قال مصطفى يحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية للمحمدية، إن "توفر حزب التجمع الوطني للأحرار – نظريا- على حظوظ الفوز بالاستحقاقات القادمة تدعمه نمذجة إحصائية أشتغل عليها لأكثر من ثمان سنوات". وأوضح اليحياوي، في أول حوار له بخصوص توقعات انتخابات 20211، أن "انتقال الأحرار من 37 مقعدا في تشريعيات 2016 إلى 85 مقعدا أمر بإمكانه الحدوث ومصوغاته النظرية متوفرة"، مبرزا أن "هذه الحسابات استندت على معطيات بعضها ميداني وبعضها افتراضي قائم على المقارنة بين نتائج الدورة، الانتخابية خلال العشرين سنة الأخير". وأكد اليحياوي في حوار مع "كود" أن القفة الرمضانية وحدها لن تغني ولن تسمن من جوع، لأن "ناخب القرن 21 يزداد وعيا بحقوقه، كما تصويته يزداد فجائية، خاصة في المدن". ها الحوار: "كود" ما هو تقييمك للوضع الحزبي القائم في ظل المستجدات الجديدة التي جاءت بعد تعديل القوانين الانتخابية (القاسم الانتخابي على سبيل المثال)؟ اليحياوي: لابد أن أسجل بداية أن معظم الأحزاب غير مستعدة للاستحقاقات القادمة، وأدوات اشتغالها على التعبئة الانتخابية تقادمت، وتعاني انحباسا كبيرا على مستوى التواصل الجماهري. وقد أصبحت بذلك الهوة أكثر وضوحا بين نز قليل منها ممن لا يزال يحتفظ بقوة قواعده في القرب الاجتماعي أو استطاع خلال الأربع سنوات الأخيرة أن يعيد هيكلة شبكة تنظيماته الترابية، وبين أغلبية ممن لم يعد يقوى على الحركة في التجمعات الشعبية. التي عادة ما كانت تغذيه انتخابيا. في هذا السياق، جاء تصويت البرلمان على النصوص المؤطرة لانتخابات 2021 ليكرس واقع الأزمة. وقد تأكد أننا أمام حالة فريدة من نوعها ينتقل فيها المغرب من مسار سياسي محكوم بتوافق حزبي إلى مسار ترهن فيه الديمقراطية الانتخابية بتنازع المصالح بين فرقاء لا توحدهم أي تصورات استراتيجية تتجاوز الاتفاقات الآنية القصيرة المدى. وما لاحظناه من تراشق حول الإعانات الرمضانية ما يزكي أن المشهد الحزبي الحالي يعاني تحللا غير مسبوق في غياب أفق واضح بإمكانه أن يساعد المتتبع على استبيان إلى أين تتجه الأمور؟ الأمر الذي أصبح مبعث قلق أغلبية الأحزاب هو تأمين البقاء بإيجاد مرشحين قادرين على التنافس الانتخابي، وتفادي تكرار ما وقع في 2015 و2016، حيث أصبح عزل البيجيدي الخيار الوحيد المتفق عليه بين تلك الأحزاب. بالمحصلة، الذي وقع تنازع مصالح يأخذ منحى يزيح على توافق 'إجماعي'، ويؤسس إلى ثنائية سياسية حادة تنشط فيها أطروحتان تتنافران في منطق التبرير: (1) ضرورة تحصين المكتسب التاريخي لتراكم تشريعي بدأ منذ 2002 مع حكومة المرحوم اليوسفي، و(2) محاربة الاحتكار في تمثيل شعب الناخبين باسم وجوب حماية التعددية الحزبية. "كود": تقول بأن الأحرار الأوفر حظا للفوز بالانتخابات المقبلة طبقا للمعطيات الحالية، كيف ذلك؟ اليحياوي: لكي يستقيم التحليل ويأخذ طابعه العلمي الخالي من أي توضيب سياسي يحسب على الدعاية لحزب بعينه، علينا أن نؤطر سياق هذا الرأي وحيثياته الموضوعية. فأقول إن توفر الأحرار – نظريا- على حظوظ الفوز بالاستحقاقات القادمة تدعمه نمذجة إحصائية أشتغل عليها لأكثر من ثمان سنوات. تستند هذه الحسابات على معطيات بعضها ميداني وبعضها افتراضي قائم على المقارنة بين نتائج الدورة الانتخابية خلال العشرين سنة الأخيرة. بالاستناد إلى هذه المعطيات يتبين: أولا أنه من المرتقب أن نكون في انتخابات 2021 أمام ثلاثة أصناف من الأحزاب : (1) حزب لن ينفعه البحث عن تعبئة خارج الشبكات الاجتماعية لمناضليه، بما أن كبر أحجام الأصوات المحصل عليها في الدوائر المحلية في الانتخابات التشريعية القادمة لن تفيده في شيء في أغلب الدوائر المتوسطة والصغيرة، وأقصد هنا العدالة والتنمية. و(2) حزب بمقدوره التنافس على المرتبة الأولى بمعدل مقعد في كل دائرة محلية بحجم أصوات بين 7000 إلى 10000 صوتا، وهو معدل الأحجام الذي يرادف القدرة التعبوية للمرشحين الأعيان، وأعني هنا حزب الأحرار. والصنف (3) ويتكون من ستة أحزاب ستتموقع في المشهد الحزبي ما بعد الانتخابات بغاية التأثير في حسابات تشكيل الأغلبية الحكومة، وهي أحزاب ستتنافس في دوائر محلية يمكن الحصول فيها على مقاعد بأحجام أقل من 8000 صوتا. ما بقي من مقاعد، لن يخرج عما اعتادت عليه الخرائط الانتخابية من مفاجآت محصورة. ثانيا خلال انتخابات 2011- 2016، سجل في 40 دائرة محلية انخفاض متدرج ملحوظ في الكتلة الناخبة لحزب الأحرار بنسبة 37% بالمقارنة مع نتائج 2002، وفي نفس الآن، وفي نفس الدوائر، سجل ارتفاع فجائي في الكتلة الناخبة للأصالة والمعاصرة، حيث كل ما فقده الأحرار عدديا من الأصوات (في دوائر يناهز عددها الأربعين) استفاد منه البام، وقد ساهم في ارتفاع حجم أصواته في تلك الدوائر بزيادة 43% من إجمالي أصواته المحصل عليها بالمقارنة مع 2011. ثالثا تنظيم جميع الاستحقاقات في يوم اقتراع واحد، سيساهم في تقوية القدرات التعبوية للأعيان، حيث غالبا ما ستوزع الأدوار بينهما بشكل يضمن لهم تعدد خيارات التموقع، إما محليا في رأس اللائحة الجماعية، وإما جهويا، وإما نيابيا. وهو ما سيمكن هؤلاء من عقلنة استهدافهم للكتلة الناخبة، وتعظيم إمكانية الزيادة في أحجام الأصوات المحصل عليها في نفس الدائرة النيابية. بالتركيب بين هذه المعطيات، أتوقع أن تلعب هذه الدوائر دورا حاسما في استرجاع الأحرار لقدرته التنافسية على حساب البام في الانتخابات المقبلة. والذي يزيد من احتمال وقوع هذا الأمر، أن الأحرار قد اشتغل خلال الأربع سنوات الأخيرة على تثمين تواجده بهذه الدوائر وفق خطة تركز على الأولويات التنظيمية وعلى اقتصاد الجهد والاستقطاب المتدرج لبروفيلات انتخابية قادرة على التنافس الانتخابي؛ ولذلك فقد ركزت أغلبية جولاته الترابية في إطار "برنامج 100 يوم| 100 مدينة" على دوائر انتخابية ذات المراكز الحضرية الصغيرة والمتوسطة، والتي لها رصيد تاريخي على مستوى التواجد الانتخابي للأعيان وبروفيلات المرشحين الذين عادة ما يستقطبهم الحزب منذ تأسيسها في 1976. إضافة لهذا، فقد أطلق الحزب عملية دقيقة لإعادة تأهيل تنظيماته الترابية تنهج هندسة ترابية لا تختلف عما تعتمده أحزاب "المناضلين"، أي خلايا تنظيمية تصل إلى أدنى من سلم الجماعة، الأمر الذي سيزيد من احتمال نجاحه في التحكم في أحجام الأصوات الواجب توفرها لتأمين مقاعد تناسب القدرات الذاتية لمرشحيه من صنف الأعيان من ذوي الوجاهة الاجتماعية (العائلات المتأصلة في النسيج الاجتماعي المحلي، والأعيان الجدد النشطاء في مجال الإحسان والعمل المدني). في هذا الإطار، من المتوقع أن يكون الأحرار أكبر الأحزاب استفادة من القاسم الانتخابي الجديد. وفي رأيي، إذا اجتمعت هذه العوامل، فإن للحزب حظوظا تزكيها منحنيات تطور المزاج الانتخابي خلال العشرين سنة الأخيرة، وسيكون حينها بمقدوره حيازة بين 8 إلى 10 مقاعد في الجهات التسع ما عدا الجهات الثلاث للأقاليم الصحراوية التي حسب تحركات الحزب خلال السنتين الأخيرتين بإمكانه أن يحصل بها على 8 مقاعد. بالمحصلة، إذن، انتقال الأحرار من 37 مقعدا في تشريعيات 2016 إلى 85 مقعدا أمر بإمكانه الحدوث ومسوغاته النظرية متوفرة. وهنا لا بد أن أكد مرة أخرى، إن ما أقوله لا يخرج عن منطق الاستدلال العلمي الذي يبقى نظريا صرفا يحتمل هامش الخطإ ويتأثر بعوامل التقلبات الفجائية للمزاج الانتخابي التي عادة ما تحمل مفاجآت عدة، خاصة وأن جزء يسيرا من الكتلة الناخبة تحسم اختياراتها في آخر لحظة. "كود": في ظل الاجماع الحزبي الرافض ل"توظيف" العمل الاحساني في الانتخابات، كيفاش غايربح الاحرار؟. وبعبارة أدق :"واش الگفة غاتحسم الانتخابات المقبلة؟". اليحياوي: أظن أن القفة الرمضانية وحدها لن تغني ولن تسمن من جوع. ناخب القرن 21 يزداد وعيا بحقوقه، كما تصويته يزداد فجائية، خاصة في المدن. من المرتقب جدا خلال الاستحقاقات المقبلة أن المال سيصنع فوزا بالمقاعد، ولكن بأحجام أصوات لن توصل الحزب الأول ( من ناحية المقاعد) إلى 1.5 مليون المسجلة في 2016. لهذا لن تحل استحقاقات 2021 مسألة تعادلية أحجام الأصوات وأعداد المقاعد التي برر بها فرقاء القاسم الانتخابي الجديد ضرورة تعويض الأصوات الصحيحة بعدد المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة.