قبل نهاية الولاية الحكومية الحالية، صار من الممكن تحديد معالم التحالفات المقبلة والممكنة في استحقاقات 7 أكتوبر، من خلال العديد من المبادرات السياسية والخطابات الإعلامية لعديد من زعماء الأحزاب السياسية، فالبرغم من كون الانتخابات النيابية أو البرلمانية في الدول التي تحتكم لسلطة صناديق الاقتراع، التي تعد بارومتر محدد لمنسوب الديمقراطية في أنظمتها، وكذا جزء من عملية التداول السياسي التي تتنافس من خلاله الأحزاب السياسية على السلطة، فإن هذه الاستحقاقات الانتخابية في بلدنا الذي لا يزال يترنح على سكة الانتقال المزعوم لا تصل لمستوى التداول على السلطة لأنها تحتكم لبراديغم "الشيخ والمريد" كما شرحه الأنثربولوجي عبد الله حمودي في أطروحة قل نظيرها في العالم الثالث وهو براديغم يحلل ظاهرة السلطوية في العالم العربي وشمال افريقيا حيث فكك اليات اشتغال هذه السلطوية اذ ربطها بالأبوية الجديدة مستلهما تجرجة الشيخ والمريد في الزوايا وفي الأسر والمجتمع والدولة من خلال استحضار الخطاطة الثقافية لهذا البراديغم "النموذج التفسيري". في خضم هذا النقاش تستعد الاحزاب السياسية لانتخابات سابع اكتوبر وهي تستحضر و تتغنى بالاستثناء المغربي وتستحضر مقولات سياسية "شعبوية في عمقها" توهم بها المواطن المغربي الذي يتعامل بذكاء قل نظيره مع الحملات الانتخابية، فباستثناء الاحزاب المحسوبة على خط الراديكالية والعدمية الخاوية التي يكون تأثيرها ضعيفا في القرار السياسي، تجد أغلب الاحزاب تزمر وتطبل بدون وعي سياسي تأطيري اذ تفتقد لنسق مؤطر لخطاباتها سواء في الحملات الانتخابية او من خلال المشاركة في الاعلام. فإذا كانت الديمقراطية من الناحية النظرية، تتأس أولا على قيم المشاركة المكثفة للمواطنين في العملية السياسة ككل وبالأخص المشاركة في الانتخابات تصويتا ومقاطعة وامتناعا، ثانيا على قيم احترام صناديق الاقتراع وفق شروط الشفافية والنزاهة التي تشمل مل مراحل الانتخابات، ثالثا على حياد السلطة والإدارة بأخذ المسافة البعيدة عن كل الأطراف المتنافسة على السلطة، رابعا على التنزيل الديمقراطية لمقتضيات الدستور من خلال تجديد المؤسسات الدستورية ودعم مبادرات المجتمع المدني الذي يعد شريك أساسي في البلدان التي تحترم مبادئ الديمقراطية. ففي بلد كالمغرب ،الذي مر من تجربة فريدة من حيث التعامل الذكي لملك البلاد مع الحراك الشعبي إبان ما بات يعرف بالربيع الديمقراطي، فهو مقبل على موعد مع استحقاق انتخابي برلماني ثاني تشهده البلاد بعد دستور 2011، عنوانه 7 أكتوبر ومضمونه متذبذب بين الاستمرار في الإصلاح أو القطيعة معه "ما بات يعرف في أدبيات العمل السياسي المغربي الخروج عن المنهجية الديمقراطية"، هذا المضمون مرتبط بإرادة الدولة التي تارة تتخوف من زحف الإسلاميين وتارة تخاف من تهديد الاستقرار الذي كان فيه للاسلاميين دور كبير في الحراك الشعبي في سنة 2011 عندما فضل حزب العدالة والتنمية عدم الخروج الى الشارع مكتفيا بدعم روح الحراك، إذن فالدولة وجهازه الأعلى المتمثل في القصر الملكي لا يزال يعيش على تناقضات الماضي وتوجسات الحاضر، وبالرغم من أن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش كان واضحا من خلال بعث رسائل لكل الفاعلين مفادها ضرورة الاحتكام لصناديق الاقتراع بعيدا عن السلوكات المشينة والتي تضر بنزاهة العملية الانتخابية. في هذا السياق المفعم بالكثير من التناقضات، فالاستعدادات للمحطة الانتخابية المقبلة مليئة بالتوجسات والمخاوف من عودة المشروع الإصلاحي في نسخته المغربية إلى المربع الأول، والردة على خطة بنكيران "الإصلاح في ظل الاستقرار"، وتكرار تجربة اليوسفي، في المقابل نلاحظ بعض الاصطفافات الحزبية لا تزال تثير الكثير من التساؤلات حول جديتها ولغزها، الاصطفاف الذي قسم المشهد الحزبي الى قطبين الآول يقوده بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية والثاني يتزعمه الياس العماري امين عام الاصالة والمعاصرة، بين الأول والثاني فروقات على مستوى التنظيم والنضال والديمقراطية الداخلية، فروقات لها انعكاس قوي على الاصطفافات الحزبية تجاه الطرفين، على سبيل المثال منذ أن انحاز الاتحاد الاشتراكي عن قيم النضال وبدلها بالولاء والطاعة للزعيم "ادريس لشكر" الذي أقصى عدد من معارضيه، ثم أن هذا الاخير تحول الى مؤيد لحزب الياس العماري في الكثير من المحطات بل هناك من يتهم الاتحاد بتحويله الى ملحقة للبام، هذا مثال بسيط عن وجود حزب يريد أن يهيمن على الساحة السياسية، حزب رغم فشله في محطة 2011 عندما قام بتجميع 8 أحزاب في G8، اليوم يقوم بنفس الدور لكن بأسلوب آخر حيث يعتمد على إزاحة كل الفرص أمام الاحزاب الأخرى لكي تكون لها تمثيلية في البرلمان، من خلال الضغط على رجال الأعمال وتوجيه أم الوزارات "الداخلية" ضد حزب أو أحزاب التحالف الحكومي "خصوصا آلبي بي آس والبي جي دي". اليوم نطرح السؤال على الأحزاب التي تعتبر نفسها أحزاب وطنية، ما هي الوطنية التي يتشدقون بها، اليست وطنية المخزن؟، الوطنية التي تتأسس على جذور تاريخية مرتبطة بالدولة التقليدية "المخزن العتيق" والتعبيرات والألفاظ التي تستخدمها الدولة في محافلها الرسمية "الهوى الأندلسي واللباس ذي نزعة محافظة "، وطنية تخدم المخزن وتصلح فقط لفئات معينة أغلبها تنتمي لنفس الطبقة "ليس بالمعنى الاجتماعي فقط، للمزيد من التوضيحات يمكن الرجوع لكتاب استبانة لمؤلفه عبد الله العروي"، وطنية غير مؤسسة لديمقراطية حقيقية. لكن لحدود الساعة تشير كل المؤشرات على أن البيجيدي قادر على كسب رهان 7 أكتوبر، أولا هذه المؤشرات أكدته نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية لرابع شتنبر، وهي معطيات تدل على صدق نوايا الأطراف الفاعلة في مسلسل الإصلاح بالمغرب، اذ بقيت وزارة الداخلية شبه محايدة، عكس ما توقع العديد من المراقبين، مما أفسح المجال أمام مختلف الفرقاء السياسيين ليقيس كل واحد منسوب شعبيته، ويضع حصيلته في ميزان التقويم من قبل المواطن المغربي، وهو الشيء الذي أعطى تفوقا لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، لكن هذا التقدم للبيجيدي لا ينفي وجود منافس قوي يحظى بدعم من الباطرونا وله حظوظ قوية كذلك، الأشكال في القطبية السياسية "البام-البيجيدي"، بل في الاحزاب الاخرى المتحالفة التي ستصطف بناءا على نتائج الانتخابات لا بناء على خطابات رؤساء الاحزاب وبرامجهم وتكتيكاتها المرحلية كما هو الشأن بالنسبة للتقدم والاشتراكية التي تصطف مرحليا مع البيجيدي، اصطفاف مصلحي لا أقل ولا أكثر هذا ما تؤكده سلسلة توظيفات في المناصب العليا وفي الاستوزار الذي تستفيد فيه طاقات وقيادات الحزب الشيوعي. بغض النظر عن تموقع الاحزاب الوطنية، فإن نقل المعارك المؤسساتية الى الرأي العام، حيث صار الكل يعلم كيف تستعمل وزارة الداخلية اللوائح الانتخابية للتحكم وتوجيه النتائج وضبطها، باعتماد أسلوب التقطيع الانتخابي لصالح أحزاب، والشطب من القوائم ضد أخرى، وتحريك أعوان السلطة لخدمة لوبيات محلية، هذا وليس انتهاء بالتصرف عند الضرورة في النتائج، مؤخرا ظهرت أساليب جديدة من خلال منع جمعيات مقربة من البيجيدي من عملها الجمعوي، ناهيك عن تدخل الولاة والعمال في مجريات الأحداث إما باستعمال القانون بطرق ملتوية لإحراج منتخبين محليين ينتمون بالخصوص لحزب العدالة والتنمية وفي هذه النقطة بالذات نلاحظ غياب تام لحلفاء المصباح تجاه الحصار الذي يعانيه بمعنى أن مسألة التحالفات ترتبط بالأساس بالمصلحة الحزبية لا المصلحة الوطنية كما يصورها زعماء هذه الاحزاب. لكن ومع غياب بدائل سياسية لدى فئة عريضة من الشعب، فبالنسبة لعموم الناس يظل حزب بنكيران الأقل ضررا ويبررون ذلك بالقول "على الأقل هؤلاء لا يسرقون ولا يكذبون "، مع ربط الأمر بالاستقرار الأمني والسياسي رغم قساوة القرارات الحكومية خصوصا المتعلقة باصلاح المقاصة وإصلاح التقاعد الذي غامرت من خلالهم الحكومة بشعبيتها. بالاضافة الى مؤشر ضعف الأحزاب المنافسة وعدم قدرتها على مجاراة السرعة التي يمشي به حزب المصباح، الأخير الذي استطاع تأهيل أطره الإدارية المحلية والجهوية والوطنية، التي ساهمت في التواصل الجيد مع عموم الشعب من خلال تنظيم قافلة المصباح التي تزور كل المدن، مع التأكيد الكاريزما السياسية لزعيم هذا الحزب عبد الاله بنكيران الذي استطاع تقريب كل ما يتعلق بالدولة ومصالحها وإصلاحاتها الى جمهور العامة من الشعب. ونسجل كذلك عدم قدرة الحزب المنافس " الأصالة والمعاصرة " من إسقاط البيجيدي في المدن الكبرى وفشله في بعض القرى التي تعد معقلا له، هذا المؤشر مرتبط كذلك باستقطاب البام لبعض أعضاء البيجيدي الذي طردوا لعدم انضباطهم لقرارات حزبهم أو لفشلهم في الترشح باسم الحزب في الانتخابية الماضية مما زاد من شعبية البيجيدي وضيق على البام. لكن لا يعني أن البيجيدي منزه مما من الخطايا لعل تكريس نموذج الشيخ والمريد داخل الأمانة العامة لهذا الحزب لا مؤشر خطير على نهاية واندثار أسطورة الإصلاح من الداخل مادامت الأمانة العامة غير قادرة على ضبط ودمقرطة المشهد الداخلي لحزبها، مؤشرات أخرى سنرجع لها في مقالات مقبلة، وخلاصات نوعية ستكون أولا مرة تنشر ولا يعلم بها الا من وعى بالتناقضات داخل الحركة الاسلامية "التوحيد والإصلاح " منذ نشوئها الى ظهور حزب العدالة والتنمية