بنكيران لم يسبق له أن وضع ربطة عنق في حياته في اللقاءات العامة على الأقل, لكنه وضعها يوم الثلاثاء. وعقدة الثلاثاء الماضي التي حلت, سواء كانت مرتبطة بربطة العنق أو مرتبطة بأي ربطة أخرى, حتى وإن كانت من نوع الربطة الزغبية التي يعرفها المغاربة جميعهم, تستحق قليل العناء من أجل الإطلالة عليها والتملي في كيفية عقدها, على أمل أن نجد طريقة ما في القادم من الأيام لكي نفك ما بقي معقدا منها. ربطات العنق أنواع في الحقيقة. أفخرها الحريري ذو الألوان الهادئة غير الصارخة, المائلة إلى الألوان الداكنة والتي يضعها الأنيقون باستمرار. الذوق الرفيع مسألة لاتباع ولا تشترى. هي شيء فطري يولد معنا أو لا يولد أبدا. وغالبية من يجبرون أنفسهم على الأناقة في الكبر اصطناعا وتكلفا يظلون دون مستوى الوصول إليها. ثم هناك ربطات العنق الصارخة, تلك التي يضعها الراغبون في التميز عن غيرهم ولو بارتداء الألوان الفاقعة, تلك التي تميل إلى "الصفراء التي تسر الناظرين", لكي نستوحي بعضا من الكلم الحكيم في هذا المجال السياسي الذي أضحى مرتبطا تمام الارتباط اليوم في المغرب بنظيره الديني.
في المغرب للناس علاقة غريبة بربطة العنق. "كاين اللي كيلبسها نهار العرس فقط". يتذكر كل مرة وقعت عينه على ربطة عنق ليلة زفافه, وماتلا الزفاف, فيقرر ألا يعود أبدا إلى ارتدائها. ثمن هناك من تفرض عليه مهنته أن يرتدي الربطة باستمرار. الحديث هنا واضح عن البنكيين مثلا أو عن القهوايجية الذين يفرض عليهم التعامل الجيد مع الزبناء أن يكونوا "ديما مكسطرين وضاربين البابيون". و"بابيون الكراسن" يختلف جذريا عن "بابيون الناس الألبة" الذي يذهب مع طقم السموكينغ كاملا , والذي يعد علامة تفاخر بين أهل الوقت من الأغنياء و"لدوماليين". لكن كيف وصلنا من ربطة عنق بنكيران التي وضعها أول مرة يوم الثلاثاء وهو يحظى باللقاء الملكي, إلى الحديث عن كيفية ارتداء الناس لملابسهم؟ في الحقيقة لارابط بين الأشياء نهائيا. المغرب, وهو بلد جبل على تلقي كل شيء بنسبية كبرى تمكنه من امتصاص أكبر الصدمات, هو بلد أصلا لايعترف بمنطق للأشياء, وهو بلد يسمح للجميع بأن يرتدي مايريده. لذلك نرى النقاب يتعايش مع الميني جوب, والحجاب العصري ينافس حجاب حزب الله, وسراويل الهيب هوب الهابطة التي تكشف عن الجزء الأعلى من "خلفية" الإنسان _ أعز الله قدر الجميع _ تسير جنبا إلى جنب مع الجلباب المغربي الأصيل, خصوصا إذا كان مصنوعا من الصوف الفعلي, وقادرا على أن يحمي لابسه من شر البرد والقر, وهما معا من أعداء الإنسان الحقيقيين.
لذلك لن تكون لدينا إشكالات حقيقية في اللباس في الفترة المقبلة. حقيقة سيتذكر الكثيرون أن عليهم أن يستروا بعضا من أجزاء جسمهم مما يرون أنها تستحق الستر, وسيعمد آخرون إلى تذكر كل الآيات والأحاديث التي تحض على ذلك, لكن علينا الاعتراف أن الأمر لم ينتظر وصول كرافاتة بنكيران إلى ميدلت لكي يبدأ.
المجتمع بدأ رحلة صعوده أو نزوله نحو "اللباس الإسلامي" منذ الزمن السحيق. بالتحديد منذ أن بدأت أشرطة الراحل العجيب عبد الحميد كشك تجد طريقها من جوامع القاهرة إلى أسماع المغاربة في كل مكان نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. ثم استمر الحال على ماهو عليه من تطور إلى أن حلت الفضائيات بين ظهرانينا, وعادت فتياتنا من الخليج حاملات معهن العبايات طريقة جديدة لتكسير الجلباب المغربي الأصيل, فوجدنا "الخيلوطة" الشهيرة التي ينفرد بها المجتمع المغربي لوحده من تلك التي يختصرها أهلنا بعبارة "إقرأ من الفوق وروتانا من التحت" مما لاداعي للإطالة فيه مجددا, طالما أنه "يلا بان المعنى لافايدة فالتكرار".
ومع ذلك هناك مشكل بسيط صغير وإضافي هذه الأيام, في مسألة اللباس هاته, هو مشكل الحجاب التركي الذي وجد طريقه هو الآخر إلينا: يوضع الثوب الساتر للرأس بشكل خاص من نوعه, يخرج قليلا فوق الوجه, وتبرز ابتسامة الوجه مذكرة بما يقع في أنقرة وإسطنبول وغيرها مع الاختلاف الضروري بين المغرب الذي لايؤمن بعلمانية العسكر في تركيا العثمانية سابقا, وبين تركيا التي حسمت اختياراتها الأساسية منذ الزمن الأول, ولم تعد لديها أي إكراهات لترك من تفرزه صناديق الاقتراع يشتغل مثلما يشاء مادام الشعار التركي الأكبر يقول بأن "الدين لله وأن الوطن للجميع", ومادام أردوغان ملزما كل مرة فعل فيها شيئا على أن يقول للجميع إن "ّعلمانية الدولة التركية الحديثة أمر غير قابل للنقاش".
بنكيران من جهته لن يقولها. ولا أحد منا في المغرب يستطيع أن يطلبها منه لا اليوم ولا غدا. "آش بينا وبين شي علمانية آخويا وحنا داويين غير على اللباس؟" العلمانية حسب العارفين بها شيء يشبه الكفر البواح, أو هكذا أراد الكاذبون للعوام أن يفهموا, لذلك لانقاش حول المسألة, بل لانقاش حول أي مسألة أخرى. البلد قام بانتخاباته. الناس ستلبس وفق هواها الغالب, اللحى ستجد سبيلها إلى المراكز الحكومية, سترة الرأس التي كانت لثاما أصيلا ذات يوم فوق رؤوس أمهاتنا الطيبات أصبحت اليوم حجابا من ألوان مختلفة يذكرك بمدن العالم المختلفة كل مرة, لكنه لايحيل ولو على قليل من "تمغربيبت" الأولى. في الأعين التماعة غريبة تنتظر ماسيقع, وفي الكلام النهائي الذي ينبغي أن يقفل كل هذاا لنقاش حول الموضة اليوم كلمة واحد يجب أن تقال: الأذواق لاتناقش ياعباد الله. نقطة, سير آخويا للسطر, الله يرحم الوالدين, وباراكا علينا من الصداع.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق يسير أشبال المنتخب الأولمبي في الطريق السليم نحو أولمبياد لندن خصوصا بعد انتصارهم الثاني على المنتخب الجزائري, وهو مايعني مرورهم بشكل كبير إلى دور النصف وبقاء لقاء واحد يفصلهم عن الألعاب الأولمبية المقبلة.
المسار الذي يختطه أشبال فيربيك يبشر بكثي خير خصوصا وأن الفريق يحبل بالفعل بمواهب قد تكون إذا ماتعهدناها جميعا بما يليق بها نجوم المغرب غدا, وقد تعفينا من تكرار الخطأ الذي تم مع منتخب الشبان الذي وصل إلى نصف نهاية كأس العالم ذات يوم, والذي تشتت لاعبوه بين الفرق والقبائل ولم نعد نسمع عنهم أي شيء إيجابي.