العالم كله يقرأ كتب أستاذ التاريخ والمفكر الإسرائيلي يوفال نوح هاراري. وقد ترجم إلى كل اللغات، إلا العربية. ولأول مرة في التاريخ، ومنذ الأومو سابيان، يشتري ملايين القراء في العالم كتابا فكريا، متفوقا بذلك على مبيعات روايات أرلوكان، وعلى مبيعات الكتب المقدسة. وكإنسان عربي، أرى أنه خيرا فعلنا، حين لم نترجم يوفال نوح هاراري هذا. ولا شك أن حكمة تكمن وراء ذلك. ففي كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان “21 درسا من أجل القرن الواحد والعشرين”، وفي الكتاب الذي قبله، يخبرنا يوفال هاراري أن الإنسان ليس فردا. ولا لحما ولا شحما. ولا عظما. ولا عقلا. ولا روحا. ولا شعورا. ولا أحاسيس. وماذا هو يا يوفال هاراري؟ إنه خوارزميات أيها المغفل، الإنسان خوارزميات، وتحديدا هو خوارزميات بيوكيميائية. هذا ما يقوله. ولهذا، فإنه من المستحيل أن نترجم هراء كهذا. ولا يكتفي بذلك، بل يتحدث عن العالم سنة 2050، حين سيصبح لدى كل واحد منا لاقط بيومتري، يلتقط معطياته، وحاجياته، ويعرف رغباته، من خلال الخوارزميات البيوكيميائة خاصته. وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن سوق الشغل في المستقبل، وعن بطالة بشرية قريبة، ويقترح حلولا لها، بعد أن تستحوذ الآلات على كل المناصب، ويعوض الذكاء الاصطناعي سائقي الحافلات، والتاكسيات، وربابنة الطائرات، والأطباء، يحتج عاطلون في المغرب، حاصلون على شهادات في الأدب العربي، والدراسات الإسلامية، أمام البرلمان، مطالبين الدولة بتشغيلهم. بينما الدولة بدورها ليست دولة بل خوارزميات. ورغم كل ما ذكرته لكم، يأتي من يتساءل لماذا نحن العرب وحدنا من لم نترجم يوفال هاراري. وأتحداه من هذا المنبر أن يحدد لنا ما هي خوارزميات الشيخة تراكس. وأنا متأكد أن الشباب الذين وضعوا لها ذلك المقلب، لا يمكن لأي جهاز أن يضبط خوارزمياتهم. ولا تسألوني ما هي الخوارزميات، لأني لن أعرف كيف أجيبكم. ثم ما هي خوارزميات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وهل بمقدور أحد أن يتوصل إليها، بينما هو مصر على الصمت، إذ يقول فيلسوف قديم”تكلم حتى أعرف خوارزمياتك”. ويقول هاراري إنه بفضل الخوارزميات البيو كيميائية، والبيغ داتا، سيصبح بمقدور الإنسان، أن يؤلف أغانيه الخاصة به. وقد يصبح بمقدور الفيسبوك، ومن خلال تجميعه للمعطيات الخاصة بك، أن يصنع لك أغان وموسيقى حسب ذوقك، ويقدمها لك كهدية، ويحذف المقاطع المملة في الأغاني التي تحبها. كما أنه، ومن خلال خوارزمياتك، وضبط ميولاتك، وإذا كنت تحب مثلا أن تصبح شاعرا مثل شارل بوكوفسكي، فإن الأمر سيصبح من السهولة بمكان، وستجد آلة تكتب لك شعرا أفضل من شعره. دون حاجة إلى براميل من البيرة، ولا إلى تسكع، ولا إلى فوضى في شقتك، ولا إلى مضاجعة ما لا حصر له من النساء، وشتمهن بعد ذلك. ويوضح يوفال هاراري بالقول”إن للخوارزميات البيومترية فرصة إنتاج أفضل فن في التاريخ، وإذا كان الفن يلمس شيئا أعمق من الأحاسيس، ويهدف إلى التعبير عن حقيقة تذهب أبعد من ذبذباتنا البيوكيميائة، فإن الخوارزميات البيومترية، والحالة هذه، لن تصنع فنانين كبارا، وهذا الأمر يسري أيضا على الكائنات البشرية. وكي تدخل الخوارزميات إلى سوق الفن، وتلغي عددا من المؤلفين الموسيقيين والمغنين البشر، فإنه لن يكون من المفروض عليها، وفي أقرب فرصة، تنحية تشايكوفسكي، وسيكون جيدا أن تتجاوز بريتني سبيرز”. وأرى وضعنا في المغرب. وأجزم أنه ستكون كارثة إن يرجم هذا الكتاب إلى العربية. كما لو أنه لا تنقصنا إلا هذه الخوارزميات. وما أدرانا أنها ليست كافرة، ومن يضمن لنا أنها لا تهدد أمننا الروحي، ولا تهدد نموذجنا المتميز، وأنها لن تخرجنا عن عقيدتنا الأشعرية وفقه مالك ومسلك الجنيد في التصوف. لا أحد في الحقيقة يضمن الخوارزميات. ولا أحد يعرف ماذا تخبىء ومن يمولها. والأخطر أنه علينا، حسب يوفال هاراري، ألا نرفض المستقبل، وأن لا نصارع الآلة، وأن نتحالف معها. فالذي حصل قد حصل، وقد قرصن الذكاء الاصطناعي الإنسان. ومن يضمن لي أن لا يسرق أحد خوارزمياتي، ويحتل مكاني في كود، ويحصل على راتبي. وأصبح عاطلا من جديد. وكما فهمت من يوفال هاراري، فالخوارزميات هذه خطيرة، وبها تم اختراق الإنسان، وفضحه، وكشفه. وصار سهلا إلغاؤه، وضبطه، ومراقبته. وفي مكان ما. لا نراه. هناك مقدم الحومة يراقب خوارزمياتنا، ويخبر القايد عنها. ولا شك أن المخزن له الآن خوارزمياتنا، ويتحكم فيها. ولهذا السبب. وأسباب أخرى كثيرة لم تترجم كتب يوفال نوح هاراري إلى العربية. والشيء الوحيد الذي ترجمناه هو كلمة “نوي” في اسم الكاتب الإسرائيلي، فجعلناها نوحا. كما فعلنا مع كوفي أنان، الذي عربناه، وجعلناه عنان. وفي كل العالم يتحدثون عن هاراري هذا إلا نحن. مازلنا صامدين، نحمي أنفسنا من خوارزمياته، ومن قصته عن الإنسان منذ البداية، إلى أن أصبح اليوم مجرد خوارزميات. علما أن هاراري إسرائيلي ومثلي وكافر زيادة ثم، وبلا ذرة خجل، يطالب البعض بترجمته إلى العربية. لا لا لن نطبع معه ولن نقرأه ولن نعربه. صامدون، صامدون. والخزي والعار للخوارزميات البيوكيميائية.