يعيش العالم منذ سنوات على وقع تحولات متسارعة، وغير ثابتة، نتجت عنها توترات سياسية واقتصادية، في عدد من المناطق. ولعل المنطقة العربية والإسلامية، أو المعروفة إعلاميا بمنطقة الشرق الأوسط، تحتضن القسط الأوفر من هذه التوترات، التي بلغت مستوى إسقاط أنظمة حكم، ومحاولة إعادة بناء شرعيات سياسية جديدة، لترتيب المشهد السياسي برمته في عدد من الدول، وسط مخاض قاسٍ، وتفاعل حاد بين مختلف الديناميات، وصل إلى مستوى الاقتتال وإزهاق الأرواح، في صيغة حروب أهلية، تسببت فيها وغذتها صراعات القوى العالمية الطامحة إلى تقاسم قيادة العالم، ووضع اليد على مقدرات المنطقة، وعلى مسارات التجارة العالمية. وفي هذا الاطار، يمكن فهم معظم التحولات التي كانت المنطقة العربية مسرحا لها، وعلى رأسها ما سمي بالربيع العربي، وما تلاه من أحداث، وانقلابات وحروب، واحتجاجات، بمصر واليمن وسوريا وليبيا والعراق، وصولا إلى السودان والجزائر ولبنان، ومحاولات زعزعة الاستقرار بدول أخرى استطاعت أن ترسم نموذجا متميزا، مثل الأردنوتونس والمغرب. ومما تكشف عنه المستجدات المتوالية للصراع بين أقطاب التجارة العالمية، أن المنطقة لم تغادر بعد مساحة التوتر، وأن رمالها ما تزال في حركة مستمرة، تهدد كل ما يتحرك فوقها، وتجعل الأفق مفتوحا على جميع السيناريوهات، خاصة في ظل العجز عن المبادرة، ومحدودية التأثير في القرار الدولي، وحِدّة الاختلاف بين الأنظمة التي تحكم دول المنطقة، وبين النخب الحاكمة ونخب المجتمع داخل الدولة الواحدة. وهذا ما يدفع بالتنبؤ بتدهور الوضع بالمنطقة، وتزايد التحديات التي ستواجه النخب الحاكمة والشعوب على حد سواء، بالنظر إلى ما سبق، وبالنظر إلى حالة اللايقين التي سيطرت على الشعور الجمعي، بعد انكسار الموجة الأولى لما سمي بالربيع العربي، والانقلاب على ما اعتبر خيارا للشعب في مصر، وتخيير شعوب أخرى بين بقاء الحال على ما هو عليه، وبين الحرب الاهلية وتدمير مؤسسات الدولة، في سوريا واليمن وليبيا، واستعمال “القوة الناعمة” مع دول أخرى بتوظيف المال والإعلام وجماعات الضغط. ولربما ستكون سنة 2020، سنة حاسمة في مسار تشكل النظام العالمي الجديد القائم على تعدد واضح للأقطاب، خاصة أنها ستكون سنة انتخابية في أحد أهم هذه الأقطاب ان لم يكن أقواها، والقصد هنا الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدةالامريكية، واحتمال استمرار الرئيس الحالي دونالد ترامب في موقعه، بالنظر الى تفوقه الملحوظ في ادارة صراعه مع خصومه الداخليين وخصوم ومنافسي دولته الخارجيين، خاصة الاتحاد الاوروبي والصين. ولسوء حظ المنطقة العربية والاسلامية، أنها تعتبر المسرح المفضل للمناورات والمؤامرات، ولاستعراض القوة بين مختلف الفاعلين، ولذلك تابعنا كيف افتتح ترامب الزمن الانتخابي ببلاده، بعملية قصف على ارض عربية، استهدفت مسؤولا كبيرا في دولة ايران، التي لها أطماع تاريخية ذاتية، ولها ادوار وظيفية في مناطق العرب، وسيكون ثمن التوافق بين حلفائها المدافعين عنها وترامب، على حساب دول عربية بلا شك، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بل سيكون على حساب الشعوب العربية المستضعفة التي صدقت منذ عقود حكاية الخطر الايراني، لتقبل اضطرارا واكراها عبث أمريكا بثرواتها وبحكامها لدرء هذا الخطر المزعوم، وقد كشفت المستجدات الأخيرة أن لا أمريكا قادرة على بسط سيطرتها على المنطقة دون اظهار العداء لايران أو جرها اليه، ولا ايران قادرة على تحقيق الاختراق في المنطقة دون شيطنة أمريكا وتصويرها العدو الاول للشعوب والاسلام، وبذلك لا يمكن لهما الاستغناء عن هذه العلاقة سواء بالحسم الدبلوماسي او العسكري. انطلقت اذا سنة 2020، على وقع رسم مساحات الاستعراض دون مقدمات، حيث ستستمر سوريا مسرحا للصراع وستنضاف اليها لبنان، وسيتم تقليب النظر في ليبيا، بالموازاة مع اعادة ترتيب دور ايران، ودور تركيا كذلك، دون اغفال تطورات المشهد في تونس، التي دخلت منطقة الفراغ السياسي بعد رفض البرلمان تزكية الحكومة الجديدة. هذه عناوين كبرى للمشهد بالمنطقة العربية والإسلامية، حسب ما تخبر به المعطيات والمؤشرات، وجب الانتباه الى تأثيراتها المحتملة على المغرب، الذي وإن كان ليس عاصمة أحداث، فإنه ليس في منأى عن شظايا تحول هنا أو هناك، ولا عاصم له سوى تعزيز الوحدة الوطنية وبناء التوافقات اللازمة بين مختلف القوى الفاعلة دون اقصاء، لأن السفينة واحدة والامواج عالية وعاتية.