لسنا يتامى، سيدتي، حتى تتعلمي الحجامة في رؤوسنا. وإذا كنت تعانين مشكلا في التواصل والتعبير، وعطبا في الذاكرة، فيمكنك، بكل بساطة، أن تحرري استقالتك، وتتنحي عن منصب يبدو أكبر منك. فلم نعهد في أنفسنا مخاطبة المسؤولين على هذا النحو، لكن حين تصل الأمور إلى هذا الحد من الاستهتار والتردي والإسفاف، سيكون من حقنا أن نجر حبل الناقوس ونطرقه بقوة، حتى ينتبه الجميع إلى الأخطاء والزلات وسوء التدبير الجسيم لقطاع يوجد، اليوم، في عمق معادلة السلم الاجتماعي. فما ارتكبته ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، هذه الأيام، يندرج في خانة "جيب أفم وقول"، دون كوابح، في سياق اجتماعي واقتصادي ملتهب يفرض أن يتسلح الوزراء والمسؤولون الكبار والمقررون بفضائل الدقة في الكلام، واليقظة في اختيار الكلمات والتعبير المناسب، والذكاء في تناول الموضوعات، والإلمام بجميع المعطيات والخلفيات. إن الوزيرة، التي تلعب وتتلاعب، اليوم، بالأمن الطاقي للمغاربة وتستهتر بانشغالاتهم في موضوع المحروقات والمخزون واقتصاد التكرير، تشبه ذلك الجندي المبتدئ الذي يطلق الرصاص على قدميه، بل تشبه الجندي المجنون الذي يفتح النار على زملائه، بدل أن يوجه بندقيته إلى العدو، والنتيجة أن الحكومة برمتها تعرضت إلى وابل من الانتقاد في المدة الأخيرة، بسبب "جواب قاصر". والحقيقة أن الوزيرة لا تعتبر فقط أجوبتها "قاصرة"، بل تنظر إلينا نحن أيضا شعبا قاصرا بدون ذاكرة، يسهل الضحك عليه بتصريح تلفزيوني قالت فيه بشكل قطعي إن "شركة سامير" لن تفتح مجددا، ثم عادت، بعد أيام، إلى مجلس النواب، لتمسح السماء بخرقة، مؤكدة أنها لم يسبق أن حسمت في موضوع الشركة، وأن ما تم الترويج له كذب وبهتان. لو كنا في زمان آخر، لاستطاعت كذبة الوزيرة أن تنطلي علينا، أما ونحن في زمن التوثيق بالصوت والصورة، "والبق ما يزهق"، فإن زلة المسؤولة أصبحت زلتين: زلة الحسم في ملف "سامير" دون التشاور مع الحكومة والمعنيين بالأمر، وزلة "النفي الفاضح" من منصة مؤسسة تشريعية، وهي سابقة لم تحدث من قبل. إن الوزيرة كذبت على الشعب المغربي، وعليها أن تعرف ألا أحد سيصدقها بعد اليوم حتى لو قالت الحقيقة. فمن يكذب مرة، سيسهل عليه الكذب في المرات المقبلة، لذلك سيكون من الأفضل لها ولنا جميعا أن تحرر استقالتها، وتذهب إلى حال سبيلها، وذلك أضعف الإيمان. إن إصرارنا على الرحيل، لا ينطوي على أي تشكيك في كفاءة المسؤولة ودبلوماتها والمناصب التي تقلدتها في المغرب وخارجه، لكن يؤلمنا أن تذهب وزيرة بكل هذه القيمة، ضحية "غرارين عايشة"، الذين يحيطون بها من كل حدب وصوب، ويقضون سواد يومهم في تلقينها أبجديات الكلام والحديث إلى الصحافة والإدلاء بالتصريحات، علما أن ما ينبغي أن تتعلمه المسؤولة الحكومية، الحنكة السياسية والدهاء السياسي والقراءة الجيدة للسياق، بدل الانكباب على قراءة الأرقام والإحصائيات. إن المغاربة لا يريدون، اليوم، وزراء يجيدون تلاوة الأرقام والنسب والمؤشرات، وهي مهمة تتقنها المندوبية السامية للتخطيط، بل وزراء بمزاج سياسي يقظ. وزراء يقدرون السياقات والمتغيرات، ومستعدون إلى مواجهة المخاطر. وأساسا وزراء متهيئون لتقديم الحلول والأفكار للخروج من الأزمات. عوض إنتاج أزمات جديدة نحن في غنى عنها