ترتفع بعض الأصوات من داخل حركة 20 فبراير من أجل الدفع بالحركة إلى اتخاذ موقف مقاطعة الانتخابات القادمة. وبعيدا عن مدى صواب انحياز الحركة إلى هذا الموقف أو ذاك من العملية السياسية التي ستجري، فيمكن أن نطرح السؤال اليوم في هذا الزمن وفي المكان، في الهنا والآن: لماذا تقوم الانتفاضات في ليبيا وسوريا وفي مصر وتونس؟
ألا تقوم من أجل أن يصبح للمواطنين الحق في انتخابات نزيهة وشفافة، و الحق في التعبير عن اتجاهات الرأي العام داخل البلاد؟ إن الثورات اليوم تقوم وتتفاعل مع الحركة الحضارية في العالم كله، عبر بوابة الاقتراع، الذي يعني سيادة الشعب، ويعني تغييبه محاولة لتغييب السيادة السياسية في السياسة. بالنسبة لنا، لم تكن الانتخابات أبدا نزهة بسيطة في جلباب الدولة، ولا كانت معطى مسموحا به من طرف خصوم الديموقراطية. لقد أثبتوا بأنهم يستطيعون أن يعيشوا بدون انتخابات، ولكن لا يستطيعون أن يعيشوا بها، عندما تعبر عن الإرادة الشعبية وعن التوجهات الحقيقية للرأي العام. والانتخابات لم تعد مسألة تفصيل صغير في الحضارة، بل أصبحت المعيار الحضاري الذي على أساسه تحاكم الدولة، ويتم وضعها في سلم التقييم.
وليست الانتخابات مقعدا ما في برلمان ما، أو حتى منصبا ما في حكومة ما، بل هي اليوم المشكل الأرقى للديموقراطية. ولعل الكثيرين من الذين يعارضونها مازالوا يرون فيها «لوثة» الديموقراطية البرجوازية التي طالما رفضتها القوىاليسارية في زمن ما في انتظار الثورة والمساء الكبير.. أو يرون فيها الطريق التنازلي في التغيير. وأحيانا تعتبر الانتخابات مسألة وسخة ومغطاة بغبار الفاسدين. قد يصدق ذلك في أحيان كثيرة، لكن المشكل ليس في الانتخابات نفسها، بل في من يتولاها، وفي الخصوم الذين يحيطون بها، لكي يردوها وسخة، كأي شيء في العالم ، بما فيه العلم. فلا أحد يمكنه أن يدعو إلى المقاطعة المبدئية للعلم.
اليوم ليس أمام البشرية من خيار لتطوير نفسها ومؤسساتها، بل وحضارتها، سوى صناديق الاقتراع، والمعركة يجب أن تدور حولها وفيها. إن المطلوب من القوى التي تسعى إلى التغيير أن تحرر شعبها من سيادة الفاسدين وأصحاب المال وقطاع الطريق على الديموقراطية، الذين يفرحون طويلا عندما يغادر الشعب دائرة الفعل الانتخابي.
لقد غادر الشباب الدائرة الانتخابية، لأنه في مغربنا كان يرى الانفصام بين القرار السياسي والقرار الانتخابي، وهو ما كان يعني له بأن سيادته الشعبية لا امتداد لها. اليوم يجب الإقرار بكل نزاهة فكرية أن الأمر أصبح دستوريا متجاوزا ويتطلب المعركة من أجل التنزيل. لنكن واضحين، لقد توجهت القوى اليسارية وآباء الفكرة التقدمية وبناة التوجه اليساري في البلاد إلى الاقتراع في ظروف مناهضة تماما للاقتراعات، ومناهضة كليا للسياسة، ومناهضة إطلاقا لكل محاولة تفعيل السيادة الشعبية في الميدان.
كما توجهت هذه القوى إلى صناديق الاقتراع، وهي تعرف أن التزوير وارد، وأن الإرادة السياسية غير متوفرة، وتعرف أن المسيرة مازالت طويلة، لأنها الطريق في تربية الشعب وتمكينه من أدوات الإصلاح والتغيير وتنزيل إرادته السياسية..على أرض الواقع في مساء القرارات..
نحن لن نكون مجانبين للصواب إذا قلنا إن اغتيال الشهيد عمر، الذي نفذته قوى الظلامية والشعبوية المتلفعة بالزهد، تزامن مع مؤتمر استراتيجية النضال الديموقراطي..
هل هناك ما يدفع الى الابتعاد عن الانتخابات اليوم؟ طبعا، وهناك ما يقرف منها، وهناك سيناريوهات كارثية لما بعدها.. لكن لابد من أن ندخل المعركة، ووقتها إذا تبين بأن المقاطعة سلاح من أجل تطهير الانتخابات من الفاسدين، وقتها يمكن فعل ذلك .. وبذلك سيصبح الموقف جزءا من المعركة، وليس قرارا بعدم الدخول إليها. (يتبع) عمود "كسر الخاطر" في "كود" باتفاق مع الكاتب 9/28/2011