وضعت الانتخابات أوزارها وبغض النظر عن الموقف من الانتخابات والطريقة التي تتم بها والجهات غير محايدة التي تدير اللعبة السياسية في المغرب لإبقاء وتكريس وضع سياسي متحكم فيه يبقي دار لقمان على حالها، فإنه يتحتم اليوم على جميع القوى الحية والشريفة للمجتمع المغربي وعلى رأسها حركة 20 فبراير التي خرجت بشجاعة وقاومت أحلك الظروف وأعتى العواصف للوقوف في وجه الفساد والاستبداد واستمرت في وقت كان تراهن السلطة على انفراط عقدها وتفجيرها من الداخل .. يتحتم علينا اليوم جميعا أن نتعامل مع الأمر الواقع ليس إذعانا أو استسلاما وإنما التقاطا للأنفاس فقط قبل الخطوات القادمة للاستمرار في تفكيك بنية المخزن التي لا تجد أي مشكل في تطوير نفسها لمواجهة الشارع الذي يصرخ منذ تسعة أشهر ويزيد .
اختار من ذهب لصناديق الاقتراع يوم الجمعة أن يعطي فرصة لحزب لم يجرب السلطة بعد أن ضاق ذرعا من الدكاكين السياسية التي لا مشاريع لها سوى مراكمة النفوذ والامتيازات وتمرير الصفقات وأحزاب أخرى أخذ منها الاختراق ما أخذ ، اختاروا أن يعطوا فرصة للزمن عله يروض ما لم تروضه عقود من الأمل والرغبة ونضال الديمقراطيين و اختاروا أن يزكوا حزب العدالة والتنمية الذي جرب المعارضة من داخل المؤسسات كثيرا كما جربها قبله الاتحاد الاشتراكي قبل أن يغرق في وحل السلطة ويصبح بفضل قياداته الخانعة من الخدام المخلصين .
هل علينا أن نعطي فرصة للعدالة والتنمية ؟ أعتقد أنه يتعين علينا أن نفعل .. رغم مواقف زعيمهم الذي قال عن حراك الشارع ما لم يقله مالك في الخمر ورغم أن تاريخ تأسيس حزبهم ليس بذلك الصفاء الذي يدعنا ننفي عنه صفة التبعية للسلطة .. رغم كل ذلك علينا أن نمنحهم فرصة ، هل يعني ذلك رحيل الجماهير عن الشارع ؟ طبعا لا ؟ هل يعني ذلك منح هذا الحزب شيكا على بياض ؟ أبدا بل سنكون أول المهاجمين و المتصدين إذا ما تأكدنا أنهم كغيرهم يزكون لوبيات الفساد ويطبقون برامج وأجندات حزب القصر السري ..
سنرى إن كانوا سيحكمون فعلا أم سيكتفون بلعب دور الكومبارس ، سنراقب ضاغطين وعودهم ونستمر في الشارع نهتف لإسقاط الفساد والاستبداد ولأجل عدالة اجتماعية بين جميع فئات الشعب ولأجل نظام سياسي ديمقراطي لن يكون إلا بكتابة دستور ديمقراطي أساسه الملكية البرلمانية ولا شيء غيرها وهو ما لن يتأتى إلا بمواصلة مجابهة المخزن ،ربما علينا أن نفترض فعلا حسن النية في الإسلاميين الفائزين (بغض النظر أيضا عن تحليلاتنا لهذا الفوز )كما افترضناها في جماعة العدل والإحسان وهي تشاركنا مطلب التغيير ، ربما علينا أن نتعامل مع دعوات بعض قيادييهم بأن يعمل الشارع المحتج جنبا إلى جنب مع عملهم على تطهير المؤسسات من الداخل ، من صالحنا أن نكسب تعاطف الشارع الذي اختار أن يعطي فسحة صغيرة لحكم المستقبل ..
من صالحنا أن لا ننصب المشانق لهم منذ الآن حتى لا ننجر إلى ما تريده السلطة إلى القطيعة مع الجماهير المقتنعة بخطابنا والمتوجسة فقط من سيناريوهات الغد بعد أن فعل بها مفعول التخويف والترهيب والتضليل ما فعل ، فلنحاول فقط والأيام بيننا وبينهم.
علينا أن نعترف أن حزبهم يتمتع برصيد من الشعبية والقبول في الشارع حتى لو اختلفنا مع خطابه المدغدغ للعواطف الدينية ، علينا أن نعترف أيضا أنهم حزب مهيكل ومنظم وأنه في ظرف وجيز استطاعوا الوصول إلى وجدان الكثيرين من المغاربة ، هل يكفي ذلك لنعطيه صك العذرية ؟ طبعا لا لكن فلنمهلهم بعض الوقت ولا نحكم عليهم بالإعدام من الآن ، في الآن ذاته سيستمر الصراخ مدويا في جميع المدن.
ماذا لو لم يختلفوا عن غيرهم ؟ ماذا لو كانوا خداما مخلصين أيضا للأسياد ؟ لن يكون شرفاء الوطن والمنخرطون في ديناميته منذ بدايتها في فبراير وكذا أبناء الوطن الحالمون بالتغيير قد خسروا شيئا سيكونون فقط قد أكدوا حقيقة راسخة وعروا الملتحفين بغطاء الطهرانية وستظل المسيرة ماضية في طريقها ما دامت هناك قضية عادلة لا تدفع المطالبين بها لا مصالح ولا امتيازات.
قد يدعون الانتصار ويوزعون الحلوى ويقيمون الولائم لكننا نعلم جميعا أننا كطائر العنقاء ننهض من الرماد لنحيي الأمل ونجدد الوعد ، قد يخفت نجمنا قليلا لكن السماء أبدا لن تظل بدون نجوم ، للشعب قضيته المشروعة ..
العيش بكرامة ، الآن هل يستطيع رفاق حامي الدين والرميد حمل هاته القضية على أكتافهم أم لا ؟ سؤال عليهم أن يحاولوا الإجابة عنه وإلا اعتبرناهم مدافعين فاشلين أو متاجرين بالقضية ولن نبدأ باختلاق الأعذار لهم ، الكرة في ملعبهم .