الكل يتحدث عن أزمة اقتصادية بالمغرب كانعكاس بالظرفية العالمية، ثم كيف يمكن أن نعيش الأزمة مع نسبة نمو بلغت 5 في المائة؟ أولا الأزمة الاقتصادية التي يعرفها المغرب هي قائمة قبل الأزمة العالمية وتستمر بحدة معها.
لكن الحكومة تتحدث عن نسبة نمو في حدود 5 في المائة؟ التقديرات تتحدث عن 4 أو5 في المائة، والمهم أنها وتيرة غير كافية لأنه حسب أبحاث متعددة، إذا ما أردنا بلوغ نسبة مستوى الدخل الحالي للفرد في دول مثل تركيا وماليزيا والشيلي (دول يمكن مقارنة المغرب معها)، فعلينا الانتقال إلى نسبة نمو تقترب من 8 في المائة، أي ضعف المستوى الحالي، وأن نحافظ على هذه الوتيرة خلال أزيد من 20 سنة.
لكن الحكومة تقول إن نسبة النمو هذه تؤثر بصفة مباشرة على سوق الشغل؟ قلت ان ما تعتبره الحكومة "إنجازا عظيما وهاما" لا يمثل إلا النصف لما يجب أن تحققه، هذا إذا كانت فعلا تسعى إلى بلوغ نفس نسبة دخل الفرد في دول نامية تشبهنا.
وعلى مدى 20 أو 25 سنة، أما بالنسبة للشغل، الإحصائيات الرسمية تبين أن الاقتصاد المغربي، لن يخلق خلال الخمس سنوات الأخيرة، إلا ما يقرب مائة ألف منصب شغل، في حين يزداد كل سنة الطلب على الشغل ب300 ألف شخص... وهذه أرقام في غنى عن كل تعليق.
هل نسبة النمو التي لا تؤثر على نسبة دخل الفرد هي التجلي الوحيد للأزمة الاقتصادية؟ هناك عدة نقاط ضعف في الاقتصاد المغربي، منها أن نسبة النمو في المغرب ليست ضعيفة فحسب، بل هي أيضا غير قارة، ترتفع أو تنخفض بشدة مع تقلبات الإنتاج الفلاحي الذي بدوره لا زال يتغلب مع التقلبات المناخية وهذا تعبير صارخ عن مدى تخلف الاقتصادي المغربي بعد 50 سنة من الاستقلال.
كيف؟ فهذه التقلبات المناخية تنعكس بشكل مباشر على نسبة النمو، عبر وقعها القوي على القطاع الفلاحي، إذا كانت السنة الفلاحية جيدة فإن نسبة نمو الاقتصاد الوطني تكون مرتفعة والعكس صحيح....
كيف يمكن للقطاع الفلاحي أن يؤثر على نسبة النمو رغم التغييرات التي شهدها النمو الديموغرافي في المغرب إذ أصبح سكان المدن أكثرية؟ صحيح أن القطاع الفلاحي لا يساهم إلا ب15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ولكن يجب أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار القطاعات المرتبطة بالفلاحة كالصناعة التحويلية والخدمات وقطاعات أخرى مختلفة، من جهة أخرى نعم هناك انخفاض في نسبة السكان النشيطين في القرى، ومع ذلك مازالوا يمثلون 40 في المائة من السكان النشطين، ولهذا تأثير مباشر على الإنتاجية. ولهذا تأثير مباشر على مستوى المداخيل، وبالتالي على الإنتاجية.
مستوى الإنتاجية في الفلاحة، كما في قطاعات أخرى بالمغرب، ضعيف جدا.
كيف تفسر هذا الضعف وهل يمكن أن نتجاوزه بسياسة الانفتاح المتبعة من قبل المغرب؟ هذا الانفتاح غير المدروس من الأخطاء القاتلة للحكومات السابقة، وعوض أن تقوم هذه الحكومات بإصلاحات بنيوية حقيقية من أجل تقوية النسيج الإنتاجي، لجأت إلى عقد اتفاقيات للتبادل الحر مع عدة دول ذات إمكانيات عالية لغزو أسواقنا. إن الانفتاح في إطار ضعف التنافسية يؤدي لا محالة إلى عجز الميزان التجاري وتفاقم مشاكل اللا توازن الخارجي، حيث معدل تغطية الواردات بالصادرات يمثل 50 في المائة، وإلى حد الآن لم نستطع أن نتجنب الكارثة إلا بفضل عائدات مغاربة مغاربة الخارج والسياحة..... ولكن إلى متى؟
هل ضعف الإنتاجية له ارتباط بتقسيم الأراضي؟ بصفة عامة إن البنيات الاقتصادية العتيقة وغير المؤهلة من فلاحة وصناعة تفتقر إلى شروط الإنتاجية والتنافسية، كما أن قطاع الخدمات هش ويعاني من عدم تنظيمه وضعف إنتاجيته وهيمنة الاقتصاد غير المهيكل، الذي يتطور بصفة عشوائية وإلى حد أن بعض التقديرات تعتبره يمثل ما بين 40 و70 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
المغرب يعاني من مشكلة كبيرة وهي ضعف الموارد الطبيعية وهذا ليس للدولة دخل فيه؟ صحيح أن المغرب له مشاكل أخرى ومتعددة، منها مشكلة الموارد الطبيعية. نعم مواردنا محدودة وتتدهور سنة بعد سنة كمشكلة المياه (معدل المتر المكعب للفرد لا يتجاوز 700 ملمتر) ومشكلة محدودية الأراضي الزراعية التي لا تتجاوز 9 مليون هكتار ومشكلة التصحر ومشكلة تقلص الغابات و....و.....
مع كل هذا لا يجب أن ننسى مشاكل يتسبب فيها الإنسان، وبالضبط الإنسان (الحاكم) أو صاحب السلطة، كتفشي اقتصاد الريع الذي يشمل جل القطاعات، إنه امتياز بمنطق سياسي سلطوي لا اقتصادي لتحقيق الربح خارج المنافسة....فنحن أمام نمط حكامة من أجل ضبط المجتمع والتحكم في آليات الهيمنة عليه.
بهذه الصورة القاتمة عن اقتصاد عتيق غير مهيكل، فإن إصلاحه غير ممكن بدون إصلاح سياسي؟ طبعا أقول دائما أن أي إصلاح اقتصادي هو سياسي بامتياز... لازالت عندنا مشكلة الحكامة في المغرب قائمة. فمن يقوم بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية العمومية لا يحاسب. كما أن البرنامج الاقتصادي ليس برنامج الأحزاب السياسية، إنها برامج الملك، برامج لا أحد يناقشها رغم افتقارها لمشروعية ديموقراطية. لنأخذ على سبيل المثال اتفاقية التبادل الحر والأشغال الكبرى ومشاريع المغرب الأزرق والأخضر. هذه المشاريع جميعها لم تحصل على المشروعية الديموقراطية الخارجة من صناديق الاقتراع، مع أنها تعبئ رؤوس أموال ضخمة وترهن مستقبلنا بشكل حاسم، لا زال البعض في هذا البلد لم يقتنع أن النجاعة الاقتصادية مرتبطة بالحكامة الجيدة وبالتالي بالديموقراطية وهذا ما نفتقد إليه في المغرب.
ما يجب أن يصلح هو النظام إذن؟ نعم إنه يجب أن تعمل أولا على ربط صلة بين صناديق الاقتراع والقرار السياسي والمحاسبة، أي إقرار نظام ملكية برلمانية حقيقية، آنذاك يكون معنى لنقاش حول الاختيارات الاقتصادية الناجعة.
ألا تعتقد أن الدستور الجديد سيحل مشاكل مثل هذه؟ الدستور الجديد لا يحل أية مشكلة من المشاكل التي تحدثت عنها، لأنه دستور بعيد عن ملكية برلمانية، فما زلنا في إطار نظام ملكية تنفيذية يسود فيها الملك ويحكم، فهو أول فاعل اقتصادي والمقرر الأساسي والرئيسي للسياسات العمومية. إنه (الخصم والحكم)، مثلا هل يعقل أن يكون الملك من أكبر الفاعلين في المجال الفلاحي ويقرر إعفاء القطاع الفلاحي من الضرائب؟
لكن الدستور الجديد أثار مواضيع تتحدث عنها؟ الدستور الجديد لم يأت بأي تغيير يذكر في هذا المجال، لنأخذ على سبيل المثال صندوق المقاصة، مازال يتخبط في نفس المشاكل منذ أزيد من أربعين سنة ولم تستطع أية حكومة أن تقوم بإجراءات لإصلاحه، وجوهر المشكل ليس تقني بل سياسي. إلا أن (كلفة اللا إصلاح) أصبحت اليوم لا تطاق، حيث كلفة هذا الصندوق تتجاوز 45 مليار، وما يناهز 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام بعد أن لم تتعد هذه النسبة ن 0،5 إلى 1،5 خلال التسعينات
إن الكلفة الحالية تظهر أيضا مدى تبعية المغرب للخارج فالتبعية الغذائية في ارتفاع، والتبعية الطاقية دائمة...
ومع الأسف سيستمر هذا الوضع على الأقل إلى حدود 2013 أو2014 لأن الحكومة المقبلة ستأخذ هي أيضا وقتا لدراسة الموضوع والبحث عن الحلول الممكنة..
هل فرض الضرائب على الأغنياء يمكن أن يخفف من العحز؟ كان من الممكن فرض ضريبة على الأغنياء، لكن هذه الحكومة فعلت العكس؟ حيث الضريبة بالنسبة للشركات الكبرى من 35 في المائة إلى 30 في المائة، وقلصت أيضا من الأسعار الكبرى للضريبة على الدخل وكل هذه التخفيضات، لم تكن إلا هدايا مجانية لصالح الأغنياء.... الشيء الذي عمق من الفوارق الاجتماعية وساهم في تقليص موارد الدولة وبالتالي في تفاقم العجز المالي للدولة.
مع هذه الصورة القاتمة عن الوضع الاقتصادي بالمغرب هل المغرب يتجه نحو الثورة؟ مع الأسف الشديد، النظام المغربي ضيع فرصة ثمينة، كان بإمكانه جعل الحراك الاجتماعي صيرورة إصلاحية سلمية تنشد التقدم والإصلاح الدستوري؟
لقد وقع إصلاح دستوري وصوت المغاربة على دستور جديد؟ أنا أتحدث عن إصلاح حقيقي يصل بنا إلى ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.
والحل الآن؟ أمام النظام الحاكم حلان، إما الاستمرار في إغماض عينيه والهروب إلى الأمام بتنظيم انتخابات مزيفة لا قيمة لها وإما أن يفهم رسالة الشباب، ويلبي بجدية مطالبهم، والقيام بإصلاح حقيقي والانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية.
ألا تخشى الاكتساح الإسلامي من "العدل" والسلفية للانتخابات ؟ هذه فزاعة وظفها النظام كي لا يقوم بالإصلاحات السياسية الضرورية، ويتمادى في سياسته العتيقة: (فرق تسود). هذا لا يعني أنه لا يجب علينا أن نبقى حذرين لمواجهة أصحاب الأفكار الظلامية. أشير إلى أن النظام لعب بالنار، حيث ذهب إلى توظيف الزوايا والسلفية للدفاع عن النظام. أظن أن من بين من المشاكل المؤسساتية الكبرى في مغرب اليوم، هناك عدم توفر الدولة على أناس لهم بعد نظر، يفكرون في مآل المغرب ونظرة استراتيجية لمستقبله.
وماذا عن العدل والإحسان أتعتقد أنها جماعة تؤمن بالديموقراطية ولماذا الاستمرار في التحالف معها في حركة 20 فبراير؟ إذا أخذنا التطور الذي حدث في المرحلة الحالية بدفاعهم عن "الدولة المدنية"، فهذه خطوة إيجابية... حركة 20 فبراير حركة وليست حزب سياسي، هي حركة يجب أن تضم كل من له مصلحة موضوعية في التغيير، بغض النظر عن إيديولوجيته ومذاهبه الخاصة. وطبعا التحالف المطلوب هو مرحلي وليس استراتيجي، ويبقى أنه يتطلب ميثاق مكتوب متعاقد عليه من طرف كل المكونات المشكلة للحركة، ميثاق من ثلاثة شروط "الدولة المدنية" و"الملكية البرلمانية" و"الحريات الفردية". إذا وقع التعاقد حول الحد الأدنى لهذه الشروط الثلاثة أظن أن هذا سيكون من شأنه تعزيز الحركة وفتح آفاق واعدة أمامه.