في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار الى مستقبل خريطة التحالفات السياسية سواء الحكومية او النيابية من خلال التنسيق البرلماني بين فرق الاحزاب في السنة التشريعية الحالية، خرج الاتحاد الاشتراكي ببلاغ يقول فيه انه سيرفع مذكرة الى الملك يقترح من خلالها كيفية تطوير الحياة السياسية والانتخابية، وهو نفس الامر تقريبا ذهب اليه حزب الاصالة والمعاصرة حيث كشف بلاغ صادر عن مكتبه السياسي لحزب ، أنه يستعد لإعداد مذكرة من أجل رفعها للملك محمد السادس وذلك بهدف المطالبة بتعديل دستوري يهدف إلى ملء "بعض حالات الفراغ"، "اجتماع المكتب السياسي عرف نقاشا معمقا حول ما أبرزته الممارسة من حدود بعض المقتضيات الدستورية عند إعمالها وكذا الحاجة إلى تأطير دستوري لجوانب من الممارسة السياسية تفاديا لبعض حالات الفراغ المعياري"، اكيد ان اللبيب والعارف بقوالب السياسة سيكتشف ان هذا الفراغ الدستوري يقصد به كيفية تعيين رئيس الحكومة خصوصا انه لا يوجد نص دستوري يحدد الشخص الذي سيعينه رئيس الدولة، بمعنى لم يحدد صفة الشخص في الحزب الفائز، لماذ هذا التفسير معقول ومنطقي؟ لان المتتبع للنقاشات التي كانت تروج قبيل الانتخابات الاخيرة سواء قبل الحملة او بعدها كانت تتجه نحو سيناريوهين، الاول كانت تروج له جهات مقربة من حزب الاصالة والمعاصرة بهدف خلق ما تسميه "حكومة وطنية"، السيناريو الثاني هو إمكانية تعيين تقنراط على رأس الحكومة، السيناريو الاول حيث انخرط فيه بعض المحللين السياسيين في الدفاع عن هذه الاطروحة التي تفتقد للأسس الدستورية والعرفية، هذا السيناريو يدافع عن مسألتين أساسيتين يمكن ربطها بمذكرة البام التي يتوقع ان يرفعها للملك خلال الايام المقبلة، المسألة الاولى في ترويج إمكانية عدم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز او على الأقل تعيين عضو من الحزب كما ينص الدستور "هنا لابد من الإشارة ان الدستور ليس فقط ما هو مكتوب بل هناك عرف دستوري يفرض تنصيب الأمين العام للحزب الفائز على رأس الحكومة" حيث كتب العديد من محللي ومقربون من الاصالة والمعاصرة بفرضية تعيين عزيز الرباح وتشكيل حكومة وحدة وطنية يتحالف فيها الخصمان البيجيدي/البام، والمسألة الثانية روجت كثيرا بعد ظهور نتائج سابع اكتوبر، بمعنى إمكانية تعيين عبد الاله بنكيران على رأس الحكومة أصبحت واقع سياسي وهنا البحث عن تخريجات سياسية للدفاع عن تحالف الغريمين البام والبيجيدي، واحداث نوع من المصالحة السياسية وهي التي يروجها الياس العماري مؤخرا. السيناريو الثاني، وهو الذي كان يهدد المسار الإصلاحي بالمغرب، سيناريوا الانقلاب على المنهجية الديمقراطية، وهو الشيء الذي قطع معه ملك البلاد بذكاءه وبدعوته في البرلمان الاخير الى مواصلة الإصلاح خصوصا إصلاح الادارة التي كان بنكيران سبق وان قال في حوار صحفي ان إصلاحاته تعاني من مشكلة عويصة متعلقة بضعف الادارة وفساد بعض أطرها، اذن هذا السيناريو فشل في المغرب فشلا ذريعا لانه يفقد لسند شعبي. وبالرجوع الى بلاغ المعاصرة، وبالتأمل في بعض العبارات الدقيقة، وان كان البلاغ لم يحدد بشكل دقيق عن مضامين التعديل الدستوري الذي يطالب به، مكتفيا بالقول إن "أعضاء المكتب السياسي سبق لهم وأن ذكروا بهذا الخصوص بمختلف مقترحات الحزب التي أنتجها في سياق إعداد دستور 2011، وما أعقبها من مقترحات للحزب ترتكز جميعها على تأويل ديمقراطي لقانوننا الأسمى واستكشاف سبل تطوير مقتضياته ومراجعته ضمن هذا المنطق"، ماذا يقصد البام بالتأويل الديمقراطي للدستور في هذه اللحظة التي تشكل فيها الحكومة، استحضار الزمن السياسي هنا يعطي نتيجة واحد البام لا يريد تعيين امين عام البيجيدي رئيسا للحكومة. البلاغ ذاته أوضح أن الرسالة التي يعتزم البام رفعها إلى الملك تهم أيضا ملاحظات الحزب حول "المسلسل الديموقراطي"، مشيرا أن "المكتب السياسي تدارس قضايا تتعلق على الخصوص بطبيعة الخطاب السياسي المستعمل من قبل بعض الأحزاب ومخاطره على الاختيار الديمقراطي، وكذا قضية استعمال الرأسمال الرمزي للدين الإسلامي في الاستحقاقات الانتخابية وأثاره السلبية على المدى القصير والمتوسط"، مضيفا أن "المكتب تداول أيضا في مقترحات تتعلق بتحديد يوم الاقتراع وبتطوير إمكانيات الأحزاب السياسية، وبشفافية التمويل ومراقبته"، بمعنى ان التعديل الذي يطالب به حزب الياس العماري، هو لجم خطاب بنكيران الذي يعاديه ويرفضه، البام يرفض "شعبوية بنكيران" لان الاخير له قدرة تواصلية خارقة واستطاع إقناع فئات كثيرة بالتصويت العقابي لحزب البام، بنكيران يشدد في كل خرجاته الاعلام على فكرة رفض حزب البام ويصفه غالبا بحزب التحكم، اذن لا جديد على مستوى بلاغ الاصالة والمعاصرة، الا مسألة واحدة هي محاولة اقحام الملك فيدالصراع السياسي، ومحاولة فرض أمور متعلقة أساسا بتنافس البرامج السياسية، بمعنى اخر التعديل الدستوري يقتضي ان يكون قبل كلشي قضية رأي عام وليس فقط مطلب حزبي ضد حزب اخر منافس .