"ثلاثة أشياء لا يمكن إخفاؤها، الفقر والحب والحمل" مثل عالمي يمكن أن تكون البداية مقطع من أغنية قديمة للكوميدي المصري الراحل إسماعيل ياسين، التي يقول فيها "احنا الثلاثة، سكر نباتية" وإذا أسعفتني ذاكرتي التي تتزاحم فيها العديد من "المطارق"، فإنها (الأغنية، وليس ذاكرتي) تنتمي إلى مجموعة "مونولوغات" تتخلل موجة أفلام مصرية عرفتها فترة الستينات، وطالما تابعتها أعيننا الصغيرة على شاشة تلفزيون بالأبيض والأسود. كانت أغنية "احنا الثلاثة" تجمع ثلاثة ممثلين من بينهم اسماعيل ياسين، يطلون بأعناقهم من وسط ثياب فضفاضة، لأداء اللازمة التي تبدأ بعبارة "احنا الثلاثة، سكر نباتة"، لينفرد بعد ذلك كل فرد منهم بالغناء، مقدما نفسه بأسلوب فكاهي. ولا أعرف كيف تذكرت هذه الأغنية من الزمن الجميل، وأنا أطالع -كغيري من القراء- تصنيف ثلاثة مغاربة في لائحة أثرياء العالم ضمن مجلة (فوربس) وهم الحاج ميلود الشعبي، وأنس الصفريوي، وعثمان بنجلون. تذكرت الأغنية، ربما لأن الكثير من أبناء جيلي من الذين وُلدوا بعد المسيرة الخضراء، يحفظونها كما يحفظون أسماء هؤلاء الثلاثة. وكم ستكون الصورة مثيرة للضحك، ونحن نتابع هؤلاء "المرفحين" الثلاثة، يقفون في صف واحد مرددين "نحن الثلاثة، سكر نباتة"، ثم يتقدم كل واحد منهم فردا فردا، وشبرا شبرا، لتقديم نفسه، ويوضح لنا كيف استطاع جمع كل هذه الثروة التي نطلق عليها نحن المزاليط "وسخ الدنيا"، (عنقود العنب البعيد، دوما يكون حامضا)، قلت ليتقدم كل واحد منهم، لشرح كيف نصبح أغنياء في خمسة أيام من دون معلم، والدخول من الباب الواسع لمجلة "فوربس" المتخصصة في أخبار المليارديرات. تخيلوا معي، الشعبي يردد لازمة "احنا الثلاثة، سكر نابتة"، رفقة أنس وعثمان، ثم يقول (أنا ميلود، والدي رحمه الله كان رجلا بسيطا، إسمي الشعبي، وهو إسم على مسمى، أنا ولد الشعب، لهذا أحرص رغم ثرائي على الترشح في الانتخابات، ورغم أنني أبلغ من العمر83 عاما، فقد شاركت مع شباب 20 فبراير في مسيرتهم، أملك مجموعة اقتصادية إسمها "يينا" تعني بالأمازيغية "ّالوالدة" عابرة للقارات، تبوأت الرتبة 401 ضمن أغنياء العالم وتقدمت على بنجلون والصفريوي". بنجلون، رجل المال والأعمال المتخصص في قطاع الأبناك والتأمين، الذي ظهر أخيرا إلى جانب رئيس الحكومة الجديدة، في تدشين شركة "رونو" بطنجة "يتكرشخ" بالضحك، بكل تأكيد سيكون مفعول إحدى نكات ابن كيران أدت مفعولها في "البلاصة"، لأنه يصعب انتزاع ابتسامة من رجل يشبه "لورد" بريطاني يحافظ على هدوئه وأناقته كتمثال رخامي، سيكتفي بنجلون، بالتمتمة بعبارات قليلة، "عمري 70سنة، وطالع ليا الدم لأن با ميلود سبقني". احتل بنجلون المركز 546 بثروة صافية تصل إلى 2.3 مليار دولار، غير بعيد كثيرا عن ثروة الشعبي التي تبلغ 2.9 مليار دولار، والرجل يمكن أن يكون مثالا لزواج المال والسلطة بالمغرب، فاقتراب عائلته من الدوائر العليا سمح له باحتكار جملة من الصفقات، من بينها تزويد إدارة الأمن الوطني بالسيارات، حيث بدأ الرجل "الخانز فلوس" حياته العملية في التجارة رفقة شقيقه عمر، الوكيل الحصري لشركة "فولفو" السويدية بالمغرب في "وقت الغفلة"، وهي الصفقة التي كانت بوابة لربح صفقة أخرى لتزويد الجيش بالسيارات والمعدات، واكتمل "البهية" عندما أصبح بنجلون "نْسيب"المارشال أمزيان، وزير الدفاع آنذاك، بعدما تزوج بابنته ليلى أمزيان. وبعد الشعبي وبنجلون، احتل آخر العنقود، أنس الصفروي، المركز 804، "وباركا عليه 1.6مليار دولار" فهو أصغر الأثرياء المغاربة سنا، ولا يزال المستقبل أمامه، فدجاجته المسماة "الضحى" غير تتقاقي، وهي تزيد في البيض، (بيض من ذهب)، وتستفيد من امتيازات وتخفيض أثمنة الأراضي،وهو التخفيض الذي لم يحرص عليه الرجل "الخانز فلوس أيضا" عند استقدام نانسي عجرم الفنانة عبارة القارات التي تُخصص لها المهرجانات كمهرجان "موازين" مرحاضا متنقلا تصل كلفته إلى أربعة آلاف دولار، ومع ذلك أصر "امبراطور" شركة الضحى، على أن ترقص نانسي (هي راقصة أكثر منها مغنية) في عرس ابنه على "وحدة ونص"، دون أن يحتاج إلى التفاوض معها لتخفيض قيمة "أتعاب" عرس من ألف ليلة وليلة حضره أزيد من ألفي مدعو، وتم فيه صرف أزيد من ملياري سنتيم. ما أثارني انتباهي، في هؤلاء الثلاثة، ليس رقادهم فوق مخدات منتفخة بالدولار، بل الذي أثار فضولي أسمائهم الشخصية، فالشعبي، يحمل إسما ينتشر في الأوساط الشعبية، وغالبا ما كان يطلق على مواليد ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يسمى الذكر "ميلود"، والأنثى "ميلودة". الملياردير "ميلود " من "ولاد الشعب"، الذين تمكن عدد قليل منهم من الوصول إلى مراكز عليا في السياسة والاقتصاد والفن، والرجل لا يجد حرجا في الاعتراف بذلك، فقبل أن يؤسس "هولدينيغ" يضم أزيد من 70 شركة. كان واحدا من أبناء "المزاليط" (لقد كانت أسرتي تعيش فقر الصومال، حتى إن شقيقي توفي أثرا من الجوع، عشنا ثمان سنوات متتابعة من الجفاف والعطش، حتى كدنا أن نموت من الجوع والعطش). عكس الصفريوي وبنجلدون، المنحدران من عائلات المجتمع المخملي، وبعودة إلى الإسم الشخصي لكل واحد منها يظهر أنهما من أولاد "بابا وماما"، إذ لا يمكن أن نجد أسماء مثل "أنس" و"عثمان" إذا رجعنا خمسين (50) سنة إلى الوراء إلا في الأوساط البورجوازية، ويندر العثور على مثلهما عند عائلات"المزاليط"، التي لم تبدأ في إطلاق مثل تلك الأسماء على مواليدها، إلا بعد ظهور الصحوة الإسلامية وانتشار المسلسلات المصرية، تارة بالاقتداء بأسماء الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم، أو إعجابا ببعض رجال ونساء الفن. لا أعرف، لماذا نحن "المزاليط"، نثرثر كثيرا عندما يتعلق الأمر بأحد الأثرياء، ربما لأن كل واحد من "أولاد الشعب"، يتسائل مع نفسه "كيف تمكن هؤلاء من التسلل إلى صفحات مجلة "فوربس" في غفلة عنا؟، وتمكنوا من حجز مقاعد إلى جانب مليارديرات العالم أمثال الأمريكي "بيل غيتس" مؤسس شركة ميكروسوفت الذي تجاوزت ثروته 61 مليون دولار، و"مارك زوكربيرج" صاحب الموقع الفيسبوك، وصاحب ال 28 ربيعا، الذي استطاع احتلال المركز 35 ضمن مليارديرات العالم بثروة ناهزت 17.5 مليار دولار، و"منهدروش" على الأمير الوليد بن طلال، الذي يستثمر في الفن "روتانا"، و"الرسالة"، الذي تصنفه المجلات المتخصصة كأول ملياردير عربي يتصدر قائمة "المرفحين" ويأتي في المرتبة 29 بثروة تناهز 18 مليون دولار، كما تصنفه الجريدة الشفوية، كواحد من الذين أبدع في قناتين متناقضتين، يضرب بهما المثل في الحجاب الذي ترتديه بعض الفتيات، الذي يطلقون عليه "أقرأ من الفوق، وروتانا من التحت". لكي لا يقال بأن المغرب البلد الوحيد، الذي يتعايش فيه الفقر المدقع مع الثراء الفاحش، هناك رجل الأعمال المكسيكي الشهير كارلوس سليم، ورجل الأعمال المصري نجيب ساويريس، الذي بلغت ثروته 3.1 مليار دولار، وهما ثريان يعيشان في بلدين من دول العالم "التالف". إنه عالم التناقضات، "شي عايش فيه عيشة الفشوش"، وشي عيشة الذبانة فالبطانة"، ومن هذا العالم، يوجد وطن إسمه المغرب، نجد فيه "التي جي في"، و"الكرويلة"، الفيلات الفخمة، و"البراريك"،"الموروكو مول"، و"جوطية سوق لغزل"، الجميلات اللواتي يتبارين على الحصول على لقب ملكة الجمال، والجميلات اللواتي يعشن "الحكرة" في الجبال، الحداثة، و"بويا عمر"، مهرجان "موازين"، وموسم "سيدي بوعبيد الشرقي". إنه المغرب، أحسن بلد في العالم، كما أنه "أخشن" بلد في العالم، يمكن أن نجد فيه مواطنة مغربية تلد في "كلينيك" خمسة نجوم، ومواطنة أخرى تلد مثل القطط في العراء، مغرب يمكن أن نجد فيه مسؤولين في الأمن كما في مدينة صغيرة مثل سيدي سليمان، يتعاملون مع المواطنين بمنطق عهد "البصري"، وآخرين يتهربون من سؤال "من أين لك هذا؟"، مغرب يمكن أن نجد فيه من يضع يده على بطنه من شدة الشبع، ومن يضع يده على بطنه بسبب الجوع، القسم الأول يعاني ضغط الدم، والقسم الثاني يعاني فقر الدم. مغرب يعيش فيه مصاصو الدماء، إلى جانب من "نشفت في عروقهم الدماء". [email protected]