الحزب الاشتراكي الموحد المؤتمر الوطني الثالث محمد الساسي ينعقد مؤتمرنا الوطني الثالث في خضم أزمة عميقة ومركبة وخطيرة تشد بخناق الحزب واليسار عموما. الأزمة لا تعنينا وحدنا، ولكن ذلك لا يعفينا من واجب التصدي لها ومجابهتها وتحديد عناصر مسؤوليتنا فيها. لم يسبق لليسار في المغرب أن عاش أزمة بهذا الحجم والشمول والامتداد. يجب أن نمتلك شجاعة الاعتراف بالأزمة، من أجل رسم آفاق تجاوزها والخروج منها، الخروج من الأزمة سيتطلب جهذا خاصا وإبداع آليات استثنائية واتخاذ قرارات جريئة، وسيتطلب مدة من الزمن بحكم عمق الأزمة واتساع مساحتها ودرجة استحكامها. تنتظرنا عملية شاملة لإعادة البناء (الفرع الثاني) وقبل ذلك يجب أن نتناول الأزمة بالتحليل والتشخيص والتفكيك (الفرع الأول). أولا- هل للأزمة علاقة بالسياق العالمي؟ هناك بكل تأكيد تأثير لاندحار "المعسكر الاشتراكي" على وضعنا كيسار مغربي، نحن نعيش أيضا آثار ما أصاب الإيديولوجيا الاشتراكية من تراجع وما لحق بالعالم من تطورات، والانتقال من الثنائية القطبية إلى عالم القطب الواحد، ولكن المطلوب منا أن نحدد درجة مساهمة مختلف العناصر في إنتاج أزمتنا. هل كانت العوامل الخارجية أقوى تأثيرًا من العوامل الداخلية؟ إن الإخفاقات التي أصابت القوى المحسوبة على "الصف الاشتراكي" لم تكن لها ربما إلا انعكاسات ثانوية. أرخت بعض مظاهر التراجع اليساري في العالم ظلالها على وضع اليسار المغربي، وأرخت بعض مظاهر تراجع القوى اليسارية والقومية والحداثية العربية ظلالها أيضا على أوضاعنا، ولكن العوامل الأكثر تأثيرا وحسما تستقر في أحشاء بنية التطور والتفاعلات الداخلية التي عرفتها الساحة المغربية. لقد ظل الواقع السياسي المغربي متميزا عن نظيره العربي وحتى العالمي، ففي اللحظة التي كان فيها جدار برلين يسقط، كان اليسار المغربي يدخل بعنفوان وإقدام مرحلة تقدم وإشعاع وتفوق (بداية التسعينات)، وفي الوقت الذي عاش فيه صوت اليسار العربي انكماشا وضمورا وانحسار، كان اليسار المغربي يحتفظ بصلات عميقة مع الجماهير، ويؤثر في المسار السياسي، ويمتلك قدرات تعبوية هائلة. هناك حديث عن إخفاق الفكرة الاشتراكية، وعن ضرورة الاعتراف بعدم صلاحية الحل الاشتراكي، وبكون التشبث به يجب أن يعتبرا جزءا من ماض غير مأسوف عليه، وأن التحولات في العالم تفرض التحول عن هذا الحل إلى غيره، والتماس حلول أخرى "أكثر واقعية". والحقيقة أن هناك أكثر من عامل يؤكد صواب الخيار الاشتراكي، إذ أن نتائج الخيار الليبرالي ماثلة أمامنا، فالفوارق في العالم تتسع، والنزعة الحربية تتقوى، والأزمات المالية تثبت أن السوق لا يستطيع أن يضمن الأمن والأمان الاقتصادي، فهو يضطر إلى الاستنجاد بالدولة وإلى دافعي الضرائب لمعالجة علله وأسقامه واختلالاته وتناقضاته. لا يمكن أبدا أن نطمئن إلى مستقبل ومصير الإنسانية إذا وضعناهما بين أيدي السوق. هناك دائما ضرورة لكي تتدخل الدولة باسم "المصالح العمومية" لوضع ترتيبات تخدم تلك المصالح. المسار المنطقي للرأسمالية هو توالي الأزمات، ولم يستطع هذا المسار أن يخلق بديلا عن تدخل الدولة، وعن ضرورة إعادة الاعتبار لما هو عمومي. ومن أجل أن تمثل أجهزة الدولة أكثر ما يمكن من "المصالح العمومية"، فلا بد من اعتماد الوصفة الديمقراطية المدفوعة إلى مداها الأبعد، والتي تتجاوز المستويات التقليدية للديمقراطية التمثيلية. إن الاشتراكية اليوم هي في النهاية، من بعض الوجوه، الديمقراطية التي تستوعب الآليات الليبرالية الكلاسيكية، وتعمل بها، لكنها تمضي إلى أبعد من ذلك، لتحقيق الأهداف البعيدة للديمقراطية وتحقيق الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والاشتراكية اليوم هي بالضبط توفير وسائل تفعيل ترسانة الحقوق في أجيالها الجديدة. لقد أضحى واجب كل اليساريين في العالم : - ضمان الديمقراطية المتجذرة والعميقة والشاملة. - ضمان وسائل تفعيل ترسانة الحقوق المكرسة كونيا، وخاصة في جوانبها الاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية. - الاندماج في الحركات الاجتماعية. - الاندماج في تيار العولمة البديلة. - الاندماج في حركات الدفاع عن السلام والبيئة والتضامن الإنساني. وبما أن الهيئات الدولية تتحدث في رصدها للتطورات الحاصلة في المغرب، عن وجود مغربين، أو مغرب بسرعتين، فإن الاشتراكية كما يجب أن نقدمها اليوم للمغاربة تعني أساسا تجاوز هذه الازدواجية، والانتقال من المغربين إلى المغرب. من مغرب الأقلية التي تملك كل شيء وتتحكم في كل شيء، والأغلبية الساحقة التي لا أمل لها في إشباع حاجاتها الأساسية والتي تشعر بأن الانتماء للوطن لا يمنحها ما تستحقه، إلى مغرب تشعر أغلبيته الساحقة بأن حقها في الحياة بكرامة مكفول ومُصان. هناك في العالم قوى يسارية نجحت وأخرى أخفقت، وليس هناك مآل حتمي عام، يفرض انتقال اليسار إلى الهامش، وانحسار تأثيره وفعله. كل شيء متوقف على مدى ارتباط القوى اليسارية أو عدم ارتباطها بالحركات الاجتماعية والأسئلة الجديدة. ثانيا- هل النظام السياسي في أزمة؟ منذ منتصف السبعينات، انطلقت في المغرب مرحلة سياسية أطرها النظام بشعار "المسلسل الديمقراطي"، بعد مراحل الديمقراطية المؤجلة، والديمقراطية الحسنية، والديمقراطية المعلقة (حالة الاستثناء). شاركت أغلب القوى الديمقراطية في "المسلسل الديمقراطي" باسم العمل على تغيير البنيات السياسية من الداخل بشكل تدريجي في اتجاه "دمقرطتها"، وكان هناك وعي بوجود إرادة رسمية مقابلة تروم إدماج القوى الديمقراطية تدريجيا في النظام في اتجاه "مخزنتها". انتصر إذن مشروع المخزنة على مشروع الدمقرطة، فهل انتصر النظام؟ استوعب النظام الجزء الأكبر من النخب، وتوفرت له اليوم شروط أسهل لتطبيق مشاريعه وتنفيذ برنامجه الاقتصادي القار الذي لا يتأثر برياح الانتخابات، ولكنه في ذات الوقت يعيش هو أيضا أزمته الخاصة التي تتمثل في نقاط الضعف التالية : 1- تدني نسبة المشاركة الانتخابية ومصداقية المؤسسات، وظهور معارضين جدد من خارج المؤسسات ومن داخلها، يرى النظام في وجودهم إيذاء لصورته العالمية، ويرى في خيارات العنف الذي تمارسه الفصائل الجهادية من المعارضين خطراً حقيقياً على الأمن والسلامة العامة. وفي النهاية فإن النظام يقدر أن هناك تحديات جدية تواجه مشروعه في إظهار المغرب كبلد للاستقرار والانفتاح والتعايش والمؤسسات المتوفرة على قدر من المصداقية والسند الشعبي. 2- استمرار وجود "أزمة اجتماعية"، وتواصل احتمالات الانفجار، وتدني الرتب المغربية في سلم مؤشرات التنمية البشرية. إن خطر "السكتة القلبية" إذن لم يتوارى، فهو لازال يحدق بالأحوال العامة. 3- ملف الصحراء لازال ينتج المزيد من المضاعفات المقلقة والتداعيات الخطيرة، ولازال يتسبب للدولة في الكثير من المتاعب، ولازالت آثار الاختلالات السابقة في تدبير الملف تربك الوضع المغربي والموقف المغربي. صحيح أن فكرة الحكم الذاتي تمثل في حد ذاتها قاعدة إيجابية للحل الدولي المأمول، ولكن الفكرة هي بمثابة طائر بلا أجنحة، إذ لا بد أن تصاحبها جملة من الإجراءات الشجاعة التي تجعلها في النهاية جزءا من اختيار للانتقال الديمقراطي يشمل الجنوب والشمال، ويمنح كل المغاربة أينما كانوا حق امتلاك مصيرهم بأيديهم وتدبير شؤونهم بعيدا عن الوصاية والأبوية والمشروعية الهابطة من أعلى إلى أسفل. 4- فشل النظام في تقديم عرض سياسي جديد، واتساع الشعور لدى العموم بتكرار سيناريوهات الماضي. لا يستطيع النظام السياسي أن يقنع أحدا بأنه نظام ديمقراطي، أو بأنه في طور التحول إلى نظام ديمقراطي. هناك تموضع في مساحة رمادية لا هي بالديكتاتورية ولا هي بالديمقراطية، إنه تموضع يمكن أن نصطلح عليه ب "الهامش الديمقراطي" فقط. الأمل هو أن يتسع هذا الهامش ليتحول إلى ديمقراطية حقة، إلا أننا ومنذ أكثر من نصف قرن على الاستقلال، نرى الهامش يتسع أحيانا، ويضيق أحيانا أخرى، في نظام للدورات السياسية، وفي مخاض عسير وطويل، حسبناه مفتوحا على كل الاحتمالات منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن احتمالات استنساخ الاستمرارية هي الآن تبدو أقوى من احتمالات التغيير. بدأ (العهد الجديد) بدينامية اتسمت على وجه الخصوص باتخاذ سلسلة من القرارات التي تصب في اتجاه تخفيف الاحتقانات وتغيير الوجوه. وتحققت في ظل العهد الجديد بعض الخطوات الهامة، من قبيل : - إقرار مدونة للأسرة حسَّنت الوضع القانوني للمرأة بشكل جذري ومنحتها مكاسب تاريخية. ومع ذلك فإن المكانة الاعتبارية للمرأة ظلت تتراجع، وأصبحت أكثر من أي وقت مضى تمثل ضحية نموذجية دائمة لأعمال العنف والتحقير، فالمرأة المغربية اليوم تؤدي ثمن نفاق واختلالات وتناقضات المجتمع. - إنشاء عدد من المؤسسات العمومية العاملة في مجال رد الاعتبار للثقافة واللغة الأمازيغيتين مثل المعهد الملكي والقناة التلفزية. ومع ذلك فإن القرارات والمؤسسات التي تهم الثقافة الأمازيغية لم تتوفر بعد على إطار دستوري يضمن تحصينها وترسيخها بصورة نهائية. - اقتراح فكرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. ومع ذلك فهذا الاقتراح تم إرفاقة بسلسلة من ردود الفعل والتصرفات غير المطابقة لروحه وجوهره، ولذلك ظل الاقتراح مفتقدًا لعناصر التأهيل الوطني الشامل التي بإمكانها أن تمنح الاقتراح شروط النفاذ والإعمال وحظوظ النجاح وسلطة الإقناع. - تحقيق بعض المنجزات على مستوى البنية التحتية. ومع ذلك فإن هناك ما يكفي من المظاهر والمؤشرات التي تثبت أن تلك المنجزات لم تفض لحد الساعة إلى تحسنات في الحياة المعيشية لأوسع الجماهير الشعبية المحتاجة إلى إجراءات عاجلة للإنقاذ والإسناد والدعم والحماية. فهل تظل ثمرة (الأوراش الكبرى) حبيسة طبقة أو طبقات اجتماعية بعينها؟ ولماذا تخطئ بعض "التحسنات" طريقها إلى الفئات التي تستحق أكثر من غيرها مدها بوسائل الإفادة من تلك التحسنات، ولماذا نخفق دائما في توفير أسباب إعادة توزيع الدخل ودوران محصول "الفوائض" عبر مسالك التماس مع كل أو أغلب الطبقات والفئات والشرائح. - احترام انتظامية الاستحقاق الانتخابي. ومع ذلك، فإن الانتخابات غدت فاقدة للمصداقية. - التخلي عن أغاني المناسبات والملاحم، وعن توظيف الفنون في الدعاية المباشرة لمشاريع النظام، وعن إثقال المواطنين بتحملات إضافية بمناسبة الاحتفالات الرسمية. ومع ذلك، فهناك إحياء لطقوس ثقيلة ومراسيم مكلفة ومظاهر لثقافة الرضوخ وتقديس الشخصية. وهناك "تحملات" جديدة يفرض على الأحزاب ومختلف المكونات أن تؤديها لفائدة الكائن السياسي الجديد، وصلت أحيانا إلى ترتيب نوع من علاقات الطاعة والمخدومية لفائدة هذا الكائن، إلى درجة أن انتخابات مكاتب الجماعات والجهات أثبتت مثلا، أن حق الأحزاب والمستشارين في الترشيح أصبح متوقفا عمليا على قرار حزب الأصالة والمعاصرة بعدم الترشيح. أما إذا قرر الحزب الترشيح فإن منطق اشتغال أجهزة الدولة يقوم على استنفار جميع الوسائل، وبدون أدنى تحفظ، لضمان فوز مرشح الأصالة والمعاصرة. الدينامية التي أنتجت بعض الإيجابيات، رافقتها أو أعقبتها "دينامية مضادة"، أتت أحيانا على تلك الإيجابيات، والتهمت المكاسب المحصلة، وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء، فصارت المحصلة النهائية أشبه بحالة مراوحة المكان. 1- ظلت الدولة ترفض إقرار دستور جديد يعترف بوضوح وبدون التواء بحق الشعب في السيادة، انطلاقا من القاعدة الكونية القائمة على أن "إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم"، ويزيح كل الحواجز التي تصفد عمل تلك الإرادة وتغل يدها وتقبر صوتها. بل إن الدستور الحالي لم يتخلص حتى من القراءة التقليدية التي تجعل الفصل 19، يمنح الملكية سلطة فوق السلطات، غير قابلة للحد أو المحاسبة، ويحول المؤسسات الأخرى إلى كيانات ذيلية، وظل للسلطة الأصل، ويحكم عليها بالتبعية والانقياد ويحرمها من شروط الاستقلال والالتزام بحكم صناديق الاقتراع. 2- عرفت دائرة القرار المزيد من المركزة، وظل برنامج الدولة القار هو مرجع المبادرات والإجراءات الإستراتيجية، وازداد تهميش الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة بصناديق الاقتراع، وتم إنشاء مؤسسات وصناديق ومجالس اقتطعت مساحات من الصلاحيات الاعتيادية للحكومات العصرية، واتخذت مبادرات كبرى في مجالات مختلفة ومتنوعة، رصدت لها اعتمادات ضخمة، بدون أن تستند إلى تداول في الأجهزة التقريرية والتنفيذية الرسمية، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتمديد فترة الإعفاء من الضريبة الفلاحية الشهيرة، وإنشاء المندوبية العامة للسجون، ونشر النظام الأساسي لرجال السلطة.. وتعزز "فريق" التكنقراط في الحكومة، إلى درجة أن الحزب الأول في المغرب، غدا هو "حزب التكنقراط"، الذي يشارك في اتخاذ القرارات الحاسمة بدون أن يطاله حكم صناديق الاقتراع، وتمت "تكنقرطة" الأحزاب من خلال انتزاع قبولها منح لونها السياسي لأسماء ليس لها بها علاقة. وأصبح هناك تدخل حتى في مساطر انتداب مسيرين رياضيين ومقدمي الزوايا ورؤساء بعض الجمعيات الكبرى. 3- فشل "التناوب"، فهو لم يحقق ما وعد به الناس، ولم يتحقق على يديه الانتقال الديمقراطي الموعود، واضطر الجميع إلى الاعتراف بأن المرحلة التي يجتازها المغرب ليست مرحلة انتقال ديمقراطي طبيعي. هناك من يعتبر اليوم أننا في مرحلة انفتاح سياسي أو في مرحلة خروج من السلطوية، أو في مرحلة انتقال متعثرة، أو في مرحلة ما قبل الانتقال، أو في مرحلة انتقال مجهض أو معلق، ولكن بمقتضى النظر السياسي السليم لا يستطيع المحلل السياسي هكذا أن يجازف بوصف الحالة المغربية الآن كحالة انتقال ديمقراطي بملامحه المعروفة. لم تحقق الأطراف المختلفة تراضيا تاريخيا على مقتضيات الإعمال المغربي لآليات الديمقراطية، كما حددتها المرجعية الكونية، وعلى الاعتراف المتبادل، وإقرار الحق في التداول وتمكين الفائز في الانتخابات من وسائل تطبيق برنامجه، والمعارض من وسائل آداء وظائفه النقدية والرقابية وإعداد شروط الانتقال إلى دفة الحكم، وربط السلطة بالمحاسبة والقرار بصناديق الاقتراع. اللعبة الانتخابية لدينا لم تتحول بعد إلى لعبة مؤسسة، ولم تستوعب كل الأطراف ذات التمثيلية، ولم تتوفر شروط حيادية أجهزة الدولة. والنظام كما كان الأمر دائما، يعتبر نفسه معنيا بالنتائج، فهناك نتائج يقبلها، ونتائج لا يقبلها، ولذلك يعد العدة لتجنب المفاجآت غير السارة. 4- بدا للعيان وجه مغرب منسي، واكتشف جزء من المغاربة مغاربة آخرين، يعيشون في جزر منفصلة عن الباقي، إنهم مغاربة أنفكو وآيت عبدي وغيرها من المناطق "النائية"، حيث لا تستطيع دواوير بكاملها تأمين خدمات مولدة تقليدية، ولا يستطيع السكان حتى ممارسة حق الخروج من الدوار، في فترات معينة من السنة. لم يعرف المغرب في الآونة الأخيرة، انتفاضات كبرى، ولكنه يعيش على إيقاع توالي الانتفاضات "الصغرى" المتفرقة. هناك خطر أن تنغلق العديد من المناطق والفئات الاجتماعية أو المجموعات الإثنية أو الفكرية على نفسها، وأن تنفك أواصر علاقاتها ب "الآخرين" وأن يتحول المغرب إلى جزر منفصلة، متباعدة، لا تحاور بعضها بعضًا، ولا تنصت لغير صوتها، ولا تعترف بشيء آخر غير هويتها. إن هذا الانفجار الصامت أو الصراع البارد، يمثل الأرضية الخصبة لكل أشكال التطرف واللاتسامح والانغلاق والتوتر الاجتماعي ولكل أخطار التحلل والفوضى والاقتتال الداخلي. 5- أصبح المغرب شيئا فشيئا، يعرف عالميًا كمصدر لعدد من الآفات والمخاطر، كالمخدرات والانتحاريين وممارسي البغاء من النساء والرجال، وأصبحت تلتصق به صورة بلد الانحلال والتفسخ والرشوة، والبلد الذي يمكن بواسطة المال أن تشتري فيه كل شيء، وأن تحل بواسطته كل المشاكل وتبلغ به كل المقاصد والغايات. وأدى نمو الاقتصاد الأسود، والقطاعات غير المهيكلة، إلى إعطاء الاقتصاد الوطني هيأة مشوهة، وظهرت هناك فئة غريبة من الأغنياء الجدد الذين راكموا ثروات هائلة بسرعة البرق، وفي غفلة عن القوانين والضوابط الأخلاقية، فأصبحت لهم مطالب، وأصبحوا باسم مساعدة الدولة في حربها على الأصوليين أو باسم تعويض دور الدولة في بعض مظاهر الرعاية الاجتماعية، يتوقون إلى اكتساح المؤسسات ولعب دور سياسي والاعتراف لهم بجملة من الحقوق والامتيازات. 6- أدت الحرب على الإرهاب، التي دخلتها الدولة، إلى تحويل مسلسل الإنصاف والمصالحة إلى مجرد بهرجة، وإلى تبديد المكاسب التي وعد بها هذا المسلسل، فجرت العشرات من المحاكمات التي لم تُحترم فيها شروط المحاكمة العادلة، وتم المس بالحق في التنظيم (حل الحزب البديل الحضاري)، وتواصل التعذيب والاختطاف وتلفيق التهم، وتجاوزات الأجهزة الأمنية، بكل اطمئنان، وبدون أدنى خوف من التتبع والمساءلة، وتمت ملاحقات واعتقالات لمواطنين على خلفية انتمائهم الديني أو المذهبي، وطالت المتابعات مدونين ومحامين ومواطنين عاديين اتهموا بالإشادة بالإرهاب أو المس بالمقدسات. وجرت إعادة هيكلة الحقل الديني بمنطق الحرب على الإرهاب، وليس بمنطق الحسم النهائي في اختيار الإصلاح الديني المستجيب لمتطلبات التنوير والحداثة والتقدم. 7- تراجعت مصداقية الانتخابات والأحزاب، وتوطد الانطباع لدى شرائح واسعة بأن النتائج محسومة مسبقا، وأن إرادة الدولة تلعب في النهاية الدور الأبرز في رسم معالم تلك النتائج وخارطتها. إن عزوف المواطنين عن الانتخابات مرده إلى عاملين اثنين بالأساس : أولا- الشعور بأن اللعبة في الأصل مجازية، لأن نتائج الانتخابات لا تغير في مسار حياة الناس أو طبيعة البرامج المطبقة عليهم. ثانيا- الحكم على الأحزاب بانعدام المصداقية والتحلل من الوعود وعدم احترام الالتزامات، وتغليب المصالح الخاصة، وعدم محاسبة المفسدين، والتبعية العمياء وضعف الاستقلالية، والتقلب في المواقف، وحسم الصراعات الداخلية بوسائل غير ديمقراطية، ومنح التزكيات بمنطق نشدان الفوز بأي ثمن، واعتماد تحالفات غير طبيعية، وتحويل الأحزاب إلى رهينة بيد أعيان ليس لهم همُُّ سياسي أصلي، ولا ارتباط وجداني أو فكري بالأحزاب التي يترشحون باسمها. أصبح الناخب ينظر إلى أغلب الأحزاب المغربية بوصفها أشبه بحزب واحد متحد في الخصائص والمسلكيات وردود الفعل، وأصبح الناخب يشعر بوجود نزعة للتماهي المتبادل بين الكيانات الحزبية التي ضعفت عموما، رغم عدد المقاعد المنسوبة إليها، وضمر دورها، وتقلص إشعاعها. وفي الوقت الذي تزايد فيه عدد الأحزاب، تناقص فيه عدد المصوتين، وفقدت الانتخابات طعم الصراع السياسي، وأصبحت حلبة لرهانات أفراد ومجموعات لا تحركها دوافع خدمة مشاريع مجتمعية وبرامج سياسية، وانحسرت السياسة في انتخابات سيطر عليها الأعيان، وأصبح هؤلاء يسعون لتكون الأحزاب في خدمتهم عوض أن يكونوا في خدمتها. 8- تواصل وجود اقتصاد الريع والامتيازات، واستمرت في الوجود ظاهرة جني المنافع المادية بواسطة التقرب من السلطة، وأصبح المخزن الاقتصادي يملي قوانينه العملية على الجميع، ضاربًا عرض الحائط في أكثر من مناسبة أو جانب بأسس التنافسية، ولم يجر قطع دابر الفساد أو التوصل إلى اجتثات ثقافته المتجذرة في سير الدواليب العامة. 9- تمت العودة مرة أخرى إلى أسلوب إعادة هيكلة الحقل الحزبي من أعلى، مما أدى إلى خلخلة المشهد السياسي وخلق حالة من التوتر والتوجس والقلق في الحياة الحزبية. نحن لا نعترض على أي كان في ممارسة السياسة، ولا ننطلق من محاكمة النوايا واجترار الأحكام المسبقة، ولكننا ننطلق من التحليل الملموس لمفردات وعناصر واقع سياسي قائم لننتهي إلى أن الانتخابات الأخيرة سجلت غيابًا لقاعدة جوهرية أساسية في كل انتخابات وهي تكافؤ الفرص. فمنذ البداية وفي انتخابات 2007، ظهر بأن انتقال وزير للداخلية -أشرف من موقعه الرسمي على تحضير الانتخابات من ألفها إلى يائها فجاة وقبل أسبوعين من انطلاق الحملة الانتخابية- إلى مرشح في نفس الانتخابات، يفتقد أساسًا معنويًا سليمًا. ثم تواصلت الإخلالات بالسير الطبيعي للحياة الانتخابية والحزبية : الاستجابة الفورية لمطالب حزب معين وإهمال مطالب أحزاب أخرى – تجميد المادة 5 من قانون الأحزاب خدمة لمصلحة الحزب المعني – استفادة الشخصية الأساسية في الحزب من امتيازات بروتوكولية – عقد تجمعات ضخمة في كل ربوع البلاد في ظرفية لم يكن الحزب قد توفر فيها على طاقم من الأطر قادر على ضبط المعلومات والاستدعاءات وإجراء الاتصالات بالقدر من الشمول والاتساع الذين طبعا اتصالات الحزب بالناس – وأخيرًا سلوك الأجهزة الإدارية اللاحيادي في عمليات تكوين مكاتب الجماعات والجهات. كانت هناك حاجة إلى حزب أغلبي رغم توفر أغلبية حزبية حتى لا يجد النظام نفسه أمام حزب أصولي في مقدمة ترتيب النتائج الانتخابية التشريعية، وكانت هناك ضرورة للحد من نفوذ وتقدم الحركة الإسلامية إذ لم تعد الأحزاب قادرة على لعب هذا الدور، ولذلك اتخذ قرار استقدام لاعب جديد بمؤهلات جديدة ولياقة بدنية جديدة، وتحولت الأحزاب الإدارية إلى أحزاب للدولة من الدرجة الثانية. وفهم الحزب الإسلامي أنه مستهدف، فعمد إلى تقديم مزيد من التنازلات وفروض الطاعة والولاء. إن الصراع بين (الوافد الجديد) و(الحزبية الإسلامية) هو في الأصل صراع بين أصوليتين: - أصولية مخزنية تستخدم الدين لمحاولة تسويغ الاستبداد والأبوية السياسية ومركزة القرار وتقديس الأشخاص وتجاهل حقوق المواطنة. - أصولية شعبوية تقدم نفسها للمجتمع كمدافعة أولى عن قيمه وأخلاقه وهويته وعقيدته، من أجل تحصيل المكاسب الانتخابية ولو بتريج الأساطير والخرافات والأفكار المناهضة للعقل والمنطق والقانون والحداثة. تلتقيان في استعمال الدين ضد التقدم وضد اتجاه التاريخ. وتفترقان في كون الأصولية المخزنية مثلاً تقبل بمناهضة الأبوية على مستوى الأسرة (مدونة الأسرة) وترفض مناهضة الأبوية في الدولة وعلاقتها بالمجتمع، وفي كون الأصولية الشعبوية تقبل بالتحديث التقني على مستوى بنياتها الداخلية مثلاً، وترفض باسم الدين والمرجعية الخاصة للأمة التحرر من اللامساواة بين الجنسين (مناهضة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية). 10- شنت الدولة حربًا حقيقية على الصحافة في محاولة للوصول بنا إلى مغرب بدون معارضة، ومغرب بدون سلطة مضادة حقيقية. يُراد من الصحافة المستقلة أن تكون على شاكلة صحافة تقليدية تستقي ميثاق أخلاقياتها من مرجعية محلية مفترضة، لا علاقة لها بحقوق وضوابط الصحافة كما تحددها الأطر المرجعية الكونية. وفي هذا الإطار، تم التخلص من صحفيين ومنابر صحفية باستعمال القانون غير المنصف والقضاء الذي لا تتوفر له عناصر الاستقلالية، وبخرق للقانون وتجاهل للقضاء أحيانًا، وبإثقال كاهل المؤسسات الصحفية بأحكام بالتعويض ثقيلة، وبضبط الحقل الصحفي، والمنع من الكتابة وافتعال الملفات..إلخ. 11- خضع تدبير ملف الصحراء المغربية للكثير من أوجه التناقض والتخبط وعدم تقدير المسؤولية. وكالعادة ظل الملف حبيس الخطط المقررة في دوائر ضيقة، واكتُفي بإخبار المؤسسات والأحزاب أحيانًا. وكل ما تم جنيه من خلال الأجواء الإيجابية التي أعقبت الإعلان عن مشروع الحكم الذاتي، تم فيما بعد تبديده من خلال بعض القرارات المتسرعة (ترحيل أميناتو حيدر مثلاً). 12- وفي النهاية، فإن النظام يستشعر أعراض الاحتقان الاجتماعي ووجود نزعة تلقائية غامرة لتعميم أشكال الاحتجاج، ويخشى من العواقب، ولكنه يريد إقناع نفسه والآخرين بأن الخروج من النفق ممكن بعد بضع سنوات بفضل الأوراش المفتوحة والتي لا تتطلب في نظر النظام تغييرًا في نمط توزيع السلطة أو تغييرًا في نمط توزيع الثروة، بل تحتاج إلى الجد والعزيمة وخبرة التكنوقراط التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها، ولا تغشاها مصالح طبقية أو رهانات فئوية، بل هي إبداع يتمَّ لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته واستجلابا للنفع العام. إنها الاستمرارية إذن لنهج دام عدة عقود، بعد أن خضع لتجميل وتحسين في المظهر. وبرنامج الدولة القار لم يعد ينازع في جذواه المعارضون السابقون الذين أصبحوا يشاركون في الحكومة. لقد أوجد النظام لكل سؤال من أسئلة السياسة والتنمية جوابه الجاهز. فملف الصحراء يساوي بذل المزيد من التنازلات لأمريكا. والانتخابات تساوي فوزًا دائمًا لحزب الأصالة والمعاصرة أو فوزًا مرتبأ من طرفه. والصحافة تساوي خطة كاملة لإعادة الهيكلة. والتنمية تساوي الأوراش الكبرى. ومواجهة التهميش تساوي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. والإصلاح المؤسسي يساوي الحكامة التقنية والجهوية والقرب والإصلاح الجزئي للقضاء. والحداثة تساوي سياسة المهرجانات ودعم السينما وحقوق المرأة فقط. والحياة الحزبية تساوي الكل ضد واحد. والعلاقات الدولية تساوي الانخراط في التطبيع وفي الحرب الأمريكية ضد الإرهاب. ومواجهة قضايا الهجرة والمخدرات تساوي طلب المزيد من المساعدات من الشركاء الشماليين..إلخ. ثالثا- أزمة المشروع الديمقراطي وفشل اليسار. لم يسبق أن عاش اليسار المغربي أزمة كالتي يعيشها اليوم. لقد كان في مركز قوة معنوية وأخلاقية، وأصبح في مركز ضعف. كان محط الآمال فأصبح وضعه اليوم باعثًا على اليأس. حتى في أحلك ظروف القمع والتنكيل والتقتيل الذي تعرض له اليسار. –أساسًا وقوى ديمقراطية أخرى- ظل يشخص كل معاني النضال والفضيلة والشهامة وظل حيًا في ضمير الشعب وحاضرًا كنبتة عبقة في تربة المجتمع. كيف حال اليسار بالأمس وكيف حاله اليوم؟ بالأمس كان اليسار : - يُنظر إليه على أنه الحامل الرئيسي للمشروع الديمقراطي في مواجهة الدولة، حتى وإن لم يكن أحيانًا في مواجهة نفسه، على قدر كاف من التشبع بالديمقراطية. ومع دلك فإن الديمقراطية كانت تبدو وهي اليسار واليسار هو الديمقراطية. فهو المعارض الأساسي للاستبداد وهو المتصدي له والمحطم لهيبته والرافض لاديولوجيا التسلط والتحكم. - القائد الأساسي للنضال الديمقراطي، وحامل لوائه، ومنتج شعاراته وراسم خططه، ومعبأ الجماهير لخوض معارك تحرير رقابها من الحكم المطلق. - مالك تأثير كاسح على وعي الجماهير والحائز على أكبر قدر من المصداقية السياسية لديها. - رمزًا للحداثة، ومرادفا للتقدم ولإرادة طي مراحل التخلف وحقب التأخر والانحطاط. - حاميًا للمظلومين ومنددًا بالظلم. - صانع الرجال والنساء المتسمين بالاستقامة والنزاهة ونكران الذات وصفاء الذمة ونقاء الضمير والارتباط العضوي بالشعب والإنصات لآلامه. - القادر على كسب المعارك الانتخابية وهزم خصومه بالوسائل السياسية النظيفة وبالحركة الدؤوبة لمناضليه المؤمنين بالقضية، وبتماسك خطابه وقوة حجته وصدق ممارسته وتطابق أفعاله مع أقواله. - المشخص لحقيقة السياسة، فأحزاب اليسار أحزاب حقيقية، غير مزيفة، أحزاب مستقلة عن الدولة، ومالكة لمصيرها بيدها، وسائرة على هدى الإرادة الجماعية لأعضائها، وطامحة للعب الأدوار الكاملة للأحزاب السياسية ، كما هي متعارف عليها عالميًا. - الراعي لعمل هياكل التأطير المختلفة من نقابات وجمعيات واتحادات مهنية، فكان يوفر لها جدارًا تستند إليه لتظل واقفة، مشرأبة إلى المستقبل، ومندمجة في ثقافة التغيير والتحديث والحرية والعقل. - العامل من أجل التغيير الجذري الشامل، والانتقال بالمغرب من وضع إلى وضع، وتعويض البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة ببنيات جديدة تطابق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لكن أغلب الهياكل الحزبية الممثلة رسميا لليسار، أصبحت اليوم : - تعتبر أن الديمقراطية هي الديمقراطيون. ترفع الشعار الديمقراطي في الخطاب، وتطالب حتى بالملكية البرلمانية أحيانًا، ولكنها ترى في تحسين وزنها الحكومي علامة على التقدم نحو الديمقراطية. كلما ازدادت مقاعدها الحكومية، ازداد تفاؤلها، وقدرت أننا في الطريق الصحيح. لقد غدا الإصلاح هو المشاركة، وأصبحت تقبل حرمان الآخرين من حقوقهم الديمقراطية. - تركت عمليا لغيرها قيادة المعارك من أجل الحرية والديمقراطية. - وهنت صلاتها بالجماهير وقدرتها على تعبئة الشعب وتجنيده. - قدمت تنازلات خطيرة للثقافة المناهضة للحداثة. - اصطفت إلى جانب الخطط والبرامج والقرارات والفئات التي تتسبب لأوسع الجماهير في المزيد من التفقير. - فقدت أو كادت تفقد تفوقها الأخلاقي بسبب تساهلها إزاء مخالفات وانحرافات عدد من أعضائها وتحالفها مع خصوم الديمقراطية والنزاهة. - اضطرت إلى جلب الأعيان من أحزاب إدارية مسؤولة أيضًا بتواطئها عن سنوات الرصاص، واستعارت وسائل اليمين، وتماهت مع الأحزاب الإدارية. - أفلست نخبها وتآكلت مصداقيتها وأصبحت أكثر ارتباطا بالنظام، ورهنت وجودها بالولاء له وانتظار إكرامياته، وقبلت قواعد اللعب. - تسببت في انهيار وتراجع عدد من بنيات وهياكل التأطير النقابي والثقافي والمهني التي بُنيت بجهد حثيث وتضحيات جمة. - أصبحت تقبل شيئًا فشيِْئًا تأجيل أو تعليق جوانب حيوية في مشروع الإصلاح، تاركة للزمن وللحكم فرصة التدخل، متى قدَّر بأن الشروط نضجت، لإجراء أي من الإصلاحات. وأصبحت تخضع لسياسة قدرية واستسلامية، وتبتلع كل الأوضاع ومظاهر الشذوذ. فلم تعد مثلاً ترى في وجود حكومة ائتلافية دائمة في المغرب، أي تعارض مع ما يجب أن يكون حسب المعايير الديمقراطية، فالوسائل التي قيل بأن اللجوء إليها أملته ظروف استثنائية غدت هي الأصل. ولكن مع ذلك، هناك نقطتان مضيئتان في حال اليسار "الحكومي". الأولى هي أن حالة الجفاء التي وقع فيها هذا اليسار مع ناخبيه المفترضين، واختياره استعمال أصوات الأعيان المستوردين من الأحزاب الإدارية، جعلت قلة من ناخبي اليسار المفترضين فقط، هي التي حولت تصويتها إلى الأصوليين، أما أغلب ناخبي اليسار فقد اختار بكل بساطة عدم المشاركة في الاقتراع. الثانية هي أن أحزاب اليسار جميعًا، تعيش نقاشات صاخبة، تعكس وجود وعي لدى شرائح واسعة من مناضليها، بالأزمة، وإدراك لمسبباتها وأسبابها، ورغبة معلنة في تجاوزها، واستعداد لحشد الجهوذ وتجميع الطاقات الطامحة إلى طي مرحلة وفتح مرحلة جديدة وإعادة بناء المشروع اليساري. هناك إذن في قاعدة "شعب اليسار" تطلع إلى انطلاق دينامية تستقطب الطامحين إلى بناء المرحلة الجديدة. ومهمة مؤتمرنا هو أن يساهم في تدشين هذه الدينامية. رابعا : أزمة الحزب نحن نقر أننا في مأزق، ذلك أننا ربطنا تقدمنا السياسي بحصول تقدم انتخابي فلم يحصل هذا التقدم الأخير. هذا يفرض علينا طرح السؤال عن العوامل الموضوعية والذاتية للأزمة التي ننوء تحت ثقلها. لنبدأ من نقطة الانطلاق : - هل للأزمة علاقة بتحليلنا السياسي؟ لقد انطلقنا من التشكيك في قدرة مغامرة "التناوب التوافقي" على الولوج بالمغرب عهد الانتقال الديمقراطي، بسبب عدم انبنائها على توثيق للضمانات، وتحديد مسبق للخطوات والالتزامات المتبادلة، وبذلك أضاعت تجربة "التناوب" فرصة الاستفادة من النهوض الجماهيري والزخم النضالي لبداية التسعينات، ولم تستثمر الالتفاف الذي تحقق حول الكتلة الديمقراطية لانتزاع المزيد من المكاسب التي من شأنها أن تحول المشاركة في الحكومة إلى مشاركة في الحكم، وإلى مرحلة تعبد الطريق نحو نظام ديمقراطي مستكمل المقومات والشروط. غمر الالتباس والغموض وعدم الثقة في النفس والتسرع والانبهار، ظروف انبثاق التجربة، فتحدد منذ البداية مصيرها. لقد تم التعويل على تدخل اعتبارات نفسية ومعنوية في سد الخصاص التعاقدي والوضوح الكامل في الأهداف، واعتبار أن المكانة المعنوية للرجل وتاريخه (عبد الرحمان اليوسفي) من جهة، والثقة المتبادلة (بين القصر والحركة الديمقراطية) من جهة ثانية، سيفتحان أبواب التغيير وسيزيحان كل العوائق، وسينتهيان إلى تحقيق الأهداف المؤجلة منذ الاستقلال وإلى إعادة الاعتبار للسيادة الشعبية. انتهى "التناوب" إلى ما انتهى إليه، وكانت النتيجة هي سيادة خيبة أمل كبرى ومدمرة، واعترف اليوسفي بأن أوجه الإعاقة المؤسسية هي ثلاثة : - عدم توفر الحكومة على الوسائل الكافية لتطبيق برنامجها. - وجود ازدواجية بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة. - وجود تقاليد عتيقة (لها حراسها الدائمون) تخل بالسير العادي للمؤسسات. لم ينتبه إذن فرسان التناوب إلى إعداد المضادات الحيوية لإبطال مفعول هذه العاهات الثلاث. قلنا إذن بأن الوضع السياسي منذ أكثر من عشر سنوات ليس انتقالاً أو وضعًا للبلاد على طريق الانتقال. كان التحليل صائبًا، ولكنه لم يكن "منتجا" من الزاوية الانتخابية، رغم الاتجاه العام اليوم إلى تبنيه أو الاعتراف بوجاهته ولو من حيث الخطاب، من طرف الذين عارضوه في وقت من الأوقات بشراسة، واتهمونا بالتشويش على ثورة حقيقية هادئة كانت قيد الإنجاز والتحقق. التحليل السياسي الصائب والسليم لا يمنح أصحابه أوتوماتيكا تفوقًا ميدانيا ولا يسمح وحده بتصدر المشهد السياسي واحتلال مواقع الريادة والرفعة، ومراكز التأثير في الأحداث وصناعة التاريخ. التحليل الصائب يحتاج إلى رجال ونساء قادرين على تحويله إلى قوة مادية وواقع ماثل على الأرض، وإلى ظروف موضوعية مصاحبة ومحيط ملائم، وقبل هذا وذاك،إلى خطة سياسية تستوعب كل هذه العناصر وتصهرها في بوتقة مسار عيني للتحرك والممارسة. هل كانت إذن خطتنا سليمة وفي مستوى سلامة التحليل العام والتشخيص الدقيق والسديد الذي قمنا به لأحوال بلدنا وأحوال السياسة به. خطتنا السياسية على العموم اعتمدت العناصر التالية : - نقطة الانطلاق هي المشاركة في الانتخابات على أساس أن تحصيل تقدم انتخابي سيتيح لنا فرصة تحقيق تقدم سياسي، وهذا الأخير سيتيح فيما بعد فرصة إنجاز تقدم انتخابي، هكذا دواليك، لقد تصورنا أننا سنكون أمام سلسلة مترابطة الحلقات. - المشاركة الانتخابية ستتخذ شكلاً غير مسبوق، وستكون ظاهرة لافتة، إذ سنتقدم للانتخابات كتحالف ثلاثي، فلم يسبق في تاريخ المغرب أن تقدمت في المغرب ثلاثة أحزاب بلوائح مشتركة في انتخابات عامة. المبادرة في حد ذاتها إنجاز رائع، لكن توقيت بعض الإنجازات هو الذي يسمح لها بأن تسجل في التاريخ كإنجازات رائعة. - تصورنا أننا سننجح في تقديم أنفسنا للناخبين كيسار "آخر" مختلف عن اليسار الذي دخل تجربة "التناوب"، وأننا سنجلي ونبسط أمام الناس ما يكفي من العناصر التي تسمح لهم بالتمييز بين يسارين : يسار "حكومي" في حالة هبوط، لأنه خذل الناس، ويسار "معارض" في حالة صعود، يمثل البديل، يسار لم يتلطخ ب "أوساخ" التناوب، وظل يحتفظ بالفكرة اليسارية والمشروع اليساري، في خطابه وبنياته ومسلكياته. - أن هذا اليسار البديل سيصبح نقطة الجذب، "ومركز" اليسار، أو سيتقدم تدريجيًا نحو هذا الهدف، وسيحرك دينامية للتوحيد، ومسلسلا لبناء قطب كبير لليسار، يمثل تحالف اليسار نواته الأساسية، وسيحاول سد جزء من الفراغ الناجم عن غياب معارضة حداثية مستقلة عن الحكم ومرتبطة بالشعب. - أن تحالف اليسار الديمقراطي، سيستطيع انتزاع %5 من الأصوات مما سيؤهله لمواجهة خطر الاندثار والتهميش. - أن نجاح تحالف اليسار سيقوى النوازع الوحدوية لدى مجتمع اليساريين، وسيحرك السواكن، ويضخ نفسا جديدًا في الساحة السياسية، ويستنهض الطاقات التقدمية التي تسببت نكبة التناوب في تجميدها أو دخولها حالة كمون وترقب وخمود. خطتنا في النهاية باءت بالفشل، وأحسن ما حققناه في امتحان 2007، هو رفض الانسياق في خطة التماهي مع النموذج الحزبي السائد، وعدم الخضوع لإغراء استنساخ أساليب الآخرين. ما الذي كان يجب علينا أن نراجعه، وأين أخطأنا؟ - هل كان علينا مثلا أن نستعمل وسائل الآخرين ونستورد الأعيان من الأحزاب الإدارية (الواقعية الجديدة) لنمنح أنفسنا مكانة انتخابية وهمية. إن ذلك يعني بكل بساطة أن نفقد استقلالنا، فيصبح الحزب تابعًا للأعيان وخاضعا لإملاءاتهم وعاجزا عن القيام بأدواره المعروفة كقوة معارضة حقيقية. - هل كان علينا أن نخرج من اللعبة برمتها، ونختار طريق المقاطعة. لكن، المقاطعة ليست سوى نقطة البدأ، فكيف ستكون نقطة الوصول، هل هي على درجة كافية من الوضوح، أم أن الأمر مجرد تحايل على العجز والفشل؟ هل نقبل بلعب دور فكري واحتلال هامش نمثل فيه صوت الضمير فقط؟ أليس في هذا نوع من الانتظارية؟ أليست الانتخابات بالنسبة إلى حزب معارض وفي حجم حزبنا هي في جميع الأحوال لحظة انتعاش وتململ واعتراض واحتجاج واستكشاف للواقع والإمكانات بحيث لا يمكن للحزب أن يوفر لنفسه في الظروف العادية مثل هذه الفرص، ألم يكن هدف النظام وبعض أطراف اليسار الحكومي، هو بالضبط إخراجنا من اللعبة بواسطة مشاريع القوانين الانتخابية الإقصائية؟ أليست المقاطعة مفيدة للآخرين، وتسهل عليهم عملية تصنيفنا في خانة القوى العدمية والطوباوية الحالمة "البعيدة عن الواقع"؟ كيف كنا سنتفادى ألا تكون المقاطعة طريقًا أخرى نحو الانقراض؟ - هل كان علينا أن ندخل الانتخابات لوحدنا، وكيف كنا سنتصرف إزاء لائحتي حليفينا في كل دائرة، ألن تمثل لنا متاعب زائدة، وتعقيدات إضافية؟ ولماذا لم يستطع تحالفنا الثلاثي تحقيق الأهداف المتوخاة منه، واجتذاب ناخبة متنورة، ومتابعة للسياسة، مواكبة لمواقف مختلف الأطراف، ومؤيدة لتحليلاتنا وأفكارنا. هذه الناخبة تمثل حوالي 250 ألف ناخب على الأقل، والذين هجروا صناديق الاقتراع منها صنعوا ذلك لأسباب منها: أ- أن الخيبة المتولدة عن "التناوب" كانت من الحدة والعنف بحيث نشرت لدى شرائح واسعة جوًا من عدم الثقة والمرارة والقرف من السياسة برمتها. ب- أن تلك الناخبة تعتبر أنها لا تتوفر على الضمانات بأن اليسار المعارض، لن يعيد تكرار أخطاء اليسار المشارك في الحكومة. ج- أنها اعتبرت أن اليسار عائلة واحدة، بجناحيه المشارك وغير المشارك في الحكومة، فاليسار يسار بالمفرد وليس بالجمع، تحكمه ذات الثقافة والتربية، وترعرع مناضلوه في نفس البيئة، وتربطه ببعضه البعض أواصر بيولوجية. د- أنها قدَّرت أن تحالف اليسار الديمقراطي لا يوفر الضمانات بأنه قادر على تشكيل قوة سياسية حقيقية في المستقبل، وقادر على إبداع خطط وتحركات يدشن بها مرحلة جديدة، ويسمح من خلالها بتشخيص بعض من مطامح ناخبته وإسماع صوتها. إذن هناك عوامل للأزمة متداخلة، بعضها لا نتحمل فيه المسؤولية، وبعضها الآخر نتحمل فيه المسؤولية، ويمكن أن ندرج في خانة هذا النوع الثاني من العوامل مثلاً : - نحن " لامرئيون" سياسيًا : ضائعون في الزحام. - مشاركتنا في المنظمات الجماهيرية لا تحقق لنا تراكمًا انتخابيا. - انعدام أو ضعف العلاقة القارة والمستمرة مع الناخبين. - معرفة محدودة بالواقع. - تضخم الانشغال النظري لدى أطر الحزب على حساب إنتاج الشعارات المحفزة و"العملية". - عدم القدرة حتى الآن على تفادي تحول خطاب الإصلاحات الدستورية إلى خطاب محفز على القطيعة. - عدم القدرة على الإقناع بأن التصويت لصالحنا سيكون نوعًا من التصويت النافع" (Vote util). - آلة تنظيمية معطوبة وغير وظيفية. - عدم إدراك الاختلافات القائمة بين مكونات التحالف وأثرها على المردود الانتخابي. - التأخر في التحضير للانتخابات. - عدم الانفتاح على المجتمع المدني في المعركة، وضعف وسائل الارتباط به (فكرة اختيار مرشحين من رموز المجتمع المدني). أولاً – تذكير بالأهداف الكبرى لنضالنا الديمقراطي إن المرحلة تقتضي تقديم توضيح ضروري، وهو "لا ديمقراطية بدون ملكية برلمانية حقيقية"، وهذا يتطلب جهذا مزدوجًا : - جهذ تصنيف الذين يستبعدون خيار الملكية البرلمانية في خانة المناهضين للديمقراطية، إذ ليست هناك صيغة للتوفيق بين الملكية الوراثية والديمقراطية سوى صيغة الملكية البرلمانية. فهل يستحق المغاربة أقل من الديمقراطية؟ - جهذ توضيح معنى الملكية البرلمانية باعتبارها تضمن ربط القرار بصناديق الاقتراع، وتحتفظ للملك بأدوار تحكيمية ورمزية. الشرعية التقليدية التي تريد أن تبني نفسها على نظام البيعة وإمارة المؤمنين كمصدر أصلي للقرار، تخالف الآليات الكونية للديمقراطية. ليست هناك "ديمقراطية مغربية خاصة" وليس هناك "ملكية برلمانية خاصة بالمغرب" من حقها أن تحيد عن مقومات الديمقراطية، فكما للديمقراطية آلياتها الإلزامية والضرورية، فللملكية البرلمانية آلياتها الإلزامية والضرورية، والخصوصية لا يمكن أن تتدخل لتعطيل تلك الآليات. في المرحلة التاريخية التي نعيش، يجب أن ينصب نضالنا على تدشين المسلسل الذي يفضي إلى تجريد الاقتصاد والسياسة والمجتمع من المخزنة باعتبارها نظامًا للريع والوصاية والتسلط. 1- الإصلاح الاقتصادي (أو لامخزنة الاقتصاد) هو محاربة اقتصاد الريع والامتيازات، وحماية شروط التنافسية، وجعل الدولة في خدمة الجميع لا في خدمة الطبقة أو الطبقات المخزنية. 2- الإصلاح السياسي والمؤسسي (أو لامخزنة السياسة) هو إدخال إصلاحات بنيوية شاملة على مؤسسات الدولة تطابق متطلبات الملكية البرلمانية، وترفع الوصاية عن الشعب وعن السياسة. كما يتعين إعادة تأهيل الحقل الحزبي، وتوسيع الحريات، وضمان استقلال القضاء، وانفتاح وسائل الإعلام العمومية وانفتاح اللعبة الانتخابية...إلخ. 3- الإصلاح الاجتماعي والثقافي (أو لامخزنة المجتمع) ويشمل نشر ثقافة المواطنة، وتثمين قيم العلم والاجتهاد والعمل، وحماية الإبداع، والانفتاح على التراث الإنساني، وتحقيق الإصلاح الديني الحقيقي، وتجذير تيار التنوير والحداثة، وإصلاح التعليم ومؤسسات التنشئة الأخرى، وتفعيل حقوق المرأة وحمايتها، وضمان حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة...إلخ. ثانيا- الوسائل والخطط. 1- الأداة الحزبية : مواصلة الريادة في طبيعة النمط التنظيمي المختار (حزب متعدد التيارات). 2- إصلاح المنظمات الجماهيرية، ويتجلى ذلك أساساً من خلال اعتماد ميثاق عمل في حظيرة هذه المنظمات، ومراجعة خارطتها، وتوحيد الجهود وتجميع الطاقات، والحد من الهدر المسجل في الإمكانات، خدمة لشروط تقدم المشروع الديمقراطي الشامل (هل من الضروري أن يستمر عمل اليساريين في كل هذا العدد من المركزيات النقابية مثلا). 3- تحالف اليسار الديمقراطي : سيكون من غير السليم سياسيا الخروج من التحالف، في وقت عمت فيه الشكوى من البلقنة، وفي وقت نعتبر أنفسنا الأكثر دفاعاً عن خط النضال الوحدوي، ونقول فيه أن هناك أحزاباً "صغيرة" يسعى البعض إلى توفير شروط اندثارها، ولكن سيكون من غير المنطقي أيضا أن نستعظم دور تحالف اليسار الديمقراطي ونعتبره الوسيلة الوحيدة لتحقيق الخروج من الأزمة. يجب إذن، أن نربط التقدم في مسيرة التحالف ب : - درجة التقدم في الوضوح السياسي والبرنامجي. - خطة موحدة في المنظمات الجماهيرية، حتى نضمن الانسجام في المواقف بين سلوك اليساريين وتعاملهم مع بعضهم البعض كإطارات حزبية، وسلوكهم وتعاملهم مع بعضهم البعض داخل الإطارات الجماهيرية. 4- تحويل (فضاءات اليسار) إلى هيئات قاعدية وظيفية، وتجاوز وضعها كمنتديات للنقاش، وإدخالها في مسار خوض المعارك المشتركة، وتعميمها، وتبادل التجارب بينها، وانفتاحها على طاقات يسارية وتقدمية وإطارات مدنية، ومثقفين متنورين. 5- اعتماد ميثاق مشترك لليسار كمرجعية للبؤر المتحركة التي سُميت حتى الآن فضاءات اليسار، والتي يمكن أن تطلق على نفسها إسما جديدا يدل على طابعها الدينامي، وإصدار إعلان من تنسيقية مؤقتة لبعض رموز اليسار –أو إعلانات- تحث على تجذير وتكثيف هذا الاختيار النضالي القاعدي. إن تجاوز شروخ الماضي، وبناء يسار متحرر من أخطاء الماضي ومتصالح مع نفسه ومع ناخبيه سيتطلب بعض الوقت، ولكن دينامية يسارية في قاعدة المجتمع ستكون لها كلمتها التي ستقولها غدًا. الدارالبيضاء 13 يونيو 2010 ملاحظات على الهامش : • هذه ليست أرضية، ولا حتى مشروع أرضية، بل هي ورقة يمكن أن تمثل فيما بعد أرضية، أو تُدمج مع أرضية أخرى، أو تُسحب. وفي جميع الأحوال، فهي قابلة لجميع أشكال التعديل والتغيير والإضافة والحذف. • الفرع الثاني من الورقة غير مكتمل، إذ من المنتظر أن تُدمج فيه : - ورقة حول الأداة. - ورقة حول التوجهات الكبرى للإصلاح الدستوري (أُعدت). - ورقة حول التوجهات الكبرى للإصلاح الاقتصادي (أُعدت). - ورقة حول التوجهات الكبرى للإصلاح الاجتماعي والثقافي. - ورقة حول ميثاق اليسار (أُعدت). - ورقة حول دور الحزب في المحيط الخارجي. - ورقة حول الحد الأدنى من الالتزامات الاشتراكيين في عالم اليوم، وخاصة الموقف من الخوصصة. • من أجل إبداء الملاحظات حول ورقة وتقديم مقترحات الإضافة أو التعديل أو الحذف، يمكن الاتصال بالعنوان الالكتروني التالي :