على قدر واضح من الجمال الذي بدأ يختفي تحت غبار الزمن و الفقر كانت تكنس الأرض و تجفف الممر المفضي إلى بيت النظافة في الفندق.. أمامها بار و مطعم يمتدان من الداخل الى الساحة مع مسبح و حديقة و كراسي و طاولات تنتظر دورها و يلزم أن تظل منتبهة في الأشغال الشاقة التي تبدأ في الثامنة صباحا بتنظيف الغرف ثم تتواصل في البهو و البار و الحديقة إلى غروب الشمس.. مهاجرة إلى الشمال من قرية بالاطلس المتوسط جاءت تجر ثلاث أطفال ذبلوا قبل أن يبلغوا مراهقتهم و تجر معها أيضا طلاقا من شخص سكير كان يضربها و يسرق متاعها القليل ويأكل و يشبع قبل أبناءه.. كان شخصا في منتهى الحقارة حسب ما فهمت من كلامها المقتضب الخافت. نعيمة الآن تشتغل لتطعم الثلاثة الصغار و تسكن بعيدا في ضاحية المدينة التي كبرت مثل زبالة في رمشة عين بفعل أموال المخدرات و كثرة السكان بلا فائدة. قلت لها سائلا هل ينفق الزوج الهارب شيئا عن أبناءه .؟ أجابت : لو كنت معه لأخذ مني أجرتي التافهة دون أن يصرف عليهم..هو رجل بلا رجولة..الحمد لله أنني بعيدة عنه و حرة مع ولادي . نأكل الخبز و أتاي و أشقى من أجلهم و ربي يعوض لي و الحمد لله.. في المغرب ثلثي ربات البيوت مطلقات على وجه التقريب.. و تعيش المرأة بعد الطلاق وحيدة مع الصغار تشتغل و تكافح و تدرس و تصرف و تنظف و تمشي للسوق و تواجه إعصار الزمن وحدها صامدة مثل نخلة في صحراء مقفرة لا أحد يفكر فيها . لا الزوج السابق و لا المجتمع و لا الحكومة و لا الاحزاب و لا الجمعيات سوى الجمعيات "ذات النوايا الحسنة" التي تشتغل لغاية في نفس يعقوب الملتحي الباحث عن صوت إنتخابي أو متعة فيزازية بالفاتحة.. نعيمة واحدة من شعب النساء اللواتي يعشن نفس المصير.. ربة بيت بلا حول و لا قوة .. أبناء يأكل الجوع كرامتهم و سط مجتمع لا يرحم و فقر حقير قبح الله سعيه يخنق الانفاس و يحول حياة الأسرة إلى جحيم.. الفقر كافر.. الجوع كاااافر.. قالت لي أن العيال الصغار يعيشون بالشاي و الخبز و تتركهم لمصيرهم في السابعة صباحا الى العمل و حدهم يذهبون الى المدرسة و يعيدون و يأكلون الخبز و الشاي و الهواء و ينتظرونها مثل فراخ طير صغيرة في أعشاش تهزها الريح و الأمطار. لقد كرمنا بني آدم..بالخبز و أتاي و أم تشتغل النهار و الليل وحدها مقابل دراهم معدودة لا تسد بها الرمق لأطفال يحلمون بلعبة و دراجة و قليل من البروتينات.. قبح الله الفقر..أنا مش كافر لكن الفقر كافر و الجوع كااافر..صدقت زياد الرحباني. أما الزوهرة .. وحدها تستحق فيلما أو رواية .الزوهرة البحرية عاشت في ميناء العرائش و رشيد قنجع رفيقي له عنها حكايات سنرويها في يوم ما. الى المرة القادمة. العزة لنساء المقاومة.