صورة الشقيقات الفلسطينيات الخمس اللواتي خلدن إلى النوم باكرا على أمل أن يكون الغد أجمل، فكان الموت على الأبواب، هزت مشاعر التلاميذ في مختلف مدن المغرب، فلم يجدوا بدا من التوقف عن الدراسة والخروج إلى الشوارع تنديدا بالمذبحة التي تنفذ ضد أهل غزة. "" منذ صباح الثلاثاء وحشود من تلامذة المستوى الإعدادي والثانوي تتوافد على العاصمة قادمة من ضواحي الرباط أو من المدن المجاورة متجهين إلى شارع محمد الخامس حيث مقر مجلس النواب بالعاصمة. "في البداية ظننت أنها مظاهرة معتادة من الطلبة حاملي الشواهد العليا للمطالبة بحقهم في العمل، لكني انتبهت إلى صغر سنهم، وبذلة المدرسة التي يرتدونها، ففهمت أن التلاميذ أبوا إلا أن يشاركوا في إعلان تضامنهم مع سكان غزة"، هكذا عبر أحد المارة ل الرأي، ليضيف آخر، إن هذا أقل ما يمكن فعله، حتى لو كان المغرب بعيدا جغرافيا عن غزة فإن فلسطين كانت دائما في القلب. "يا غزة يا غزة يا بلاد العزة"، "نموت نموت وتحيا غزة"... شعارات هتف بها تلاميذ تراوحت أعمارهم بين ال12 و18 سنة، انتظموا جماعات وحملوا علم المغرب، ورسموا على أوراق بيضاء علم فلسطين، فالوقت داهمهم والمظاهرة كانت عفوية ولم يخطط لها، فاكتفوا بحمل ما استطاعوا من أعلام ورسومات وخرجوا إلى الشوارع معبرين عن احتجاجهم ضد هدر دماء الغزاويين. "السبت والأحد كانا يوم عطلة، والإثنين كان يوم عطلة أيضا بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، لذلك لم نتمكن من تنظيم أنفسنا وإعداد الشعارات اللازمة المطالبة بوقف هذه المذبحة، لكن منظر الفتيات الصغيرات وهن راقدات جنب بعضهن البعض أمواتا أصابنا بالذعر، عندما دخلنا إلى الفصل بادرنا إلى الحديث مع أساتذتنا عن الأمر، وعبرنا عن خوفنا مما رأيناه وحززنا، ورغبتنا في فعل شيء من أجل أطفال في سننا لكنهم مرحومون من نعمة الأمن والاستقرار، فشجعنا أستاذنا على الخروج إلى الشارع احتجاجا على هذه المأساة عسى صوتنا يصل إلى المسؤولين ويوقفون هذه المجزرة." هذا ما صرحت به سناء البالغة من العمر 16 سنة، كانت نظرات الغضب والحزن تسبقان كلامها وكأن لسان حالها يقول، ماذا لو كنت أنا وأخواتي مكان الشهيدات الخمس؟ محمد البالغ من العمر 14 سنة، ويدرس في إعدادية بمدينة سلا المجاورة للعاصمة، قال ل "الرأي": "الجميع يتحدث عما يحدث في غزة، وعرفت أن الكثير من الناس في أغلب المدن المغربية خرجوا يومي السبت والأحد للتظاهر ضد مجزرة غزة، لكن استمرارها ومقتل الفتيات الخمس اللواتي في أعمارهن وغيرهم من الناس الذين يتم سفك دمائهم دون أن يكون لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم كل هذا حركنا وجعلنا نتوقف عن الدراسة ونخرج نحن أيضا للشارع لنعبر عن تضامننا مع أطفال غزة وأهلها جميعا". "لسنا وحدنا من خرج للاحتجاج، كل التلاميذ في المغرب توقفوا عن الدراسة وخرجوا للشوارع الكبرى حاملين اللافتات ومرددين الشعارات احتجاجا على ما يقع في غزة هذا ما صرح به أحد التلاميذ المشاركين في مظاهرة بالعاصمة"، وهو ما تأكدت منه "الرأي" من مصادرها حيث خرج العديد من التلاميذ في مدينة طنجة الواقعة شمال المغرب وفي مراكش الواقعة جنوبه وفي الدارالبيضاء أكبر المدن المغربية وفي غيرها من المدن. خروج التلاميذ للاحتجاج أربك السلطات الأمنية رغم أنها كانت قد تهيأت مسبقا لإقرار الأمن والحفاظ عليه استعدادا لحفلات الرأس السنة وتحسبا من هجوم إرهابي وأيضا تحسبا من أي هجوم احتجاجا على ما يقع في غزةفلسطين. كل هذه الحسابات أخذت بعين الاعتبار في مذكرة حفظ الأمن التي أصدرتها وزارة الداخلية قبيل وقوع مجزرة غزة وحلول السنة الميلادية الجديدة، لكن خروج تلاميذ للتظاهر لم يؤخذ كثيرا في الحسبان وهو ما يفسر حضور قوات الأمن متأخرة إلى مكان التجمع الذي شغله التلاميذ عن آخره. مصدر أمني صرح ل"الرأي" قائلا: "هدفنا هو فقط الحفاظ على الأمن وليس تفريق المظاهرة، نحن نتفهم وعي هؤلاء التلاميذ وخروجهم من أجل غزة، ولولا ضرورة العمل لشاركناهم الاحتجاج فما يقع لا يقبله لا دين ولا منطق، لكننا نخاف على أمن البلاد من المتربصين،ونحاول قدر الإمكان أن يمر هذا الأمر في سلام، ويعود التلاميذ إلى منازلهم سالمين". يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها التلاميذ في المغرب منددين بما يحدث في العالم العربي من اعتداء، فلا يزال تلاميذ سنوات التسعينات يذكرون حرب الخليج وكيف خرجوا محتجين على العدوان ضد العراق، الاحتجاج الذي كلف بعضهم روحه عندما وقع بين يدي رجال أمن إدريس البصري الرجل الثاني في المغرب آنذاك.