ستكون الحياة جميلة في المغرب دون شك لو طردنا كل الأغنياء. وقاطعنا كل الشركات. وتخيلوا معي مغربا خاليا من البورجوازيين. ومن رجال الأعمال. ومن المستثمرين. ومن قصص النجاح. ومن الشركات. ومن القطاع الخاص. ولا أحد فيه إلا نحن. إلا مزاليط المملكة. إلا الفاشلون. إلا دولة المزاليط التي سنكلفها بمهمة رعايتنا. وبالتوزيع العادل للفقر علينا. وحينها سيخلو لنا الجو. وسنقتسم الثروات. وسنأكل بعضنا. وسنعيش حياة مليئة بالمغامرات. وكما نتمناها. بعد أن يهرب الأغنياء منا. وبعد أن يذهبوا لاستثمار أموالهم في بلاد أخرى محتاجة إليهم. هكذا نتصور الأمر. ونعتقد أن السعادة تكمن في تقاسم الفقر. وليس في الاستفادة من الثراء. وسنعود إلى سابق عهدنا. وإلى أصالتنا. وإلى بداوتنا. وإلى تخلفنا. وإلى الحال الذي كنا عليه قبل قرن فقط من الآن. ولا شك أنكم انتبهتم أننا لا نحب الأغنياء في المغرب. ونحقد عليهم. ونتهمهم بسرقتنا. وفي أحيان كثيرة بغير وجه حق. ولا يوجد في نظرنا غني يستحق الاحترام. وكل ثروة مشكوك في مصدرها. وربما لن تختلفوا معي إن قلت لكم إن الفقر متأصل في المغاربة. إنه قيمة في حد ذاته. وثقافة قائمة الذات. وهوية. والمغاربة يحبونه. ويحترمونه. وله عندهم مكانة خاصة. ويحبون الفقراء. ويحبون القناعة. ويحبون “أبناء الشعب”. ويكرهون بالمقابل النجاج. ويكرهون الطموح. ويكرهون الأثرياء. وهناك من مستعد للموت على أن يكون ميسورا. وهناك من يعتبر الثراء حراما. وحتى في السياسة. لم نسمع يوما حزبا مغربيا يطالب بمزيد من الأغنياء في المغرب. وحتى اليمين. وحتى الليبراليون. لا يجرؤون على مثل هذا الخطاب. وحتى النخبة لا تقترب من هذا الطابو. ولا أحد يقول للأغنياء تكاثروا. فننظر إلى المال كشر. وكشيء مدنس. ومشكوك دائما في مصدره. كما نشك في النجاح. ونشك في الثروة. ونناضل دون أن ندري في تأبيد البؤس. وحتى السلطة لها يد في هذا الأمر. فتفرض عراقيلها. وتغلق الدائرة. فلا يدخل غني جديد إلى النادي. وتضيق عليهم. وتحتكرهم. ومزيدا من الفقراء. وعاش المزاليط. وعاش البؤس. ولا يمكن للمغربي أن يكون سعيدا. إلا إذا كان بئيسا. وفي أدبنا. وفي برامج تعليمنا نتربى على هذه الثقافة. والكل يخطب ود البؤس. ويتبعه. وتظن رجل السياسة عاقلا. ومسؤولا. لكنه ينجر بسهولة لخطاب البؤس. ويلحق به. ويخاف أن يستولي عليه غريمه. ويوظفه. ويستعمله لصالحه. ورغم أن الأغنياء قلة. ومعدودون على رؤوس الأصابع. فإننا نتساءل عن سبب وجودهم بيننا. ونعتبرهم دخلاء. ولا يشبهون المغربي الأصيل. الذي عليه أن يكون بئيسا. ومفلسا. وقانعا بقدره. وفي لا وعينا نناضل جميعا من أجل دولة للفقراء. مواطنوها يجأرون دائما بالشكوى. ومتذمرون. ومن يستحق المواطنة هم المسحوقون. وهم المطحونون. وهم أبناء الشعب الحقيقيون. أما الناجح. أما الغني. أما رجل الأعمال. ورغم أنه يؤدي ضرائبه. ورغم أن الدولة تربح منه أكثر. فهو غير مرغوب فيه. ومتهم دائما. والمثقف حريص على صناعة الفقر. هذه الثروة الوطنية. والنجم المغني. والممثل. والمبدع المغربي يؤمن إيمانا عميقا أن لا خلق إلا من رحم المحنة والمعاناة. ومن البؤس. ومن الفقر. وكي تكون كاتبا كبيرا فإنه عليك أن تكون بئيسا عظيما. ومعذبا. أو تشتغل على البؤس. ويستثمر في البؤس. وفي الفقر. زعماء النقابات. وتستثمر فيه الصحافة. وتستثمر السلطة. لأن فيه أرباحا كبيرة. ويستثمر فيه السياسي الشعبوي. ويحذر من ربط المال بالسياسة. بينما في كل مكان لم تعد السياسة ممكنة إلا بهذا الارتباط. ولا حكومة يمكنها أن تنتخب إلا إذا كان خلفها أغنياؤها. والأموال والمصالح التي أوصلتها إلى السلطة. وحين كان الرئيس الفرنسي السابق يقود حملته الانتخابية قال إن أشد ما يكره هو عالم المال. وحين انتخب رئيسا صار يحب الأغنياء. بينما لا توجد ثقافة تحب الأغنياء مثل الثقافة الأمريكية، حيث تعتبر الكالفينية الثراء واجبا دينيا. والفقر معصية للرب. وربح المال ركنا من أركان اللاهوت. كما يشرح ذلك بتفصيل المفكر باسكال بروكنر في كتابه”حكمة المال”. وربما بحكم الاستعمار صار المغاربة كاثوليكيين. وربما في كل مسلم فينا يكمن كاثوليكي فالمال أصل كل الشرور وحياتنا ستكون أجمل في مغرب خال من الأغنياء ومن الشركات. ومن أجل ذلك يجب تنفيرهم والعمل على إفشالهم في أفق طردهم وحين سيتحقق ذلك سوف تكتشفون كم سنصبح سعداء وكم هو الفقر ممتع.