حيفا مدينة يشهد كل من زارها بأنها من أجمل مدن الدنيا ، كونها تقوم على سفح جبل يطلّ مباشرة على البحر الأبيض المتوسط دون أن يفصلهما سهل ساحلي ، بحيث تطلّ على البحر أينما كنت . في هذه المدينة ولد الدبلوماسي الإعلامي الكاتب واصف منصور ، وبعد أقلّ من ثلاث سنوات طرده الصهاينة رفقة أسرته وأكثر من نصف شعبه الفلسطيني ليصبحوا لاجئين . . أي مجموعة من البشر لا تملك مأكلا ولا ملبسا ولا مأوى . ويصمدوا لكل ذلك ويفجّروا أطول ثورة عرفها التاريخ . عاش واصف منصورحقبة اللجوء كاملة ، العيش في العراء ثم في الخيام ثم في بيوت أشبه بالقبور ، ويحدّثنا عنها بأدق التفاصيل . وعاش حقبة الثورة كمناضل سياسي وإعلامي وعسكري على مختلف الساحات ، ويحدّثنا عن دروبها ودهاليزها . وبما أن القدر ساقه إلى المغرب حيث قضى فيه ضعف ما قضى في فلسطين ، طالبا جامعيا ومدرّسا ومناضلا طاف كل نواحي المغرب مبشّرا بقضيته ، والتقى ورافق غالبية رجال ونساء السياسة والفكر والأدب والفن والإعلام المغاربة . في هذه الحلقات يحدّثنا فيما يشبه التقارير المفصلة عن حياة المغرب السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية على مدار سبع وأربعين سنة .. هذه الحلقات التي ستتحوّل لاحقا مع إضافات وتنقيحات إلى كتاب سيصدر قبل نهاية هذه السنة إن شاء الله . كان من الطبيعي بعد إستقراري العملي والدراسي في الرباط ، أن أسعى لإحضار ابن خالي رشدي ، وكنت قد أحضرت معي شهاداته الدراسية فأرفقتها مع طلب خطي للعمل كمدرس في وزارة التعليم المغربية .ومن كرم الله علي وعليه ، وصلتني في شهر كانون أول / ديسمبر من نفس العام ( 1964 ) رسالة من وزارة التعليم المغربية بالموافقة على تعيينه في ثانوية عبد الله بن ياسين في بلدة الرماني ، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من الرباط . واستطاع رشدي أن يتدبّر تكاليف حضوره إلى المغرب ، ووصل في شهر يناير/ كانون الثاني عام 1965 والتحق بمدرسته كما كنت أتمنى وأسعى إليه ، واستأجر مع بعض زملائه المدرسين من غير أبناء البلدة بيتا بإيجار زهيد ، وتكفّل عمي أبو نزار بمصاريفه كما فعل معي حتى بدأ يقبض رواتبه . الرماني هذه بلدة فلا حية صغيرة كانت من المراكز التي يؤمّها الفرنسيون كثيرا أيام الحماية الفرنسية ، وتعتبر حاضرة منطقتها التي تسمى ( زعير ) ، ومن الصدف أن هناك قرية فلسطينية في منطقة جنين تسمى ( رمانة ) كانت تسكنها شقيقة رشدي وأبناء عمه. وكان البرنامج المتبع بيني وبينه أن يأتي عندي في الأسبوع الأول وأذهب عنده في الأسبوع الثاني وألتقي وإياه في دار عمي أبو نزار بالدار البيضاء في الأسبوع الثالث .وكانت الطريق إلى الرماني ضيقة جدا وكثيرة المنعرجات ، بحيث أن الحافلة كانت تستغرق ساعتين أو يزيد في قطع المسافة التي تفصل الرماني عن الرباط وقدرها حوالي ثمانين كيلومترا فقط . وكم صادف أن تنزل أمطار غزيرة على المنطقة أثناء وجودي في الرماني فتنقطع الطريق بسبب إجتياح السيول للجسور وللإسفلت ، فأضطر للبقاء في الرماني يومين أو أكثر حتى يعاد فتح الطريق . كان في الرماني ? كما يحكي أهل البلدة - فقيه وفد إليها من منطقة دكالة يسمونه الحاج ، يجلّه ويوقّره كل أهل المنطقة ويعتبر من أعيانها البارزين . عمل في البداية كمعلّم في كتّاب أنشأه لتعليم أبناء المنطقة اللغة العربية والدين والحساب ، ثم تطورت وظائفه بحيث أصبح مرجعا دينيا في كل قضايا الزواج والطلاق والإرث والعقود لكل أهل المنطقة . وقد تحسنت أوضاعه المادية ، واشترى مساحات واسعة من الأراضي كان يفلحها إلى جانب قيامه بوظائفه الدينية والتعليمية . واهتم بتدريس أبنائه حتى تخرجوا من الجامعات ، وأصبح واحد منهم وزيرا وآخر نقيبا للمحامين والآخرون موظفين سامين ، إضافة إلى أن رئاسة الجماعة القروية التي أصبحت فيما بعد بلدية الرماني ، ظلت بيد أبنائه فترة طويلة . ذات يوم كنت في الرماني أجلس مع رشدي وزملائه أمام مسكنهم المطل على الشارع العام ، وكنا نشرب الشاي الأحمر الذي لم يكن المغاربة معتادين عليه حيث يشربون الشاي الأخضر بالنعناع . حضر الحاج ممتطيا بغلته البيضاء الضخمة ووقف بمحاذاتنا وقال : الله يقلّل حياءكم ، أتشربون الخمر على قارعة الطريق ؟ ( نظرا لتشابه لونه مع لون النبيذ الأحمر) ، فردوا عليه بأدب جم : يا حاج ، هذا أتاي . فقال لهم ولماذا أصبح لونه أحمر ؟ فقالوا له : ليتك تنزل وتذوقه لتحكم بنفسك ؟ والتفت ناحيتي وقال لهم : ومن هذا الأخ الجالس معكم ؟ فأخبروه بأنني ابن عمة الأستاذ رشدي ، فنزل وشرب الشاي معنا وقال لهم : بمناسبة حضور هذا الضيف العزيز، أدعوكم جميعا للغداء عندي غدا ، ولم يكونوا يستطيعون إلا قبول دعوته فهو الحاج الذي لا تردّ دعوته . في الغد ذهبنا جميعا لبيت الحاج الذي يختلف عن كل بيوت البلدة شكلا وحجما وتأثيثا ، فوجدناه قد أقام وليمة فاخرة . وبعد إنتها ئنا من الأكل ، أحضروا صينية فضيّة عليها أدوات صنع الأتاي المغربي . والصينية في العادة لا توضع إلا أمام كبار القوم وأمام المشهود لهم بأنهم مهرة في صنعه ، فأمر الحاج بأن توضع الصينية أمامي . ولما حاولت الإعتذار لكوني لا أتقن ذلك ، حلف يمينا بأن أعدّ لهم الأتاي . أعددت الأتاي بما توفر لي من معلومات المشاهدة ، وتذوقته لأطمئن عليه ، وصببت كأسا وناولته للحاج قائلا : حلفت عليّ أن أعدّ الأتاي ، وأنا أحلف عليك أن تشربه كيفما كان . فضحك وشربه ، وفاجأني بقوله : هذا أتاي لا يعدّ مثله إلا المعلمون الكبار .. وأظن أنه قال ما قاله مجاملة لي لا أكثر ولا أقل . نظرا لإضطرار عمي أبو نزار للصرف عليّ وعلى رشدي ، بانتظار تسلّمنا رواتبنا ، وكان راتبه وراتب زوجته معا لا يتجاوز ألفا ومئتي درهم ، ويجتهد في إعطاء دروس إضافية ليصرف على أسرته وعلينا نحن الاثنين وتحويل قدر من المال بانتظام للأهل في مخيم الفارعة . على ذلك كان المبلغ الذي أتلقّاه من عمي بالكاد يكفي لسدّ الاحتياجات الأساسية ، مما جعلني الجأ إلى بعض الأصدقاء من مناضلي الإتحاد الوطني لطلبة المغرب للحصول على بطاقة أكل في المطعم الجامعي ، حيث كانت كلمة الإتحاد مسموعة سواء لدى إدارة الجامعة أو إدارة الحي الجامعي . كان سعر الوجبة درهما وعشرة سنتيمات وهو ما يقارب أجرة ركوب التاكسي من المدينة إلى الجامعة وكذلك سعر علبة سجائر محلية الصنع ليست من النوع الفاخر. وكان ما آخذه من عمي يكفي لكل ذلك باستثناء ركوب التاكسي حيث كنت استعمل الأوتوبيس بخمس وعشرين سنتيما ، وقد اشتريت لاحقا دراجة نارية لتسهيل التنقل بين البيت والمدرسة والجامعة ، وكان يتبقّى لي بعض النقود التي تسمح لي بالجلوس على المقهى وبعض مصروفات عارضة . في المطعم الجامعي تعرّفت على مجموعة من الطلبة ذكورا وأناثا ، كنا نأكل سويّة على طاولة واحدة ، ونشرب القهوة سويّة في كا فتيريا الحي الجامعي ، ونحضر سويّة التجمعات والندوات التي تقام في الكليات أو في المطعم الجامعي . وتكوّنت مع الأيام بيننا صداقات لازال بعضها قائما حتى الآن ، بل أن هذه الصداقات تحول بعضها إلى قصص حب وزواج كما حصل لي مع من أحببت وتزوجت واحتفلت قبل حوالي العام بذكرى زواجنا الأربعين ، وكتبت بالمناسبة مقالة نشرتها العديد من الصحف داخل المغرب وخارجه ، وظلّت حديث المجالس فترة طويلة لما احتوته من رومانسية بدأ الناس يفتقدونها مؤخرا . كان من بين السلوكيات التي اعتادت عليها جماعتنا الذهاب إلى سينما موريتانيا بالمدينة القديمة أو سينما الشعب بمنطقة د يور الجامع ، خاصة عندما تعرض فيلما عربيا . فنذهب مبكّرين إلى المطعم الجامعي لنتعشّى ، ثم ننزل سيرا على الأقدام مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات لحضور الفيلم ، ونعود ليلا إلى الحي الجامعي سيرا على الأقدام . كنا نخترق حي أكدال ، وهو كما حكى لي الإخوة المغاربة كان حيّا خاصا بالفرنسيين أيام الحماية الفرنسية على المغرب . وقيل لي أن المغاربة المسلمين كانوا ممنوعين من السير في طرقاته . وكان يضم فيلات غا لبيتها صغيرة أو متوسطة المساحة ، وهي على العموم مسيّجة بشجيرات البيسكس والبوكافيلي تتخللها شجيرات من الياسمين ومسك الليل ، تعطّر الجو وتضفي على مسيراتنا مسحة رومانسية . كانت حدائق هذه الفيلات مزروعة بأشجار الحمضيات وبعض أنواع الفاكهة ، وكنا نرصدها خلال النهار لمعرفة الناضج من ثمارها ، لنقوم بغزوها في الليل . وكانت إحدى الصديقات تمتلك صوتا جميلا للغاية تتحفنا دائما بترديد أغاني أم كلثوم وفيروز . وكنت من جانبي أغنّي بعض أغاني وديع الصافي ونصري شمس الدين الشاميّة النغمة ، وقد درّبت الجماعة على الد بكة الفلسطينية حتى أتقنوها تماما . وكنا في بعض هذه الليالي عندما يعضّنا الجوع بعد أن تكون الحوانيت والمطاعم اقفلت أبوابها ، نتوجه جماعة إلى مطعم شعبي مشيا على الأقدام أو بسيارة زميلنا عبد الحي بن موسى من نوع سيتروين بقوة حصانين فقط . ندلف إليه من أحد أبواب السور التاريخي لمدينة الرباط ويسميه العامة ( النقابة ) . يقدم هذا المطعم الوجبات لزبنائه ليلا ونهارا ، ولكنه يزدهر في الليل ، حيث تؤمّه فئتان : الأولى فئة المتسكعين والهيبيين ، والثانية فئة الطلبة الجامعيين . ويجمع الفئتين قلّة ما باليد ، حيث أنهم لا يستطيعون إشباع جوعهم إلا في ( النقابة ) بصحن من الحريرة مع قطعة خبز وأربع حبات من التمرغير الجيد بدرهم ونصف ، أو صحن من البيصارة مغطّى وجهه بالكامون وزيت ( ما ) قد يكون زيت زيتون مع قطعة خبز وبضع حبات من الزيتون بنفس الثمن ، وبعدها نأخذ كأسا كبيرا من الأتا ي المغربي الفائق الحلاوة بنصف درهم . وكان يثيرنا نحن الطلبة منظر الهيبيين الذين أطلقنا على كل واحد منهم اسم أحد كبار المفكرين أو الفنانين لتقارب أشكالهم ، مثل برنارد شو وماركس وانجلز وهمنغواي وسارتر، وكان ما يميّزهم جميعا أنهم أصحاب لحى غير مشذّبة . وكنا نتجاور معهم ومع فئات اخرى مثل مدخّني الكيف والكحوليين والفتوّات ، واستطيع التأكيد بأن تعايشا حدث بيننا ، بحيث كنا نتبادل معهم التحيات والمصافحات والسجائر، وفي بعض المرات عندما كانت دوريات الشرطة تدخل النقابة كنا نساهم في إخفاء من يريد الإختفاء عن أعينهم . إلى جانب مطعم ومقهى ( النقابة ) كان هناك مطعم ليلي بمواصفات خاصة أصبح مع الأيام معلما بارزا من معالم مدينة الرباط ، هو المكان الذي يقلي فيه السيد ( ابّا حسّون ) السمك في زنقة السويقة أحد الأسواق الشعبية المزدحمة بمدخل المدينة القديمة . كان المكان مدخل أحد المحلات التجارية ، يجلس ابّا حسّون على عتبته العالية بعد التاسعة ليلا ، أو على الأصح بعد أن يقفل المحل أبوابه . كان ابّا حسّون يأتي بإناءين كبيرين سعة كل واحد منهما قرابة خمسين كيلوغراما من السمك ومن نوع معين فقط هو ( الميرنا ). وكان يأتي بفرن كبير يشتغل على الغاز ، ويضع فوقه مقلى كبير مملوء بالزيت ، مع كميات من الفلفل الحاروالحامض وكيس كبيرمن الخبز . كان ابّا حسّون يجمع سمكتين متوسطتين أو ثلاث سمكات صغيرات من الميرنا ويربطهما بطريقة معينة من جهة الرأس ويمرّغهما بالطحين ، كنّا فيما بيننا نصطلح على تسمية هذه المجموعة (وحدة سمكية ) ، وكان وزنها يصل إلى مئتي غرام أو أقل قليلا ، يلقيها في مقلى الزيت المغلي ، ولم تكن مدة القلي تستغرق أكثر من بضعة دقائق ، وفي تلك الأثناء كان ابّا حسّون يقلّب السمك بقضيب حديدي معقوف الرأس ليتأكد من أنها نضجت ، ثم ينتشلها بالقضيب ويضعها للزبون في صحن معدني مع نصف خبزة وقطعة من الحامض وبعض قرون الفلفل إذا طلبها ، وكان ثمن هذه الوجبة كلها درهما ونصف ، ارتفع بعد مدة إلى درهمين ، وآخر عهدي بالثمن درهمان ونصف . كان ابّا حسّون عندما بدأت التعامل معه في أواخرأربعينيات عمره ، يندر أن تجده حليق اللحية ، يضع على رأسه طاقيّة ملوّنة، ويلبس سروالا تقليديا شبيها إلى حد ما بالسروال الشعبي الفلسطيني ويسمى ( قندريسة ) فوقه قميص وجاكيت أزرق مما اعتاد إرتداءه العمال ، ويضع قدميه في بلغة بيضاء من النوع الثقيل ، ويدخّن بين الحين والآخر ( الكيف ) القنّب الهندي الذي يزرع علنا في شمال المغرب ويهرّب معظمه إلى إسبانيا ومنها إلى عموم أوروبا ، مستعملا في تدخينه ( السبسي ) الذي هو عبارة عن خشبة مجوفة أو قصبة رفيعة في نهايتها ما يشبه الغليون الصيني يسمى ( الشقف ) يمكنه استيعاب غرام واحد من الكيف ، يشعله ويجذبه نفسا واحدا ثم ينفخ في السبسي لإفراغه من بقايا الكيف المحترق . لم يكن أحد ممن يترددون على ابّا حسّون يشك في جودة ما يقدمه ، لعلمنا أنه يعود كل ليلة إلى بيته وأوانيه فارغة أي لا يبيت عنده ولو سمكة واحدة ، وقيل لنا من بعض جيرانه وممن يعرفونه عن قرب بأنه يذهب في الصباح الباكر إلى سوق السمك ويشتري الكمية التي اعتاد عليها ، ويقوم صبيان سوق السمك بتنظيفه ثم يأخذه إلى البيت ، حيث يقوم مع عياله وآخرين يستعين بهم بربط السمك ببعضه وتمريغه بالطحين ووضعه في الإنا ءين الكبيرين ، مع العلم أنه كان في ليلتي الجمعة والسبت يجهّز ثلاثة أوان ، لأن المستهلكين تزيد أعدادهم في هاتين الليلتين كان زبائن ابّا حسّون في الغالب شبان : طلاب أو عزّاب أو متسكعون أو سكارى ، مع العلم بأن بعض العائلات كانت ترسل ابناءها في بعض الليالي لإحضار بعض ما يقليه ابّا حسّون من سمك . وأسجّل هنا أنني بعد أن عملت في مكتب منظمة التحرير الفلسطينيةبالرباط ، وكانت تضطرني وزملائي ظروف وأحداث معينة للبقاء ليلا في المكتب ، كان أحدنا يتطوع للذهاب عند ابّا حسّون ويأتينا بكميات من أسماكه لنتعشّى . كنت واحدا من زبناء ابّا حسّون الدائمين ، بحيث تكوّنت بيني وبينه مع الأيام صداقة جعلته في بعض الأحيان يطعمني مع رفقائي حتى لولم يكن معي فلوس أسدّدها له لاحقا . فقد كنا مجموعة من الطلبة المشارقة ، منهم العراقي طارق المهداوي والليبي المهدي المنتصر إضافة إلى الصديق الذي ما انفكت عرى صداقتنا وأواصر محبتنا منذ تعارفنا وإلى الآن الأخ نبيل الرملاوي وكذا الصديق الصدوق الوفي صالح أبو جزر . وكان لجماعتننا مع أبّا حسّون حكايات غريبة ، منها أنه عندما كنا نأتي عنده ، يطلب ممن يأتي بعدنا بالعودة بعد نصف ساعة ، ليتفرّغ لنا . حيث أن الأخ طارق كان يلتهم دزينة أو يزيد من الوحدات السمكية ، وكان الأخ نبيل يستهلك تسع أو عشر وحدات ومثله الأخ المهدي . وكنت أقلّهم أكلا للسمك ، بحيث كنت آكل ست أو سبع وحدات . وللقارئ أن يتخيّل كم هو وزن ما كنا نأكله من سمك وخبز وفلفل . الغريب في حالة ابّا حسّون ، أنه كان هناك وعلى مقربة منه عدد كبير ممن يقلون السمك مثله ، بل ويقلون كل أنواع السمك ، بحيث يجد كل زبون ما يشتهيه . لكنهم يبقون عاطلين ولا يبتدئون استقبال الزبائن إلا بعد أن ينتهي ابّا حسّون ويجمع أدواته ويعود إلى بيته ، ولم يكن يدوم بقاؤه في السويقة أكثر من ساعتين .