يتخوف المسؤولون عن مديرية الضرائب من استمرار التهرب الضريبي، لاسيما أن إحدى الدراسات أكدت أن حجم الضرائب غير المستخلصة تبلغ 30 مليار درهم، أي نحو 8 بالمائة من الدخل الإجمالي الخام في المغرب. وتتعدد الأسباب لا سيما في ظل الاختلالات التي تطبع المنظومة الضريبية بالمغرب، وهو ما يسهم في العديد من المفارقات، من بينها امتلاك الثروات لصالح أقلية وإفقار أغلبية السكان. تهرب ضريبي أكد نور الدين بنسودة، المدير العام السابق لمديرية الضرائب بوزارة المالية والاقتصاد، في تصريحات صحفية أن حوالي 60 في المائة من الشركات الخاصة لا تدفع مستحقاتها من الضريبة على الشركات، وهو ما يعني أن خسائر خزينة الدولة كبيرة جدا، وتطرح هذه النسبة الكبيرة نقطة استفهام حول الأسباب التي تقف وراء هذه الإشكالية. أصحاب القرار يؤدون على ضرورة التكثيف من المراقبة، ويحاولون اعتماد إجراءات من أجل التخفيف من الثقل الضريبي الذي يوجد بالمغرب، في حين يؤكد أرباب العمل أنه إذا تم احترام جميع الضرائب الكبيرة المفروضة على الشركات فإنها سوف تتعرض للإفلاس. وفي ظل تشبت كل طرف برأيه، يرى مهتمون أن المغرب ملزم بإصلاح ضريبي شامل، وعدم الاقتصار على الإجراءات القليلة التي يأتي بها القانون المالي، بالإضافة إلى أن العديد من الشركات تتهرب من الضريبة على الرغم من أرباحها الكبيرة، وهو ما يضيع على خزينة الدولة موارد كبيرة. وتشير بعض المؤشرات إلى أن الإدارة الضريبية تعرف فقرا في الموارد البشرية من أجل الحد من التهرب الضريبي، إذ تتوفر على 400 مدقق فقط. ويرى العديد من المراقبين أنه يجب اعتماد إصلاحات جوهرية في المنظومة الضريبية، خصوصا بعدما تراجعت مداخيل الدولة خلال 11 شهرا من السنة الماضية حوالي 2 مليار و249 مليون درهم، مقارنة مع نفس الفترة من السنة 2009، منتقلة من 151,7 إلى 149,5 مليار درهم. اختلالات أكدت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترانسبرانسي المغرب» أن هناك إقرار لمزايا جبائية خارج قوانين المالية خاصة فيما يتعلق بإعفاء المداخيل الفلاحية، وضعف نظام الرقابة الداخلية لدى إدارة الضرائب (عدم وجود دليل مساطر للتدبير الإداري، وغياب الافتحاص الداخلي وذلك بالنظر إلى اللبس الحاصل بين عمليات التفتيش والافتحاص، ورقابة التدبير (غياب الآليات، وأدوات المتابعة، ومؤشرات التدبير، ولوحة القيادة...)، وضعف الانخراط في نظام الإقرار عبر الانترنت، (ما يناهز 60 مقاولة منخرطة في هذا النظام فقط خلال سنتين)، وغياب جدول للمسار الإداري، ولنظام تراكم الخبرات يمكن من تدبير ديناميكي ومنصف للموارد البشرية، وضعف التواصل مع الجمهور الواسع عبر مختلف وسائل الإعلام. ويعرف النظام الضريبي بالمغرب العديد من الاختلالات، وهو ما يسهم في تكريس بعض المشاكل السوسيو اقتصادية، وأبرزت ترانسبرانسي ضعف إن لم يكن غياب النشاط الجمعوي المستقل، وغموض شبه تام في مسلسل الإعداد ولاسيما عمليات اتخاذ القرارات بخصوص برامج المراقبة الجبائية، وضعف استقلالية لجان الطعن الجبائي، وضعف تأطير/إعداد العمليات ذات المخاطر الكبيرة، حيث تسود علاقات القوة (ما يسلمه الشخص لنفسه من مباني، الضريبة على الدخل المفروضة على الأرباح العقارية، المراجعة بسبب النقص في الثمن برسم واجبات التسجيل، حيث لا يفرض القانون الجبائي في هذه الحالة الأخيرة على الإدارة الضريبية تبرير قراراتها بمراجعة الأثمان). ويشكل النظام الجزافي في مجال الضريبة على الدخل أهمية، الشيء الذي يمثل مصدرا للتجاوزات وللممارسات المشبوهة ( موروثة من النظام الجبائي القديم)، حسب المصدر ذاته، الذي أكد وفرة الفاتورات المزورة، والفاتورات الوهمية، وضعف التنظيم القانوني في مجال تسليم الشواهد الجبائية، وضعف التنظيم، وضعف الإطار القانوني في مجال التحصيل الجبري، وهي المهمة الجديدة التي أوكلت إلى المديرية العامة للضرائب (ضعف الموارد البشرية، ضعف الخبرات...). إفقار المواطنين أكدت ترانسبرانسي المغرب أن النظام الضريبي يسهم في امتلاك الثروات لصالح أقلية وإفقار أغلبية السكان، فضلا على أنه يعاني من ضعف المساواة والتي تتناقض مع التصريحات الرسمية في العديد من المناسبات. وأضافت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن الإدارة الضريبية تعتبر من بين القطاعات الأكثر تعرضا للرشوة. واعتبر الاستطلاع الذي أجراه المركز المغربي للظرفية الاقتصادية في منتصف سنة 2010 أن 72 بالمائة من عينة المستجوبين، التي ضمت أساسا فاعلين اقتصاديين ومستثمرين، تعتبر الضغط الضريبي في المغرب قويا مقارنة مع الدول المنافسة والصاعدة. وهو ما يشكل في نظر هؤلاء ‘' عامل سلبي يحد من نمو الاقتصاد الوطني''. في ذات الاستطلاع يرى 91 بالمائة من المستجوبين بأن استمرارية إصلاح النظام الجبائي في المغرب أصبح ‘'مسألة مستعجلة''. كما أن 51 بالمائة من العينة المستجوبة ترى أن نسبة الضريبة على الشركات يجب أن تتحدد مابين 15 بالمائة و25 بالمائة. وسبق لنزار بركة وزير الشؤون العامة والاقتصادية، أن قال بأن أي حديث عن التنافسية في المجال الضريبي دون ربطه بوضعية الاقتصاد المغربي وبالجوانب الاجتماعية من شأنه أن يضيع على المغرب ‘'ما تحقق لحد الآن في مستوى تدبير اقتصاده''. محذرا من ‘'المطالبات المتكررة بتخفيض نسب الضرائب دون مراعاة تكاليف الدولة''. وقال بركة: لا نريد أن نتجه بالمغرب إلى النماذج التي انهارت اقتصادياتها بفعل عدد من الإصلاحات غير المدروسة واليونان وايرلاندا أمام الجميع. وإذا كانت أولويات الحكومة الحالية اقتصاديا، تتمثل وفق بركة، في الحفاظ على نسبة النمو الجالية عبر الرفع من الاستهلاك الداخلي، ثم البحث عن زيادة نسبة النمو من خلال الاستثمارات الخارجية، ثم مصاحبة مختلف الفاعلين، فإن المطلوب ‘'ربط أي إصلاح ضريبي بنجاعته الاقتصادية والاجتماعية''.