يتناول الفيلم النمساوي “جوي”، للمخرجة سودابيه مرتضائي، موضوع الاتجار بالنساء واستغلال أوضاعهن المأساوية التي يعشنها في بلدهن الأم وتهريبهن من القارة السمراء إلى أوروبا لأغراض الاستغلال الجنسي. ويركز الفيلم الحائز على جائزة مهرجان لندن السينمائي على الاستغلال المفرط للنساء لبعضهن البعض، حيث تتولى”وسيطات الدعارة” تهريب الفتيات الجديدات واستغلالهن، انتقاما مما سبق لهن أن تعرضن له أيضا كضحايا لهذا الاستغلال الجنسي. وركزت المخرجة ذات الأصول الإيرانية، في معالجة قصتها، على دور النساء اللواتي كن، هن أنفسهن، ضحايا الاستعباد والاستغلال الجنسي في التماهي مع جلاديهن واستغلال بنات جلدتهن الأخريات. ويسلط الفيلم الضوء في بدايته على الطقوس الإفريقية في التعاويذ والشعودة، متمثلة في طقس سحري من طقوس “الجوجو” في نيجيريا، حيث تجلس فتاة شابة أمام شامان يعتصر دما من عنق دجاجة مذبوحة ليرقي الفتاة مرددا تعاويذ أمامها قائلا “احمها من الحي والميت” ثم يقول لها إنه لا يمكن لأي رجل أن يؤذيها بعد ذلك، ليكتشفن بعدها دخول عالم من النصب والاحتيال باسم الخرافة. ثم تنقل أحداث الفيلم المشاهد إلى شوارع فيينا وحياة الليل، حيث تجد جوي (الممثلة أنووليكا جوي ألفونسوس) نفسها وسط عدد من النساء الإفريقيات العاملات بالدعارة، والخاضعات لسلطة (وسيطة دعارة) ينادينها ب”المدام” (الممثلة أنجيلا إيكلميه) تستعبدهن لأنها هي التي سهلت تهريبهن إلى أوروبا بدافع العمل وتطالبهن بالعمل لتسديد ما صرفته عليهن من مبالغ. بعد ذلك يعالج الفيلم العلاقة بين جوي وفتاة جديدة وافدة تبلغ من العمر 17 عاما اسمها “برشيس” (الممثلة مريم السنوسي)، والتي تتعرض إلى الاغتصاب بأمر من “المدام” بعد رفضها العمل في الدعارة. وعلى الرغم من أن جوي لا تستطيع مساعدة برشيس لحظة اغتصابها خشية أن يرتد ذلك عليها فترحل بدورها أو تفقد ابنتها التي أخفتها عنها “المدام” خوفا من أن يصيبها مكروه، فإنها تتعاطف معها وتحاول مساعدتها لاحقا للتأقلم مع الحياة في هذا العالم القاسي سواء بتعليمها كيفية التعامل في إطار مهنتها الجديدة أو أسرار البقاء وسط عالم لا يرحم. وعندما تسنح ل”جوي” فرصة الهرب والتبليغ عن “المدام” يقدمها لها أحد العاملين في حقوق الإنسان، لا تستطيع القيام بذلك لأنه لا يضمن لها الحصول على تأشيرة الإقامة وتظل نساء فيلم “جوي” عالقات في هذا العالم الكالح بين زوايا شوارع الليل المعتمة وأضواء الملاهي المتلألئة، وبين أجواء يسودها قانون الغاب وقوانين الهجرة المعقدة التي تتربص بهن على الجانب الاخر. في هذا الفيلم عمقت سودابي من نظرتها في فيلمها السابق “ماكاندو” 2014 والمتعلقة بشؤون الفئات المهمشة والمهاجرين القابعة على هوامش المجتمعات الأوروبية، وتعلق كثير منهم بين عالمين، وهو الأمر الذي عايشته المخرجة في حياتها الموزعة بين طفولتها في إيران واستقرارها لاحقا في النمسا. وتأخذ سودابي بنهج واقعي في معالجة موضوعاتها وتصوير البيئة المحيطة التي تقع فيها أحداثها، يكاد يقترب من أسلوب الفيلم الوثائقي أحيانا، في التصوير بكاميرا محمولة أو العمل مع ممثلين غير محترفين في الغالب يؤدون أدوارا تشبه أدوارهم في الحياة، كما هي الحال في ماكاندو أو الفيلم الأخير “جوي” الذي كان الكثير من ممثلاثه ممن مررن بتجارب سابقة أقرب إلى حياة الشخصيات اللواتي أد ين أدوارهن. ويتبين ذلك من خلال النهاية التي اختارتها لفيلمها، حيث تعود بطلة الفيلم “جوي” لبلدها الأم نيجيريا، بعد ترحيل الشرطة النمساوية لها من فيينا لعدم توفرها على الوثائق الرسمية، دون أن تغير شيئا من واقعها، فتضطر إلى البحث مجددا عن من يأخذها إلى الواقع المجهول في أوروبا. وسبق أن حصل الفيلم على جائزة هيرست السينمائية لأفضل مخرجة على هامش عرضه في مهرجان البندقية هذا العام وتوج بجائزة علامة السينما الأوروبية التي تمنح لفيلم أوروبي من لجنة تشترك فيها خمس تظاهرات من خمسة مهرجانات سينمائية في أوروبا (بدءا من بانوراما برلين مرورا بنصف شهر المخرجين في كان وانتهاء بأيام البندقية). ويتنافس الفيلم الدرامي “جوي” (ساعة وأربعون دقيقة)، الذي ع رض زوال اليوم السبت بقصر المؤتمرات بمراكش، على انتزاع جائزة النجمة الذهبية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دروته ال17.