لم يسبق أن أثير نقاش غير سياسي حول سياسي مغربي مثلما حصل مع بنكيران، رئيس الحكومة المغربي الجديد، ولم تسلم حتى ربطة عنقه من هذا الجدل، وتساءل كثيرون لم لا يضعها ومتى وأين وكيف، وأصبحت هذه «الرّبطة الزّغبية» تشكل خبرا أساسيا لدى بعض المنابر الإعلامية، وتحولت إلى نجمة سياسية حتى صارت تواكب تصريحات توازي تصريحات السياسة، فتحدث الوزير عن الكيفية التي سيضعها بها وعمن سيربطها له وأين. من المعلوم اليوم أن الأناقة تكاد تصبح حقا من حقوق الإنسان في زمن الموضة والموديلات المتنوعة والماركات والإكسسوارات، فالحقيبة من نوع كذا وبلون كذا تعبر عن شخصيتك، وحذاؤك إذا كان من دار فلان أو علان فإنه يعكس ذوقك، وربطة العنق تكشف أهميتك بين الناس، وعطرك دليل شخصيتك.. وهكذا أصبح كل ما نلبسه ونحمله ونتزوّق به يكشف أسرار شخصياتنا، فقد تعكس اختياراتنا لملابسنا ضعفنا وخللنا دون أن ندري، وقد تكشف للعارفين بأمور الدنيا أنها لا تعكس جوهرنا الحقيقي، في حين أننا جميعا نردد أن المظاهر خداعة، والإسلام يقول «سيماهم على وجوههم»، وليس في أزيائهم. لكن الحكمة الشائعة بين المغاربة هي «زوّق تْبيع»، هي إذن في النهاية مسألة تسويقية لتقديم صورة متكاملة عن الجوهر، والله أعلم؛ فقد أخذنا مبدأ التسويق إلى «التسيّف»، ف«تسيّفنا» عن دواخلنا إرضاء للمظهر الخارجي ومجاراة لما يريد الآخرون أن نكون عليه، والصورة المتناغمة الأنيقة تطاردنا أكثر حينما نكون في الواجهة ليقرأ الآخرون وبسرعة من نحن، ويسبقنا المظهر لتقديم أنفسنا كأشخاص لنا تربية وحضور قبل أن ينطق الجوهر. الأتقياء الزهاد كما عرفناهم وحدثتنا عنهم الكتب أناس بسطاء في الملبس والمأكل والمشرب، همهم الشاغل خدمة الناس وإرضاء الله، ولعل بنكيران يفصح في هندامه عن هذا الزهد الذي يكرسه ويزكيه تعلقه بأهداب دينه الإسلامي ونضاله من أجل مبادئه، فالإسلام يحث أولا وأخيرا على البساطة وعدم التكلف أو الاستعلاء على الآخرين ولو باللباس. وأمام بنكيران مسؤوليات بحجم الجبال، التي سكنها زهاد كثر هربا إلى الله وحده. لكن بنكيران اختار العراك السياسي وتدبير شؤون الأمة، لذا فالسياسة تقتضي منه أن يساير ويهادن ويخاطب الناس بما يعلمون، وأن يدخل في لعبة الحياة الجديدة ككل، ومنها «لعبة الأناقة». إنه في طور التعلم كما قال ذات مرة «هادْ الشّي جديد علينا.. خاصْنا الوقت». وعموما، ليست المشكلة في طريقة عقد «الكرافاطة»، فالرئيس التونسي الجديد ذاته اختار رقبة متحررة من شرنقة الكرافاطة. ربما هي رسالة لعهد جديد متحرر من كل قيود زائفة سوقت خطابا بائدا وكذبت على الناس. بحكم أن الدين النصيحة، وبفضل خبرتنا في مجال الثقافة النسائية، ننصح الوزير ببعض «الرتوشات» لتكون الصورة كاملة. عليه أن يبدأ أولا بتناول طعام صحي، وأن يحرص على بعض التمارين الرياضة، وتشذيب لحيته قليلا، واختيار ألوان متنوعة ومتناسقة ليبدو أكثر شبابا. عليه أيضا أن يأخذ الوقت الكافي لاقتناء بذلات على مقاساته بالضبط. صحيح أنها «قشور المظهر»، لكنها تحمي الداخل أيضا، فلولا قشور البيض لما استمتعنا بأكل البيض. بنكيران رجل مشغول اليوم جدا وله ملفات كبرى ورهان خاص ودقيق، لكن يجب ألا ينسى أنه رئيس حكومة سيمثل المغاربة هنا وهناك، وسيزور مناطق العالم كافة، وقد لا ينتبه إلى هذا الموضوع كثيرا، لذلك فإن المهمة موكولة أكثر إلى محيطه، وفي المقام الأول منه زوجته نبيلة، التي عليها أن تواكب أناقة زوجها الوزير، وحتى أبناؤه يجب أن يكون لهم رأيهم في أناقة أبيهم. نفس ملاحظة الأناقة تنطبق على الوزيرة بسيمة حقاوي، وهي امرأة تخفي أنوثتها بصرامتها وإصرارها على لبس أي شيء لستر الجسد وحجبه. ننتظر منها ألا تخذلنا في السياسة والأناقة معا، فالسياسة كياسة وذوق، لذلك نريد أن نرى امرأة محجبة وأنيقة تبدي ما ظهر من زينتها بأسلوب امرأة تناغم بين جوهرها ومظهرها، فالمرأة هي الأسلوب، والرجل أيضا، خاصة وأنهما يمثلان وجه النساء والرجال المغاربة في بقاع الدنيا. ننتظر، إذن، من حكومة الإسلاميين في المغرب الكثير لتكون نموذج تحضر حقيقي عند الخصم قبل الصديق. ولا بأس أن نتعلم من أناقة السياسيين الأتراك، والله الموفق. مديرة مكتب مجلة «سيدتي» في الرباط