قال "الزعيم" السياسي اليازغي : "إن الشعب نال الدستور الذي يستحقه" و أقول مستدركا : "نعم إذا كُنت أنت وزيرا يستحقه". -1- وُلد الدستور فالشوارع مضاءة و بعض سيارات الأجرة تصم آذاننا بأصوات المنبهات حتى قبل الخطاب الملكي، و لهذا دلالاته العميقة وهي أن الداخلية و الأجهزة الأمنية في هذا البلد لازالت تتصرف و كأنها حزب يقود الحملات بالتي هي أحسن والتي هي أخشن، وإلا فما معنى الأضواء و حشد الأصوات و الزمامير حتى قبل أن يُعرض الدستور على أنظار من سيصوتون عليه. إن من علامات الاستبداد تدَخُّلُ "الأمن" في شؤون العباد، بلغة تستوحي بصائر السكندري، وفي دولة تتلمس الطريق للحرية و الكرامة يقول "أصحاب الحال" للمغاربة : هنيئا لكم الدستور الجديد وصوتوا عليه بكل حرية و ديموقراطية و استقلالية ب"نعم"!. نِعم الدعوة للاستفتاء و نعم المشرف عليه!!!!! في معتقدي و في هذه المرحلة أرى الحديث عن الدستور ترف و نحن أحوج ما نكون لكتاب "إقرء" لوحيد دهره السيد أحمد بوكماخ رحمه الله، لنستطيع "فك" خط طلاسم اللحظة الراهنة التي تشهد اغتيالا للمستقبل بتحويل التعليم إلى فأر تجارب، يُعِدُّ للغد أجيالا من "البؤساء" تسعد بهم فرنسا و مَن خلفها و لْيُبلِ البلاء الحسن المدافعون عن العربية و عن الأمازيغية ، ولكنهم لن يَجدوا لهما مُستَعملا فيما تزدهر به الأمم، بهذه الحال و هذه السياسة و هذه الاحزاب و هؤلاء "الزعماء". قد يرميني البعض بالعدمية لأن الإيجابية في مذهب "ساستنا" هي أن تُردِّد أمام ورقة الامتحان "يوجد حل، يوجد حل، يوجد حل" و قد ينزل عليك سقف القسم قبل "نزول" الحل. ما العمل إذن؟ أسألُ وكأني بصاحبي "السندباد" يردُّ علي ساخرا كعادته : " إلْْعَمَلْ عَمَلْ ربِّنَا"، ليس الموقفُ موقف سخرية! نعم ولكنه وقتُ صراحة، و الصراحة أن الحل الوحيد الذي بين أيدي كل من يفكر حقيقة في مستقبل هذا البلد هو الحرص على بقاء حركة العشرين من فبراير حية تسعى، على الأقل لتُفزِع سحرة المخزن حتى يستبين لهذا البلد قبس في نهاية هذا النفق. -2- عندما فرح المغاربة بفوزهم على أشقائهم الجزائريين كان رد فعل البعض السخرية من مظاهر الفرح العارمة و تسفيه سلوكهم و تصغير أحلامهم، وذلك رد فعلِ من يرى التاريخ من كرسي اللامكان و لحظة اللازمان. فرحة المغاربة ومن بينهم كاتب هذه الأسطر كانت بدافع الضرورة كما ينبث القمح بعد السقي دون استشارة للأرض، نحب هذا البلد ونحب أن نرى علمه عاليا و نُحب أن نفخر به في كل الميادين حتى لو اضطررنا لل"تمويه" على أنفسنا و إعطاء لحظة نَصْرٍ أكثر مما قد تستحق، ذلك أننا عطشى لنفخرَ بهذا البلد، و نرى أن من حقنا الفرح ولا نريد أن نظل خدما عند "أسياد" فرضوا علينا أنفسهم بالمال أو بالجاه أو بشرعية تاريخية بالية و ربما مشبوهة، و من يُكرر الآن أن الكل مسؤول عن الفساد يقول من حيث لا يدري بألا مسؤول، وإلاّ مَن يُحاسب المُفسد إذا كان الجميع كذلك؟! الذين مع الدستور والذين يُراهنون على الشارع لتعديل كفة الميزان ومنهم صاحب هذه الأسطر، يرجون نفس الغاية و المخزن يريد أن يختلق الخلاف في المؤتلف، والمطلوبُ حوار بين الجميع و تَحاجٌّ تكون فيه فرصة للمواطن الحائر و الباحث عن سبيل الرشاد أن يختار و أن يمارس مواطنته. -3- ليس في مطالب حركة العشرين من فبراير ما يُهدد النظام ولكن فيها ما يُهدد المستفيدين من بقاء الحال على ما هو عليه لأن القضايا العادلة يمكن حلها كقضية الصحراء المغربية و لكنْ ما مصير الملايين التي يحلبها البعض منها، و الانتخابات ممكن تنقيتها من شوائب المال الفاسد ولكن من أين لأصحاب الثروة بتراخيصَ لامتلاك أراضي البلد بدراهم معدودات و بنائها و بيعها بأثمان خيالية تتحول لحبل مشنقة حول أعناق مستضعفي هذ البلد وتجعلهم خدما للبنوك ما عاشوا... حركة العشرين من فبراير صمام أمان "يمنع" المخزن من العودة للقناني و اختطاف خلق الله كما تُختطف البهائم من حقل، و هي صمام أمان تجعل الكائنات السياسية المعمرة من أمثال عباس و الراضي و ولعلو و ...يستحون، إن كان في وجوهم ماء حياء، فينزاحون عن مستقبل هذا البلد، يُريحون ويَرتاحون، وهي صمام أمان حتى لا يعود من مخبئه صاحب حزب الخمسةِ أيام ليجمع البلد على كلمة غير سواء هي ما يراه. و من يحاربها أو يُبشر بِنهايتها سيعرف قيمتها عندما تتحقق "أمنيته" ولكن لات حين مناص. و ما أعطاه الاستبداد بيد من عود بالحريات و من زيادات في الأجور يستطيع سحبه بمبدأ "زيد الما زيد الدقيق" و الحريات الموعودة ظاهرةٌ علاماتُها في المصير المجهول لمعتقلي ما يُسمى ب"السلفية الجهادية" و في ما آلت إليه محاكمة رشيد نيني، و في أساليب الضرب من تحت الحزام المخزنية لتحويل الأنظار عن حقيقة حركة العشرين من فبراير و التي تكمن هنا و الآن في وجودها قبل غايتها، فهي سفينة لمَّا يكتملْ بناءها و لم تتحدد ملامح قيادتها، وذلك ما يجعل منها فرصة تاريخية لمن يريد تفكيك حبال الفساد بدلا من تفكيك نصوص لا تُسمن و لا تُغني من كرامة، وهي مشروع "كفة" ميزانِ قوًى هو شرط بناء أي مجتمع كريم، و يعلم الجميع أن الاستبداد يستبيح كل أنواع الحرب و الأذى من أجل بقاء الحال على ما هو عليه فمن ذاق عسيلة السلطة والثروة في كأس واحدة يصعب عليه الفطام و من يكيل بكفة ميزان يتيمة أنَّى له أن يحاور خلق الله على صعيد واحد. و الرهان على أحزابٍ يُعشش فيها الاستبداد رهان على "حصانِ" رحًى يمشي و المكان الذي انطلق منه يعود إليه، و حتى من يستبشر خيرا بحزب "الإسلاميين" عليه قراءة الواقع بعين فاحصة ترى ضرورة الخطة و بديلٍها لأن الاستبداد لا عهد له. و إذا كان السيد بنكيران يريد أن يُقنع نفسه ومن خلفه بقدرته على مواجهة "أكياس" الفساد عليه أن يُجرب هنا و الآن، كان الأمين العام للحزب قد رفع طلبا بإعادة التحقيق في أحداث 16 ماي و ندد بالمحاكمات الصورية و بمحاكمة رشيد نيني، ثم فجأة لم نسمع منه شيئا في الباب، هل لأن الدفاع عن حريات الخلق وسيلة للضغط من أجل مكاسب حزبية؟! أم أن حرية رجل من العدالة و التنمية تستحق التضحية بكل المظلومين و من ثَمَّ بالعدالة والكرامة لمستقبل هذا البلد؟!، ليست المعارضة أن تقول للحاكم :"إما أن تُحِقَّ الحق أو أَمُرُّ إلى مطلب آخر"، كيف لأحزاب أو ساسة أن يُغيروا و هم لا يملكون ما يُلزمون به المتنفذين في حال بقاء الحال على ما هو عليه، بلْهَ التمادي في إفساده. سيقول البعض إن الأمر سيكون عكس ذلك من موقع رئاسة الحكومة، و المثل المغربي يقول :"من لا يُعطي من قليل لن يُعطي من كثير"، كيف لمن التصق بالكرسي البرلماني أن يستقيل من وزارة، إلا إذا كانت كل "الدعاوى" حول المحاكمات الصورية و التدخلات في القضاء و كل المطالب بالكرامة جريان مع النهر للوصول لبحر السلطة. أحسِب أن الأمين العام يسير على هدي "اجتهاداته" لا بدافع طمع في السلطة، والله حسيبه، وقد تابعتُ مسيرته على الأقل منذ دروسه الشهيرة بمسجد بن سعيد بحي السلام بسلا في أواسط الثمانينيات و لكنه اليوم يمضي بحزبه نحو الهاوية المخزنية و إذا كان يقول فيما مضى أن الإسلاميين تعبوا من السجون وآن لهم العمل في اتجاه البناء و داخل الشرعية، أفمَا آن له أن يقول اليوم أنهم تعبوا من الكراسي و آن لهم أن يلتفتوا إلى المقهورين في هذا البلد و لو اقتضى الحال، لا أن يخرجوا عن الشرعية، و لكن أن "يَدخلوا" السجون ليُخرِجوا المخزن من "الشرعية"؟!. مأساتنا أيها السادة و السيدات أننا نعيش في بلد بلا معارضة، و بلا بدائل، نملك فقط أشباحا كان لها تاريخ و أضحت خرابا بنى فيه العنكبوت المخزني شِباكا تبدو كالكراسي و الحقائب، و الإصلاح يلزمه النفس الطويل و الحِراك الحيُّ، إلا إذا كنتم تُفضلون "صمت الحُمْلان"، ساعتها قفوا خلف الوزير أعلاه و رددوا معه قولته. [email protected]