياش وشحادة وعماد عقل وكمال عدوان وأبو جهاد.. وهي لن تتوقف مع سعيد صيام ونزار ريان وكل طفل وامرأة وشيخ وشاب سقطوا خلال هذه الحرب الوحشية على غزة.. والثقة في المقاومة تنبني على أسس منطقية وليس عاطفية بالمرة، ومن يريد التأكد من ذلك فلينظر إلى ما يقوم به العدو الإسرائيلي من لهث وراء البيت الأبيض والأنظمة الرسمية المتخاذلة لمنع ما يسميه تهريب السلاح إلى غزة.. لو لم تكن المقاومة موجعة مؤلمة لما لهث كل اللهث وراء الخيانة الرسمية العربية والتواطؤ الأوروبي والتورط الأمريكي لإيقاف فصائل المقاومة.. و"الحبل ما يزال على الجرار" كما كان يردد الشهيد يحيى عياش دائما. ثالثا: لا بد من معرفة هذا العدو من الداخل.. للأسف الشديد أشك في وجود مفكر مغربي أو أستاذ للعلاقات الدولية على اطلاع دقيق بتفاصيل اشتغال وعمل وحياة إسرائيل من الداخل: أحزابا وجمعيات وقضاء وصحافة وفكرا وثقافة واقتصادا وتشريعا وفنا... إلخ. لا يمكن البتة الانتصار على عدو نجهله، وفي إمكان كل تلميذ أو طالب جامعي أو موظف أو مفكر أو مثقف أن يتابع جرائد إسرائيل على النت، وتتبع تفاصيل حياتها.. ومن خلال التجربة الشخصية، إسرائيل كيان ظاهره ديمقراطي قوي متفتح، لكن حقيقته أنه كيان عنصري يعادي حتى اليهود من المستويات الفقيرة، وضعيف لحد الاستئساد على الأطفال والعجزة والشيوخ والاعتماد شبه الكامل على أمريكا وعلى تواطؤ أنظمة رسمية عربية، ولو كان قويا لاستأسد على المقاومة وأنهى وجودها. وحياة عرب 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية مرغمين دليل فاضح على ديمقراطية إسرائيل وباختصار حياتهم تحت الاحتلال ذل في ذل في هوان.. وتتبع إسرائيل من الداخل يفضح حقيقة هذه الديمقراطية (وسنعود لهذه النقطة لاحقا بإذن الله) ! رابعا: حماسة الكثير منا تنخفض وقد تتلاشى مباشرة بعد انتهاء مجزرة هنا أو عدوان هناك، أو همجية إسرائيلية هنالك.. وبعد المأساة ينخرط البعض في الملهاة من جديد: سهرات وكرة وفن هابط إلخ. وليس المطلوب الزهد في مباهج الحياة الحلال، لكن المطلوب عدم التعامل مع القضية إما بنفسية المحبط المنهزم، أو سلوك العابث اللاهي.. على كل واحد منا البحث عن وسيلة لتذكر القضية دائما: إما بوضع صور لرموز فلسطين بالمنزل، أو حفظ أغاني فلسطين الرائعة الجميلة، أو الدعاء لأهل فلسطين على الأقل مرة يوميا مثلا.. أو المشاركة في جمعيات وطنية تدعم الكفاح الفلسطيني أو تنظم أنشطة تسلط الضوء على القضية بالمدارس والجامعات.. خامسا: الحذر من الملل والروتين الذي قد يصيب العلاقة مع فلسطين.. وابتداء لنتفق على أن الملل هو خاصية إنسانية بامتياز.. حتى إن الله تعالى يحكي عن أهل الجنة أنهم "كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها" (سورة البقرة).. أي أنهم "ملوا" أكل الثمرة نفسها وهذا يحدث في الجنة، قبل أن يعلموا أن المذاق يختلف كل مرة حتى وإن تشابه عليهم شكل الثمرة ! لذلك فإذا أصيب أحد منا بملل من القضية فعليه تذكر هذه الآية ومثيلاتها في كتاب الله، فلا يشعرن بالإحباط أحد، بل كل ما عليه أن يمنح نفسه راحة، ويحاول تجديد ارتباطه بفلسطين عبر أغنية مرة، وعبر مظاهرة مرة ثانية، وعبر كتاب مرة ثالثة، وعبر مشاهدة لوحة مرة رابعة، وعبر دعاء خالص مرة خامسة، وعبر تنظيم لقاء ثقافي أو فكري أو فني في المدرسة... سادسا: كشف حقيقة الأنظمة الرسمية المتخاذلة، والتي تحاول أن تنتزع من المقاومة ما لم تستطعه إسرائيل بهيلمانها كله.. مأساة فلسطين تاريخيا ساهمت فيها بشكل مباشر وغير مباشر أنظمة عربية (مصر والأردن بدرجة أولى).. وللأسف الشديد القاهرةوجدة الآن تتمان فصول المأساة.. النظام المصري الرسمي حطم ما تبقى من هيبة لمصر وقوتها الناعمة، وصنفها ضمن خط التآمر، ولا أحد يفهم لحد الآن لماذا لم يرد أحد رسميا على تصريحات رؤساء دول أوروبية كان آخرها ساركوزي أكدوا فيها أن مبارك طلب منهم إبلاغ إسرائيل الحرص على عدم خروج حماس منتصرة في الميدان.. وكما كانت مؤسفة تصريحات مبارك وهو يتحدث عن ضرورة إغلاق معبر رفح لأن غزة محتلة وإسرائيل من حقها الاطلاع على كل خارج وداخل من المعبر.. للأسف تصريح أصابني شخصيا بالأسى كونه يصدر من رئيس عربي، وسؤالي كان بسيطا وأنا أسمع لمبارك: طيب سيادة الرئيس أنتم تعترفون أنها أرض محتلة، فلماذا تحرصون على عدم حصول المقاومة على السلاح في غزة لتحريرها، وعلى الدواء والغذاء حتى، بل وأجهزة مخابراتكم تحطم ما حفره الغزاويون من أنفاق للبقاء على قيد الحياة.. ووزير خارجيتكم العجيب أبو الغيط تعهد بعد هدم الأنفاق بكسر رجل كل من يمر بالمعبر من مرضى وثكالى.. إن إسرائيل لا تلقي بالا لا إلى مصر ولا إلى غيرها من الأنظمة العربية، فهي تعلم حقيقتها كاملة، لذلك هي تذهب مباشرة إلى واشنطن للاتفاق معها على محاربة المقاومة، ثم يقوم البيت الأبيض بمهمته في تهيئة الأنظمة الرسمية للقبول ببنود ذلك الاتفاق تحت اسم "المشاركة في صنع السلام".. وأتذكر هنا وزير خارجيتنا السابق محمد بنعيسى وهو يتوجه إلى باريز لمقابلة الإرهابية تسيبي ليفني ليصرح بعدها أن هذه الخطوة "للمساهمة في إقرار السلام في الشرق الأوسط".... بدون تعليق. أما السعودية، فقد أظهرت للأسف الشديد سياسات لا توافق طموحات الأمة من محتضنة بيت الله الحرام، ولحد اليوم 22 من العدوان الإسرائيلي، ما نزال نسمع السيد وزير الخارجية سعود الفيصل يتحدث عن ضرورة الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ثان بوقف إطلاق النار، وبعدها ربما قرار ثالث ورابع، حتى تتوقف إسرائيل من تلقاء نفسها عن جرائمها.. وهنا يفرض ألف سؤال نفسه عن سبب هذه التوجه في السياسة السعودية، خاصة وأنه يأتي مباشرة بعد موقفها غير المفهوم من عدوان إسرائيل على لبنان في يوليوز 2006، وحرصها من جانب مناقض على جمع فصائل فلسطين بما فيها السلطة الفلسطينية في مكة لتوقيع اتفاقها الشهير، الذي دكه دحلان ورفاقه بمجرد أن وطئوا أرض غزة.. أسئلة كثيرة تلف هذه السياسة السعودية التي تحطم مصالح فلسطين والأمة جمعاء ولا ترضي سوى إسرائيل وواشنطن، والكل يأمل أن تتغير وتنسجم مع طموحات الشعوب العربية المسلمة. سابعا: مجازر إسرائيل لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ، وهذا مستمر منذ ما يقرب من المائة عام.. وفظاعة القتل الإسرائيلي الجاري في غزة الآن لا يستطيع بشر تصوره، لدرجة أن الأطباء العرب الذين دخلوا غزة ومنهم الدكتور العزيز طرفاي الذي فاجأني شخصيا بهذا الإجراء لم يستطيعوا تحمل النظر إلى جثث الأبرياء وأجساد الأطفال والضحايا من الجرحى، وهم المعتادون على مشرط الجراحة والأجساد الممدة والدماء التي تسيل داخل غرف العمليات الجراحية.. كما أن إسرائيل هي سرطان لا ثقة فيه، ولا يلحق الإنسان المرتبط به إلا الضرر.. وحتى لا نخون الشهداء الذين نراهم الآن على شاشات الفضائيات، لا بد من الوقوف في وجه كل بليد (وهي كلمة مؤدبة جدا) ينادي بالتطبيع مع العدو.. هؤلاء المطبعون يصمتون ويخرسون أثناء المجازر.. صمتوا وغابوا عن الصحف وشاشات التلفزة خلال انتفاضة الأقصى عام 2000، كما يغيبون الآن وآلة القتل مستمرة في غزة.. لكنهم سيظهرون بعد مدة، للمطالبة بتطبيع العلاقات مع العدو، بل وحتى إنشاء جمعيات للعلاقات الإسرائيلية الوطنية.. ثامنا: لا بد من التفرقة بطريقة واضحة بين معاداة الصهيونية المحتلة الغاصبة، وبين اليهودية كدين سماوي عاش معنا جنبا إلى جنب طيلة قرون.. وهنا لا بد من إقرار حقيقة: وهي أن الكثير من اليهود كانوا أول ضحية للصهيونية العالمية التي قادها يهود آخرون للأسف، لدرجة أنهم ارتكبوا عمليات قتل وترهيب بشعة لإجبار بني دينهم على الرحيل إلى فلسطينالمحتلة.. وهناك منظمات يهودية تعادي إسرائيل ككيان توسعي محتل وتعادي الصهيونية وهي تستحق كل التنويه، ومنها منظمة "ناطورني كارتا".. وكم كانت معبرة صورة ذلك الحاخام اليهودي في لندن وهو يحرق جواز سفره الإسرائيلي احتجاجا على جرائم إسرائيل في غزة.. وكل حقائق التاريخ التي تنتظر هي الأخرى من يطلع عليها تؤكد أن اليهود كأتباع ديانة سماوية عاشوا في أمان مع المسلمين، لولا أن ألاعيب بعض قياداتهم ركبت على الخلافات وأشعلت الفتن، ودمرت تلك الوحدة وذلك الانسجام، وأنتجت للعالم في القرن الماضي إسرائيل، التي يقول عن قيامها الكثير من اليهود أنه إيذان بنهاية اليهودية.. تقرير هذه الحقيقة، يفوت الفرصة على القلة المطبعة التي تعشق هواء تل أبيب، والتي تفضل عادة أن تركب على نغمة "معاداة السامية" للدفع باتجاه التطبيع مع إسرائيل.. وهي نغمة فقدت بريقها منذ عقود في منشئها بأوروبا، وهم ما يزالون يرددونها... ولعل في المظاهرات الحاشدة الداعمة لغزة وقبلها للعراق، خير دليل على أن الرأي العام الأوروبي الأمريكي مصمم على معرفة الحقائق مجردة من أي تزوير سياسي أو تلاعب إعلامي.. تاسعا: تفعيل المقاطعة الاقتصادية.. ذات يوم بمدينة طنجة خلال تغطية نشاط إعلامي، قررت تجربة تناول الطعام في "ماكدونالدز".. المكان نظيف، والعمال طيبون متعاونون، والثمن مناسب.. لكن للأسف الأكل غير صحي بالمرة، فضلا عن أنه يقوي عضد نظام البيت الأبيض الملطخة أيديه بدماء فلسطين والأمة.. الكثيرون يناقشون جدوى المقاطعة ومدى فاعليتها ويشكون في كل ذلك، وهؤلاء أقول لهم جملة بسيطة: ماكدونالدز بالمغرب اضطرت هذه الأيام إلى نشر إعلانات مكلفة في الصحف المغربية تتبرأ فيها من نبإ تخصيصها مداخيل السبت والأحد لإسرائيل، ومؤكدة أنها تشغل الشباب وتدعم الاقتصاد الوطني.. لو لم تكن المقاطعة مؤثرة هل كانت هذه الشركة لتخسر أموالها في إعلانات تافهة؟.. لا أحد يطالب بمقاطعة كل البضائع، بل على الفرد أن يختار ولو بضاعة واحدة وليقاطعها وليستمتع بشعور دعمه لقضايا أمته... وعلى العموم هناك مقالات ودراسات في النت عن جدوى المقاطعة تنتظر فقط من يطلع عليها.. طبعا هناك إجراءات عملية أخرى للوفاء لدم الشهداء والجرحى الفلسطينيين عبر التاريخ وللذين يلتحقون بهم هذه الأيام، لكن حتى لا أطيل أكثر مما أطلت، أود فقط التأكيد أن المقاومة باقية، وأن الانتصار قادم، وأن الثبات موجود، وأن لا خوف على هذا الدين وأبنائه، ولو كانوا يستطيعون القضاء عليه لقضوا على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حينما كان وحيدا مع القلة المؤمنة، يواجهون الخيانة العربية الرسمية ممثلة في قريش، والتآمر التلمودي التوسعي ممثلا في يهود بني قريظة وبني النظير وخيبر.. والعدوان الدولي ممثلا في الروم وفارس.. ومن مفارقات التاريخ أن مشاهده تكاد تتكرر أحيانا وبنفس ممل، غير أن نتيجته تكون دائما واحدة.. وهي انتصار الحق في كل مرة.. تنويه: أجدني ملزما بتوجيه الشكر لكل القراء والزملاء والزميلات الذين اتصلوا بي أو أرسلوا ميلات أو كتبوا تعليقات للدعاء بشفاء ابنتي على إثر العملية الجراحية التي أجرتها مؤخرا.. شكرا لكم، وحفظكم الله من كل بلاء.. [email protected] صحافي بشبكة إسلام أونلاين.نت