في العاشر من الشهر الجاري، أعطيت الإنطلاقة الفعلية للموسم الدراسي الجديد، موسم يتمنى الكل خاصة القائمين على الشأن التعليمي أن يكون أحسن من سابقه ولو بقليل، كونه هذا العام يدخل في نطاق برنامج ” المخطط الإستعجالي ” الذي أطلقته الحكومة وكلها أمل أن يعيد ” بعصاه السحرة ربما ” هيكلة كافة المؤسسات التعليمية المغربية، ويرد لها الإعتبار في وقت أصبحت فيه تحتضر أمام الجميع، والكل يعلم بطبيعة الحال أن هذا القطاع في بلدنا أبى إلا أن يتذيل كل التقارير والإستطلاعات، دون أن تجد الحكومات المتعاقبة لذلك حلا، إن لم أقل دون أن تكلف الحكومات نفسها عناء التدخل الفوري من أجل إنقاد ما يمكن إنقاده. وكم هو مؤسف، بل مخجل أن تتقدم علينا دول من حيث جودة التعليم وهي ما تزال قابعة تحت رحمة الإحتلال، وأخرى دمرتها لعنة الحروب والكوارث المتعاقبة، وأخرى ما يزال الخبز في أعين أبنائها ذهبا لامعا. المخطط الإستعجالي إذن هو ذاك البرنامج الأسطوري، الذي قيل على لسان السيد اخشيشن لوسائل الإعلام، أنه يهدف إلى صيانة كافة المؤسسات التعليمية وإحداث كل المرافق الضرورية بها في غضون سنتين ” لا أكثر”. نحن على كل حال أبناء الشعب وكعادتنا عندما نسمع بإطلاق برنامج معين، نترقب خيرا، وكلنا أمل أن نرى مؤسساتنا التعليمية تكتسي صبغة جديدة بين عشية وضحاها، خاصة مؤسسات العالم القروي التي نالت وتنال دوما حصة الأسد من التهميش واللامبالاة، وشتان بينها وبين نظيراتها في المدن، فمدارس الأخيرة إن كانت مراحيضها نتنة، وصنابيرها متآكلة، فالأولى لا تعرف معنى للمرحاض بشكل نهائي، ولكم أن تتصوروا واقع مدرسة تأوي عشرات التلاميذ ولا تتوفر على مرحاض واحد. المدارس في القرى المغربية مثلها مثل دور الساكنة الأخرى دون تمييز، في غياب صور يحيط بها وباب خارجي، وفي غياب شبكة الكهرباء، كما هو الشأن في مدارس نائية بآيت رخا ضواحي تيزنيت، وفي مناطق أخرى بمختلف أنحاء المغرب غير النافع . نحن وكيفما كان الحال، كان قدرنا أن ندرس بين تلك الجدران المتشققة وتحت تلك الأسقف القصديرية المهترئة التي كانت تهددنا كل يوم، خاصة مع حلول كل فصل شتاء، حيث القر، و الأمطار والعواصف تقتلع كل شيء، وأحياناً كانت الوديان تفصلنا عن منازلنا، فنضطر معها للبقاء عند بعض معارفنا وأصدقائنا في الضفة الأخرى حتى تنقص حمولة الأنهار، ومع ذلك كان دفء ذاك الشغف الطفولي في التعلم والتحصيل ينسينا قر الأيام وشراسة عواصفها التي تزج بأجسادنا النحيلة. صراحة، رجعت إلى الأمس القريب عن غير قصد، وشدني الحنين إلى تلك المدرسة رغم كل ما قيل عنها، وإلى تلك المقررات الرائعة، رغم عدم وصولها إلى مستوى نظيرتها لبوكماخ، إلا أنها لم تكن تقل منها أهمية. الكل سيتذكر معي وبدون منازع تلك ” القراءة ” السوداء الثقيلة، و” كريم ومريم ” اللذان يستقبلان كل وافد جديد على عالم الدراسة، والحلزون الذي دب فوق الحجارة ونحن محتارون حينها من أين أتى، وكذا الرسام الماهر الذي رسم أباه وأمه دون أن ينسى علم بلاده. ومن منا يمكنه أن ينسى الحلاق الشاب الذي يقص الشعر بالمقص، وزينب التي جلست تتفرج على التلفاز، وأولئك البداوة الذين شاركناهم في موسم جني الزيتون، وغيرها من الصور الكثيرة التي ستبقى عالقة في أذهان الكثيرين ممن درسوا في ذلك الزمن القريب البعيد. اليوم كثرت المقررات وزاد عددها، وتنوعت تسمياتها من ” منبر كذا...” و ” في رحاب كذا...” و ” الجيد في...” و ” المفيد في...” ، ولا أرى مفيدا ولا جيدا ما دامت الأمور على حالها، وما دامت التقارير الدولية تضعنا دوما في مؤخراتها. جميعا إذن من أجل مدرسة النجاح، وهو الشعار الذي حمله المخطط الإستعجالي، والنجاح كما تعرفون مكسب ليس سهل المنال، رهان يلزمنا أن تتظافر كل الجهود، لا أن يغني كل واحد على ليلاه كما ألفنا. وشخصيا فأخشى ما أخشاه، هو أن يفشل هذا البرنامج في إعادة المدرسة الوطنية الفاقدة لتوازنها، إلى السكة الصحيحة رغم أن مسؤولينا لهم من المبررات ما يكفي لتبرير كل نكسات الفشل مهما تعددت . فعند الحديث عن كل هذه الإصلاحات، نغفل الحديث عن تلك الأيادي التي لا تحب الإصلاح بقدر ما تستهويها هواية تخريب كل ما تراه مصلحة للبلاد والعباد. فالعديد من التلاميذ خاصة في المدن، لا تكاد عيونهم تسقط على مصباح في سقف القسم، حتى تسقطه أياديهم أرضا في غفلة من الجميع، وهنا يجب الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه ذلك، لأن مشكلتنا الأولى والجوهرية تكمن في عقلياتنا التي تشبه إلى حدٍّ ما عقلية القطيع. ويبدو أن الوزارة الوصية متخوفة هذا العام من إمكانية إنتشار داء ” إنفلونزا الخنازير ” في صفوف التلاميذ، رغم أن سعادة الوزير طمأن الجميع، ودعا كافة الأطر إلى توجيه التلاميذ وتحسيسهم، وأنا أقول ردا عليه، إن تلاميذ بعض القرى النائية لا يخشون من ” إنفلونزا الخنازير “، بل من الخنازير نفسها، التي تصول وتجول، وتقتحم مناطق سكناهم دون أن يزعجها أحد.