يبدو أننا في المغرب، أجمل بلد في العالم للتذكير، كعادتنا في كل شيء، اخترنا أسد الأطلس رمزا لنا اعتباطا و دون تفكير، والحال أنه ليس بيننا وبين الأسد إلا الخير والإحسان، وربما انقرض الأسد من أطلسنا احتجاجا على إلصاقه بنا، بعد أن عاشر أجدادنا الأشاوس لقرون.. ولو فكرنا وقدرنا، لاتضح لنا أن أحسن حيوان يمثلنا هو النعامة، ووجاهة الشعار تتجلى في كثير من القواسم المشتركة بيننا، أولها أن النعامة طائر له ما للطيور لكنه لا يطير، ونحن لدينا كل مقومات النهضة لكننا لم نبرح مكاننا منذ عقود، والنعامة تتميز في عالم الطيور بقوة ساقيها المذهلة، حيث تستطيع العدو بسرعة تصل إلى خمسين كلم في الساعة، ولن يجادل اثنان في أننا بارعون في هذه الميزة أيضا، ولنا سمعة عالمية محترمة في رياضة العدو، مقارنة مع مستوى أسودنا الهزيل في كرة القدم، وتصدر لحوم النعام إلى كل المعمور، وخصوصا الخليج حيث يعشقها السعوديون حسبما قرأت يوما في جريدة سعودية، ونحن أيضا، "لحومنا" مصدرة لكل مكان، ولا ينافسنا في الخليج إلا النعامة! ولا يغطي جسم النعامة إلا قليل من الريش، وكذلك سؤتنا لا يواريها إلا نزر من "العكر على الخنونة"، بقيت في جعبتي صفتين، أعتبرهما أهم ما يجمعنا مع النعامة، أولها قول الشاعر׃ "" أسد علي و في الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر وكذلك نحن، نستأسد على بعضنا و أمام المخزن نعامات ، والمخزن يستأسد علينا وهو نعامة أمام سفير أمريكا، وأخر الصفات التي جمعتها، و ربما هناك المزيد؟!، هي حكاية دفن الرأس في الرمال المشهورة، عن حق أو باطل، عن النعامة، حيث يعيش بعضنا في المراحيض، وأضحت بعض مدننا أوكارا لتجارة الجنس والفساد، لكننا نفضل أن ننام كأهل الكهف، حتى إذا أيقضنا من سباتنا أحد ، ثرنا في وجهه عملا بقول الشاعر في البيت أعلاه. الحقيقة أن الصفة الأخيرة، أوحت لي بهذا الشبه العجيب بيننا وبين النعامة، والمناسبة الحملات التي يشنها الإعلام الرسمي وبعض المنابر المؤلفة قلوبها "لرجال العهد الجديد"، على قناة الجزيرة وجريدة المساء وبعض من الأسبوعيات المستقلة، بدعوى الغيرة على سمعة القرية، وبمزايدة فجة في الوطنية والخوف على الوطن. و شخصيا، أكثر ما يغيظني، إشهار بعض ممارسي الصحافة عندنا، لبعبع الإرهاب وحدوتة التحريض البالية ، كسيف داموقليس، كلما أرادوا إخراس من نكد على تفاؤلهم المؤدى عنه، في المجتمع الديمقراطي الحداثي، ومقابل هذه البجاحة والاستئساد في مواجهة زملائهم، لا نكاد نسمع لهم صوتا، في مواجهة من أفقروا الشعب حقا ودفعوه للانتحار، في البر والبحر. إن مأساة مهنة الصحافة، أنها كغيرها من المهن عندنا، ابتليت بكثير من الفقراء فكريا وثقافيا ممن مارسوها بالصدفة، لذلك ليس مستغربا أن تقرأ في صحيفة مغربية مواضيع منسوخة من الانترنت دون ذكر المصدر، وليس مستهجنا أن تقرأ مقالة مؤدى عنها في صيغة خبر، وليس من النادر أن تقرأ "تحقيقا" عن قرصان كمبيوتر مغربي، بقلم صحفي أمي في علم الحاسوب. و حتى في الخط التحريري، فالتناقض لا يقتل، و "اللي ما قتلات تسمن"، فطبيعي مثلا أن تسب جريدة مغربية، سنسفيل المذهب الوهابي منبع شرعية الحكم السعودي وتتهمه بنشر ثقافة الإرهاب، ثم تلحس ما كتبت لسنين بافتتاحية ترحيب ومقالات نفاق للعاهل السعودي في زيارته. رغم كل هذا، لا يخجل هؤلاء من تفصيل الدروس والموعظة في فنون الصحافة وآدابها وأخلاق المهنة، والهجوم المستمر على صحفيين أشراف، يمارسون مهنتهم كما ينبغي لها، وهم قلة ولكن صوتهم مسموع، وان كان مقموعا. وللذين يمارسون الصحافة للاسترزاق، ويداهنون أولياء النعم، نقول إن الصحافة سميت بالسلطة الرابعة في الأنظمة الديمقراطية الحداثية، أقصد المعاني الأصلية لا نسختنا منها ، لأن دور الصحافة الرئيسي، فضلا عن الإخبار، هو المراقبة النقدية للسلط الأخرى، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولعبت الصحافة الحرة أدوارا تاريخية في فضح الفساد، ومنذ أكثر من قرن، اشتهرت في فرنسا قضية فساد قضائي وسياسي عرفت بقضية دريفيوس، لعبت الصحافة دورا في تصحيح مسار العدالة فيها، وبقيت خالدة رسالة الكاتب و الصحفي الكبير إميل زولا إلى الرئيس فور "أتهم"، وبعدها اشتهرت قضايا أخرى، من واتر كايت إلى "شاها كايت" التي عصفت بمستقبل رئيس البنك الدولي منذ أيام. وفي كل هذه القضايا، لم يتهم صحفيون زملائهم بتشويه سمعة البلد، ولم يمنع صحفيون من الكتابة بقوة "القانون"، ولم يدفع صحفيون للهجرة بعد الإفلاس، إنما خلدت مقالات وأسماء وتحقيقات، من زولا إلى بوب وودوارد وآخرين، أما كل مقالات النفاق والمداهنة، التي قد تكون كتبت في ذلك الزمان، فذهبت لمزبلة التاريخ، لأن ذاكرة التاريخ تحفظ ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء.