أشياء كثيرة تحدث في المغرب ولا أحد ينتبه إليها. أشياء كثيرة ومن فرط تكرارها صارت تبدو لنا عادية. ومقبولة. بينما هي ليست. بينما هي منذرة بجنون جماعي. فقبل أيام قليلة فقط من خروج قائمة دعم الفنانين. ظهر مغاربة يقاطعون الدجاج. ولهم صفحتهم. ولهم خطابهم. ولهم ناطق رسمي باسمهم. ولهم أخبارهم في الصحافة وفي المواقع الإلكترونية. وقد قرروا أن يواجهوا الدجاجة باعتبارها غالية. وبسبب ارتفاع ثمنها. وقد تحدوها فعلا وقالوا لها: "خليها تقاقي". أي انتني. واعطني. وافسدي يا دجاجة. فلن نأكلك. ولن نشتريك. ولن نبالي بك. ولن نهتم. ورغم ذلك لم يتحرك أحد. ولم يعقد اجتماع عاجل. ولم يُفزِع مقاطعو الدجاج الدولة المغربية. ولم يحركوا فيها ساكنا. ولم يدق أحد ناقوس الخطر ويحذر من الصحة العقلية للمغاربة. ولم يتدخل رجال الدين. ولا النخبة المثقفة. ولا أجهزة الأمن. ولم يقل أحد ما هذا. وهل الدواجن هي أيضا تتعرض للمقاطعة. وهل معقول أن يخاطب الإنسان الدجاج. وهل مضطر لمقاطعته. وهل كان سيلتهم عشرات الدجاجات في حالة رخصهن. وحين كان ثمن الكيلو الواحد ستة دراهم. هذه كلها أسئلة مهمة. وعميقة. ورقيقة. وأنيقة. وتطرح نفسها بإلحاح. وأن تحدث ثورة في المغرب لأهون على الدولة من ظهور فئة من الشعب تقاطع دجاجة غالية. وتشتمها. لمجرد أن ثمنها ارتفع. وهذا في نظري أمر خطير ومضحك في نفس الوقت لكن السؤال الكبير هو ما رأي مقاطع الدجاج في نعمان لحلو. وماذا يقول عن دعم الفنانين. وهل ضد. وهل مع. لأنه من شبه المؤكد أن مقاطع الدجاج يحب أغاني نعمان لحلو. بينما نعمان لحلو ليس في وارد أن يخسر جمهوره العزيز مقابل 16 مليونا. وقد تخلى عنها. وقد أعلن عن ذلك. و هل يجوز لمقاطع الدجاج وهو في عز مقاطعته أن يأكل القوانص والكبد. ثم ما رأي نعمان لحلو في ذلك. وألا تستحق القانصة أغنية منه. وهو الذي غنى لكل المدن. وغنى أربع أو خمس أغان عن فيروس كورونا. وهل القشاوش تعتبر من صميم الدجاج. وهل هي جوهر أم عرض. وهل حامل أم محمول. وهل من الممكن الفصل بين الدجاجة وبين قشاوشها. وهل من يكتفي بذلك. دون أن يقترب من الصدر يعتبر مقاطعا. وهل الجزء تابع للكل. وهل البيض دجاجة بالقوة. وهل البيضة دجاجة كامنة. وما ذنب الصيصان. وهل جوانح الدجاج من الدجاج. وهل لها روح. وهل لها نفس. ثم ما رأي نعمان لحلو في هذه النازلة باعتباره عميقا ورقيقا ومرتبطا بهموم الناس. ولا أخفيكم أني منشغل جدا بهذه القضية. وأرى أن كل ما يحدث في المغرب. مرتبط بعضه ببعض. ونعمان لحلو مرتبط بالدجاج وبارتفاع ثمنه الصاروخي. والدولة بشعبها. حتى أن الدجاج الأبيض صار يطير. ثم يصطدم بالأرض. ولا شيء يقع اعتباطا. بل كل شيء مرتبط بكل شيء أما دور الدولة فهو أن تفهم هذه التحولات. بمساعدة المجتمع المدني. والأحزاب. وتعثر لها على أجوبة. وعلى حلول. وهل لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد انتبهت لمقاطعي الدجاج وألا تفكر في استقبالهم. أما الاختبار الحقيقي لمقاطع الدجاج. فهو عندما يجد نفسه وجها لوجه أمام المشواة. والدجاجة تدور. وتلعب بعجيزتها. وتتحمر على مهل. وتتغنج. فماذا سيكون موقف المقاطع حينها. وهل سيصمد أم سيستسلم لها. وهل سيستمر في المقاطعة. وهل سيرفض الفن. وهل سيحتج على الدعم. وهل سيسيل لعابه. وهل سيرفع يده ويصيح: ربع دجاجة عافاك. وهل سيحسم ويطلب الفخذ. وهل يختار الصدر. ثم ما هو الأفضل في نظركم؟ الصدر أم الفخذ. هذا سؤال مغربي قديم كما قال مؤخرا أحد الأصدقاء. ومستحيل الحسم فيه. وهل سيطلب مقاطع الدجاج المزيد من الكبد والقوانص والبصل وزيتونة خضراء تسبح في صحن المرق الصغير. هذه هي الأسئلة التي علينا كمغاربة أن نطرحها في الوقت الحالي. وعلى الغناء أن يواكب الذوق العام. وهذه كلها أشياء تحدث. ومع الوقت صارت تبدو لنا طبيعية. ولا غرابة فيها. وأصبح الديمقراطيون المغاربة يتحدثون عن استبداد الديمقراطية. ودكتاتورية صناديق الاقتراع ويحذرون من ذلك ويرون الفساد أفضل ويرون المنهزم أفضل من الرابح ويرون القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين هو الحل. ولذلك لم نعد نندهش. ولم نعد نربط بين الأحداث. ومن فرط كثرة الأحداث الغريبة التي صارت تقع في المغرب. وبوجود شعب يقاطع الدجاج وفنان يطلب الدعم. وحين يحصل عليه. يتخلى عنه. إرضاء لمقاطعي الدجاج. فقد أصبح كل شيء يبدو لنا طبيعيا. وممكنا. بما فيه هذا المقال الملخبط المعبر عن الحالة المغربية الحالية والمكتوب في انسجام تام مع الوضع وبإيقاعه والذي لا يحتاج إلا إلى ملحن كي يحصل على الدعم. لذلك لا يسألني أحد عن العلاقة بين الدجاج ومقاطعيه وبين الدعم ووزارة الثقافة ونعمان لحلو لأنه"لا علاقة" تماما كما كل شيء يحدث هذه الأيام في المغرب. وفي اللا علاقة هذه توجد العلاقة. تماما. تماما. ويوجد الدعم. ويوجد الغناء. وتوجد حاجتنا إلى الفن. وإلى الكلام. وإلى خطاب سياسي جديد. ويوجد اللا شيء وتوجد القوانص.