أيها القراء الأعزاء. منذ ثلاثة أيام وأنا في مدينة أصيلة في عطلة مع أطفالي. طبعا. هذه المدينة جميلة. وهادئة. طبعا. طبعا. ما أقوله مفهوم. وكلكم تعرفون الهدوء. وتعرفون الجمال. ويمكن ترجمته إلى كل اللغات. وهذا جيد. لكني أريد أن أخبركم عن شيء آخر في مدينة أصيلة وبالفصحى. شرط ألا تتدخل لغة أخرى بيننا. ولا استعمار. ولا فرنسا. ولا دارجة. وعن فاكهتين بالتحديد. إذ يأتي يوميا شاب. ويبيعهما لي في مركز أصيلة. أمام الباب التاريخي الذي يفضي إلى المدينة العتيقة. بثمن بخس. ثمن لا يمكن تخيله. وكل سلة فاكهة بأقل من خمسة دراهم. فاكهة طازجة. ولذيذة. وبيو. ومغربية أصيلة. وابنة هذه التربة. وهذه الأرض. وغير متوفرة في مكان آخر. فاكتهان لا أجدهما في سلا ولا في الدارالبيضاء بهذه الوفرة وهذا السعر. ولا يراهما صغاري إلا في الرسوم المتحركة. وفي القصص. ولا يمكنني العثور عليها إلا في أكدال. أو في السوق المركزي بالرباط. وبأثمنة مرتفعة. بين هي في أصيلة جد رخيصة. لكني لا أستطيع أن أسميهما. مع أن الفواكه ليست رياضيات. وليست علما. وليست تكنولوجيا. وليست فلسفة. ولا ألغازا. وهذا هو المشكل. وأرغب في أن أصف لكم سعادة الأطفال وهم يلتهمونها. لكني لا أقدر. وأحب اللغة العربية وأكتب بها. لكني عاجز. دون استعمال لغة ثانية. ودون وساطة لغوية. ومن يفهمني إن قلت لكم إني اشتريت في أصيلة سلة عنب ذئب وسلة من توت العليق. وهناك من يسمي عنب الذئب العنب الأسود وتوت الأحراج والعناب وتوت الجبل وووووو. وهناك من يسمي العليق التوت البري. إلى أن تصيبك دوخة الاسماء. وقد يفهمني مشرقي. لكن القارىء المغربي في حاجة إلى أن أترجم له. وأخبره أني أتحدث عن الmyrtille وعن الفرومبواز. فيا للمشقة. ويا لتعب الوصف. ويا للعجز الذي أشعر به. ويا لعجز اللغة. التي لا تسعفني. حتى أني فكرت أن أضرب صفحا عن الموضوع. لكني بدأت. وعلي أن أواصل. وغالبا أن أشخاصا مغاربة قبلي. أحبوا هذه الفاكهة. وحاولوا وصف حلاوتها. لكنهم توقفوا. واصطدموا بجدار اللغة كما قال شاعر حداثي عربي في منتصف القرن الماضي. وكم من قصيدة لم تكتمل بسبب هذا المشكل. وكم من قصة. إلا بالنسبة لأولئك الذين لا يجدون حرجا في كتابة عنب الذئب. وأولئك الذين لا تؤذيهم كلمة العليق. فيكتبون. ويبدعون. وهم مطمئنون. ودون أن ينتبهوا. فإنهم يتحدثون بلهجات الشرق. وبلغة الشوام. وبعربيتهم. وبمعاجمهم. وقد سبق لي أن اكتشفت في مقال سابق أن فاكهة المزاح هي زعرورة بالفصحى. فهل يرضيكم هذا. وهل تقبلون أن تكون لغتنا خالية من الثمار والفواكهة وأن نزعرر المزاح. وأي لغة حية يجب أن تكون مشبعة أولا. ومستجيبة لشهوات البطن. قبل العقل. وأي لغة هي معدة الكائن. قبل أن تكون مسكنه. فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. ولنمنح أسماء لفواكهنا. وأسماكنا. وإلى كل الأشياء المحيطة بنا. بالعربية الفصحى. قبل أن نتهم اللغات الأجنبية. فالفرنسية. وحين تجد فراغا. فإنها لا تتردد في ملئه. ولا دخل لها في قضية عنب الذئب هذه والزعرور. بل المشكلة فينا نحن. وقبل أن نشتمها. وقبل أن نتحدث عن الاستعمار. وعن اللوبي الفرونكفوني. وعن الهيمنة اللغوية. فلنجتهد. ولنبحث عن كلمات تليق بتلك الفواكه. ولنحترمها. ولنقدرها. فالله خلق كل شيء وسماه. لكننا عصينا الله. ونسينا الأسماء. وهذا دوركم يا من تغارون على العربية الفصحى. وتدافعون عنها. وبدل الحديث عن المؤامرات يا ا ئتلافا وطنيا من أجل اللغة العربية وعن سري. سري. جدا. وعن الأرشفة. فالأولى أن تنقذوني. وأن تجدوا لي مخرجا. فأنا في ورطة لغوية. وعاجز. ومحاصر من طرف كل الألسن الغريبة. وأريد أن أخبر القراء عن فاكهتين عثرت عليها في أصيلة وبثمن رخيص. فأتلعثم. ولا أجد لهما اسما متفقا عليه. ومفهوما. إلا إذا كنتم تقبلون أن تأكلوا يوما عنب الذئب. والعليق. أما أنا فلا أقبل ذلك. وأصاب بمغص في بطني. ومعدتي لا تقبل أسماء كهذه وأراها تسيء إلى هذه الفواكه التي حدثكم عنها.