لم تكن المسكينة تدري أن الإسلاميين إسلاميون. لم تكن تدري أن العدالة والتنمية يوظف الدين. لم تكن تدري بوجود حركة التوحيد والإصلاح داخل حزب العدالة والتنمية. وأن الحركة لها سلطتها. ولها تأثيرها الكبير على الحزب. ولأنها بريئة فقد كانت تصدق شعار الفصل بين السياسي والدعوي. كانت اعتماد الزاهيدي بريئة إلى حد لا يصدق. وقد أمضت معهم أكثر من نصف عمرها. ولم تكتشف الحقيقة إلا أمس فقط. أو قبل أمس. أو قبل سنة. نعم. نعم. خدعوها في العدالة والتنمية. والظاهر أنهم كانوا يخبئون التوحيد والإصلاح في مكان سري بعيدا عن الأعين. كي لا تراه اعتماد. والظاهر أنهم كانوا يتجنبون في العدالة والتنمية أن يقدموا لها امحمد الهلالي كي لا تصاب بالفزع من مواقفه. ومن نظرته الشزراء المتخاصمة مع العالم. ومع الناس. والظاهر أنها لم يعرفوها في بداية الألفين على حسن السرات. من يتذكره. من يتذكر هذا الشخص المعتدل. الذي كان نجما في التجديد لحظة التحاقها بالحزب. كان هو صاحب الغضب الإلهي الذي سيصيب المغرب بسبب المعصية. كان هو من يتوقع تسونامي مغربي بسبب العري. كان أشهر من نار على علم. كان نجما. كان فيضانا يكشط في مقالاته الحداثيين واليسار والنساء وكل شيء لا يتفق مع أفكاره المتطرفة. لكنها بريئة. بريئة اعتماد الزاهيدي. ولم تكن تعرف. لم تكن تعرف بأي شيء من هذا. وإلا لما التحقت بهم. ولبحثث اعتماد عن حزب آخر في شارع آخر. في شارع خلفي. في زقاق. في زاوية. في ناصية. في الضاحية. حزب تركب تاكسي كي تصل إليه بدل هذا العدالة والتنمية الذي فاجأها بعد عشرين سنة. أو لظلت مستقلة ولم تتسرع. نعم. نعم. استغلوا براءتها. وفي غفلة من أمرها. ودون أن يخبروها بذلك. خلطوا لها بين الدعوي والسياسي. حرام. حرام. حرام أن تخدعوها. وتضعوا لها السم في الدسم. والدعوي في السياسي. حرام ألا تذوبوا في الدولة. وتندمجوا. وبعد أن خدعوها. وأخفوا عنها الحقيقة. قاموا بوضعها وجها لوجه أمام الأمر الواقع. قبل أن تكشفهم على حقيقتهم. وأنهم يتدخلون في الهندام. وفي أحمر الشفاه. وفي المضمة. وفي تحزيمة التكشيطة. ولا يسيرون تمارة بشكل جيد. ومن قبل لم تكن تعرف ذلك. كانت تظنهم مع المضمة. كانت تظنهم متحررين. ومع الحرية. ومع أن تلبس المرأة ما تشاء. كانت تظنهم أكفاء. كانت تظن أن الخطاب الديني والأخلاقي وحده يكفي. يا لبراءة اعتماد الزاهيدي. لم تكتشف إلا متأخرة أن القشابة حاسمة في هذا الحزب. ومحددة للمواقع. وأنها علامة ورمز سلطة. ومصعد في العدالة والتنمية. وأنها تصنع القيادي. لقد غرروا بها. لقد خدعها حزب العدالة والتنمية. وقدموا لها أنفسهم في صورة لتجدهم في صورة أخرى مغايرة. وربما كانوا متنكرين. كانوا في كامل شياكتهم أمامها. ومتفتحين. ويلبسون الألوان. ومزركشين. قبل أن يبرزوا وجههم الحقيقي. وجههم البشع. وجههم الظلامي. وقد حكت كل القصة للزميل رضوان الرمضاني. وأنها كانت مارة ذات يوم من أمام باب مقر حزب العدالة والتنمية فدخلت إليه. هكذا. واقترحت عليهم أن تصبح مناضلة فيه. وقالت للرمضاني إنها اختارت العدالة والتنمية لأنه قريب من بيتها في تمارة. وليس لشيء آخر. ولو كان لها أن تختار لاختارت الاتحاد الاشتراكي. لأنه كان الأقرب إلى توجهاتها. وإلى ميولاتها الفكرية والسياسية. ولأنها كانت مواظبة على قراءة جريدته. لكنها للأسف لم تجد مقرا للاتحاد الاشتراكي بتمارة. أو بالأحرى وجدته فارغا. وخاليا من الاتحاديين. هكذا. وبكل هذه البساطة. وبثقة كبيرة في النفس. ودون أن يرف لها جفن. فيا لصدق اعتماد الزاهيدي. ويا لبراءتها. وما علينا نحن إلا نصدقها. وبصراحة تحسد عليها تحكي لنا كيف أصبحت منتمية إلى العدالة والتنمية. قبل عشرين سنة من الآن. وتذكروا معي كيف كان هذا الحزب في بداية الألفين. كان العدالة والتنمية مفزعا. كان متطرفا دينيا. كان مخيفا للدولة. وللمجتمع. وللفرقاء السياسيين. كان يختزل خطابه في الأخلاق وفي التحريم وفي رفض الحريات الفردية وفي الاحتجاج على ما يلبسه المغاربة وما يتفرجون فيه. وفي الهجوم أساسا على الاتحاد الاشتراكي. وعلى ما كان يمثله هذا الحزب من قيم. وعلى كل اليسار. وعلى كل الحداثة. وعلى المغرب. وعلى إسلام المغرب. كانوا يناضلون من أجل مغرب مخونج. كانوا يرفعون شعار الإسلام هو الحل. لكن يبدو أن اعتماد الزاهيدي لم تكن تعرف ذلك. كانت صغيرة. كانت بريئة. كانت في مقتبل العمر ولم تكن تظن أنهم بكل هذا السوء. وأنهم يرفضون أن تتحزم بالمضمة وتتمكيج. ولم تكن سمعت بوجود التوحيد والإصلاح في رأس كل شخص ينتمي إلى العدالة والتنمية. كانت تظنهم يسارا. ربما. كانت تظن العدالة والتنمية مثل كل الأحزاب. قبل أن تكتشف أنه ليس كذلك. ومع ذلك ظلت مناضلة ومنتمية إلى هذا الحزب طوال كل هذه المدة. وعاشت معهم التشدد الأخلاقي. وعاشت معهم كل الحملات التي قاموا بها. وعاشت معم أزهى فترة كان فيها حزب العدالة والتنمية لا يتحدث في خطابه السياسي سوى عن المعاصي. وعن العري. وعن المهرجانات. وعن الشواذ. لكنها كانت صغيرة. وخدعها "الإخوان الظلاميون". مستغلين براءتها. ورغبتها في ممارسة السياسة بدل الاكتفاء بقراءة الكتب التي تتحدث فقط عن السياسة. وخلال عشرين سنة وخلال كل هذه المدة الطويلة لم تكتشف أنهم يوظفون الدين. وأنهم رافعو شعارات. إلا اليوم. مسكينة اعتماد الزاهيدي. مسكينة حقا. يا لبراءتها. يا لصدق حكايتها. بعد أن صارت نائبة برلمانية. وصارت نائبة للرئيس في الجماعة. بفضل توظيف الدين في السياسة. وبفضل الشعبوية. وبفضل الشعارات. التي تحتج عليها وتفضحها الآن. وتفضح سوء تدبير حزبها للمدن التي يسيرها. ولو جربت أن تترشح في أي حزب آخر. لما كانت اعتماد الزاهيدي اليوم ولما مرت في برنامج الرمضاني. ويا للنموذج الذي تقدمه عن السياسي الشاب لكل من استمع إليها في برنامج الزميل رضوان الرمضاني. وما عليه إلا أن يطرق باب أقرب حزب إلى منزله. ولا فرق بين النهج. وبين العدالة والتنمية. وبين الحركة الشعبية. والأهم أن يكون على مقربة من البيت. وكم تضامنتُ مع حزب العدالة والتنمية وأنا أستمع إليها واعتبرتها قد وظفته لصالحها واستفادت من رجعيته وأصوليته وخطابه الظلامي وتزمته وتوظيفه للدين في السياسة. وبعد عشرين سنة خرجت تنتقده على توجهه الذي ساهم في نجاحها. وكم أحسست بالظلم الذي يتعرض له هذا الحزب من نسائه خاصة اللواتي يكشفن عن غرة شعرهن من تحت الحجاب التركي المزركش ويتحدثن عن الحريات الفردية كما لو أنهن مناضلات في حركة مالي. ويتظاهرن أنهن بريئات. وحداثيات. وأنهن اكتشفن للتو أنه ينتمين لحزب منغلق تتحكم فيه الحركة الدعوية ولا يسير المدن بشكل جيد. مكتفيا برفع الشعار.